في وقت تواصل فيه حكومة البحرين جهودها لاستعادة سيطرتها على الأوضاع الأمنية في البلد الصغير الذي تفاقمت أزمته منذ انتفاضة 2011، وتنتهز فرصة استضافة البلاد للمسابقة العالمية "الفورميولا 1" أو ما يُعرف بسباق الجائزة الكبرى للتدليل على تحسن الأحوال في البلاد، دعت المعارضة إلى تنظيم مظاهرات حاشدة قبل انطلاق فعاليات السباق. وتأتي دعوة المعارضة للاحتجاجات ضمن برنامج "الحراك الشعبي الميداني" الذي يستمر لمدة عشرة أيام، مطالبين بإلغاء استضافة سباقات "فورمولا 1" بسبب تردي أوضاع حقوق الإنسان في بلادهم.
وفي غضون ذلك التأهب الذي يعيد إلى الأذهان ذكرى انتفاضة 2011، يعتبرها المراقبون "إنذار ثورة" وتأكيداً على تجميد الحوار وعودة التوتر بشكل يومي منذ أكثر من عامين مع أعقاب ثورات الربيع العربي. ردود فعل وقد أكد خليل المرزوق، عضو جبهة الوفاق المعارضة، على عدم دعوة المعارضة إلى احتجاجات يوم السباق حفاظاً على سلمية فعالياتها، وعدم الرغبة في إحداث أي أعمال عنف سواء من جانب قوات الأمن أو المحتجين.
وأدانت منظمة العفو الدولية في بيان لها ما وصفته ب"التصدي المفرط" من جانب الشرطة لاحتجاجات قبل السباق، وقالت "حسيبة حج صحراوي" نائبة مدير الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة: "إن السلطات تسعى إلى استخدام سباق الفورميولا 1 "الجائزة الكبرى" لإظهار التقدم وترويج مزاعم تفيد تحسن وضع حقوق الإنسان، في الوقت الذي تعزز من القمع لضمان عدم تشويه صورتها".
ومن جانبها علقت "سارة واتسون" مديرة الشرق الأوسط في منظمة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" على المداهمات التي تشنها السلطات منذ 2011 ضمن الجهود الأمنية بأنها تصل إلى حد القمع المفرط، مما يثير أسئلة بشأن التزام البحرين بالإصلاح." وفي المقابل رفضت منظمة (مواطنون من أجل البحرين) التي تدعم السباق انتقادات جماعات حقوق الانسان، مؤكدة أن "السباق يوحد الشعب على الرغم من الخلافات السياسية بعد فترة من الاضطرابات والتوتر الطائفي". وفي نفس السياق أشارت وزيرة الدولة لشؤون الإعلام "سميرة رجب" إلى أن الوضع الأمني في مملكة البحرين مطمئن جداً، وأن هناك مبالغة وتضخيماً في الإعلام الخارجي بشأن تأثير الأحداث الأمنية على استضافة سباقات الفورميولا واحد. تشديد أمني وفي هذه الأثناء شدّدت الحكومة البحرينية من إجراءاتها الأمنية المطلوبة لتوفير الأمن خلال كافة مراحل سباق "الفورميولا 1" الذي يحتل اهتماماً كبيراً من قبل الحكومة والشعب البحريني في هذه الظروف الملتبسة. وقامت السلطات بعدة عمليات مداهمة للمنازل القريبة من مكان إقامة السباق والاحتجاز التعسفي لمحتجين من المعارضة الشيعية، وذكرت مصادر محلية لمنظمة حقوق الإنسان "هيومن رايتس واتش" أن مجموعات من ضباط الشرطة المقنعين في زي مدني قادوا مداهمات ليلية في المدن المحيطة بمسلك السباق. وفي السياق ذاته، كثفت الشرطة البحرينية من إطلاق الغاز المسيل للدموع على احتجاجات طلابية في إحدى مدارس العاصمة المنامة، واعتقلت نحو 100 شخص خلال احتجاجات تنظمها المعارضة الشيعية إثر قيام مجموعة تطلق على نفسها "حركة 14 فبراير المعارضة" بتفجير سيارة مفخخة في العاصمة. وقالت الوزيرة "سميرة رجب": إن الجهات الأمنية ستوفر الأمن اللازم خلال استضافة السباق، وستتخذ الاحتياطات الكافية مثلما يحدث في كافة البلدان الكبرى التي تستضيف مثل هذه الفعاليات الرياضية العالمية. فتيل الثورة لم يقتصر فقط هذا السباق على مجرد حدث رياضي عالمي، بل يحتل أهمية سياسية كبيرة في هذه الأوقات، وقد يمثّل فتيلاً للثورة المتوقعة في البلاد التي تقودها المعارضة من الأغلبية الشيعية، حيث تحاول الحكومة ومؤيدوها التدليل بإقامته على أن المملكة مستقرة وتعود إلى سابق عهدها، أما على العكس تقول المعارضة إن هذا السباق ليس إلا محاولة لإخفاء ما يقولون إنه حقيقة قبيحة للحياة اليومية في المملكة. وقد يؤجج من نار هذه الثورة الأوضاع التي يشكو منها الأغلبية الشيعية التي تمثل أكثر من 60% من السكان، حيث يؤكدون على تعرضهم للتمييز من قِبل الحكومة السنية، ومن نسبة البطالة المرتفعة، والسكن غير اللائق، رغم أن البلد أصبح غنياً بعد اكتشافات النفط منذ عام 1931، فضلاً عن تعرضهم لحملات واسعة النطاق استهدفت قادة منهم، وشخصيات سياسية أخرى معارضة، ونشطاء حقوق إنسان، وقد واجهوا اعتقالات تعسفية، وسوء معاملة خلال احتجازهم، كما توفي 40 شخصاً خلال قمع المعارضة. كل ذلك يأتي في إطار جو خارجي لا يخلو من التوتر أيضاً، خاصة ما يتعلق بالأزمة مع إيران التي تصاعدت مع ادّعاء الأخيرة بأن المملكة جزءٌ من الجمهورية الإسلامية، لاسيما بعدما تصاعدت حدة التوتر بين البلدين على خلفية مشروع الاتحاد بين المنامة والرياض، مما أثار قلق البحرين وحلفائها في الخليج وخارجه، واعتبرت الخارجية البحرينية ذلك تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية للمملكة ومساساً صارخاً باستقلالها وسيادتها؛ الأمر الذي ترفضه المملكة جملةً وتفصيلاً، رغم النفي المستمر من جانب طهران لهذه الاتهامات. سيناريوهات مربكة وفي ظل ما يحوم بمنطقة الشرق الأوسط من مخاطر وتحديات تفضي إلى احتمالية صعود نار تأتي على حكم الممالك في الخليج، تكون البحرين (التي تتمتع بغالبية شيعية) بداية حطب هذه النار في ظل عام غلب عليه تصنيف "حرج" بالنسبة لأمن المنطقة. وعلى ما يبدو أن المستقبل القريب سيشهد ضمن تكهناته المتوقعة أحد السيناريوهات التي تبلورت ضمن ما أيقنته الأسرة الحاكمة في المملكة البحرينية، بعدما وضعت نصب أعينها ضرورة عدم فتح جبهات متعددة من شأنها إنهاك القوى. وبالتالي يعد التوجه نحو حل المشاكل الداخلية مع المعارضة بإضفاء شيء - حتى ولو قليل – على طريق الإصلاح السياسي والاجتماعي يشهد به المجتمع الدولي، أحد السيناريوهات المحتملة الحدوث خاصة مع قرار التعيين الأخير لولي العهد الأمير سلمان آل خليفة نائباً لرئيس الوزراء المعروف بموقفه السلمي في حل الأزمة مع المعارضة، وقد يدعم هذا السيناريو أيضاً الموقف الإقليمي لدول الخليج وعلى رأسها السعودية (الداعم للاستقرار في المملكة)، فضلاً عن انشغال إيران بملفها النووي والعقوبات الغربية المفروضة عليها ونفيها المستمر لاتهامات التدخل في الشئون الداخلية للمملكة.
أما بعد تأزم الموقف مع إعلان المعارضة وتجميدها للحوار مع الحكومة ووصول المفاوضات بينهما إلى طريق مسدود، يصعب تحقيق هذا السيناريو – إن لم يكن مستحيلاً- مما يفتح المجال أمام سيناريو آخر ليس مستبعداً، وهو تصاعُد الاحتجاجات التي قد تودي بحكم الأسرة المالكة مما يحمل معه إنذار ثورة ملبد بحمى الربيع العربي.