بعد مضي أكثر من 14 عاماً، أعادت وزيرة الثقافة الجزائرية "خليدة مسعودي" خلال حوار مع الصحفية الفرنسية "إليزابيث شيملا" طرح تصريحات كانت قد أدلت بها في كتابها "جزائرية واقفة" انتقدت فيها الدين الإسلامي؛ الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً في الداخل والخارج وصل إلى حد تكفيرها والمطالبة بإقالتها من الحكومة، مما وضع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة وحكومة "عبد المالك سلال" في موقف محرج. وكانت "مسعودي" قد شنت هجوماً شرساً بانتقاد تعاليم الدين الإسلامي مما تسبب بصدمة كبيرة للشعب الجزائري والمسلمين في أنحاء العالم، حينما قالت: "إن الصلاة أكبر إهانة للإنسان .. ولا أؤمن بالزواج .. وأتأسف على الأموال التي تضيع في سبيل الحج، وكان الأولى أن تبنى بها قاعات سينما!!".
ففي الصفحة (32) من كتابها "جزائرية واقفة" قالت: "أعجب من أن الرجل والمرأة إذا كانا غير متزوجين لا يسمح لهما بغرفة في فندق بالجزائر، والإسلام هو الذي تكيف مع التقاليد في منطقة القبائل وليس العكس".
وفي الصفحة رقم (33) من كتابها تابعت: قررت أن أؤدي صلاة غير صلاة المسلمين، فقد طويت سجادتي ووضعتها في قفة، وأدت الصلاة على طريقة "اليوجا".
ونبعت هذه التصريحات من كونها من أشد المناوئين للتيار الإسلامي وضد قانون الأسرة الجزائري الذي تعتبره مقيداً لحقوق المرأة ومهيناً لكرامتها.
ردود فعل وفي محاولة لرصد أصداء ذلك، رفض الدكتور "ماهر أبو عامر" عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين تلك التصريحات، معتبراً ذلك تجرؤاً على شرع الله، فيما وصف الإعلامي المصري الشيخ خالد عبد الله الوزيرة ب "الكافرة".
ودعا الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الشيخ علي بلحاج، إلى إقالة الوزيرة من منصبها وتقديمها إلى المحاكمة؛ بسبب موقفها المستهزئ بالإسلام، لاسيما في ظل تشبثها به وعدم التراجع عنه.
واستنكر محمود حامد، المتحدث باسم تحالف أبناء الكوثر، تصريحها بأن الصلاة إهانة لكرامة الإنسان؛ لأنه يضع رأسه على الأرض أثناء أدائها، موضحاً أن السجود غايته الخضوع والتواضع البشري لله سبحانه وتعالى، ولا يشكّل أية إهانة للإنسان؛ لأن العبودية لله أسمى أنواع الكرامات.
وفي المقابل دافعت "مسعودي" عن نفسها أمام تلك الاتهامات وغيرها التي طالتها من داخل وخارج الوطن بخصوص تصريحاتها، واعتبرتها حملة تستهدف شخصها ويقف وراءها دول عربية تعادي موقفها المساند لقضية الصحراء الغربية منذ أكثر من 18 عاماً.
وأكدت أن حديثها عن الصلاة كان في إطار مكافحة الإرهاب والتطرف، وأنها دافعت في ذلك الحوار عن الجزائر والجزائريين ووصفت إسلامها بالمعتدل، مضيفة أنها تنحدر من عائلة مسلمة تتبنى التسامح مبدأ لها، وأنها كانت تصلي رغم تبنيها فكراً يسارياً، إلا أنها كما تقول "كنت أصلي بطريقتي الخاصة".
غضب "تويتر" وأثارت تلك التصريحات العديد من ردود الأفعال الغاضبة على موقع التواصل الاجتماعي" تويتر"، حيث أعرب العديد من الشباب العربي عن صدمته من تفوه وزيرة جزائرية مسلمة بتلك الكلمات وأنشأوا "هاشتاج" جديداً بعنوان: "خليدة_مسعودي" للرد على تلك التصريحات، ففي البداية رد "الإستراتيجيون الجدد" قائلاً: هذه هي الليبرالية والعلمانية الداعية للديمقراطية.
وقال "أبو نصار" : قطعوا البلاد الإسلامية لدويلات ومقاطعات ووضعوا عليها من غسلت أدمغتهم حتى يحاربون الله ورسوله والدين بأفكارهم الصهيونية.
وكتب "MeshariAlone " يقول: نعم الصلاة أكبر إهانة .. إنها إهانة للشيطان .. إهانة للهوى.. إهانة للتمرد والطغيان.. ولكنها طمأنينة للقلب وعزة الروح وسمو للعقل.
عضوية ورئاسة يذكر أن "خليدة مسعودي" التي شغلت منصب وزيرة الاتصال والثقافة الجزائرية منذ مارس 2003، من مواليد 13 مارس 1958 بمدينة عين بسام بولاية البويرة في منطقة القبائل، وحصلت على ليسانس الرياضيات في يونيو 1983 ، ثم اشتغلت بالتدريس في الفترة من 1984 إلى 1991.
والتحقت "مسعودي" بالعمل السياسي والحزبي منذ أن شغلت عضوية ورئاسة أول جمعية للنساء الأحرار عام 1985، بالإضافة إلى كونها عضو مؤسس ونائبة رئيس أول رابطة جزائرية لحقوق الإنسان في نفس العام، وبعدها نالت عضوية اللجنة الوطنية لإنقاذ الجزائر والمجلس الاستشاري الوطني عام 1992، وخلال الفترة من 1997-2002 عينت نائبة برلمانية عن "حزب الأرسيدي".
وعلى المستوي الحزبي، انضمت إلى حزب العمال، ومن بعدها حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وشغلت خلاله منصب نائبة الرئيس وترأست كتلته البرلمانية ثلاث سنوات، لكنها انسحبت منه في 2001 بعد رفضها الانسحاب من الحكومة، ثم انضمت إلى حزب الحركة الشعبية الجزائرية الذي أسسه الوزير عمارة بن يونس والمناوئ لحزب الأرسيدي سنة 2012.
وللوزيرة العديد من المؤلفات الجدلية وأشهرها كتاب: "جزائرية واقفة" التي ضمنت فيه تلك التصريحات.
سيناريوهات محتملة ويتوقع من خلال السطور السابقة أحد السيناريوهات التالية، ففي ظل موجة الغضب العنيفة التي حلت على الوزيرة الجزائرية، يذهب السيناريو الأول إلى عزلها وإقالتها من منصبها منعاً لتأجيج حالة الغضب لدى العديد من الشباب العربي، ولاسيما الجزائري، الذي اعتبر تلك التصريحات معاداة صريحة للدين الإسلامي ومحاولة لطمثه وتشويهه.
بينما يدور السيناريو الثاني حول قيام الوزيرة بالعديد من المحاولات التي تتمكن خلالها من تصحيح آرائها ووجهة نظرها وكسب الجماهير إليها مرة أخرى، وفي حالة حدوث ذلك، من المتوقع أن تفتح تلك التصريحات الباب أمام الليبرالية كي تستشري في الجزائر، ومن ثم البلاد العربية لتقف أمام انتشار الحركات الإسلامية التي صعدت إلى سدة الحكم في العديد من الدول العربية خلال الفترة الأخيرة.
وفي كل الأحوال، فإن الحكومة الجزائرية تواجه تحدياً في كيفية التعامل مع تلك التصريحات وغيرها التي تثير البلبلة والتوتر داخل المجتمع.