في وقت تبحث فيه "فنزويلا" عن فصل جديد في تاريخها بعد رحيل الرئيس السابق "هوجو تشافيز"، سادت البلاد حالة من الصراع السياسي أدت إلى إثارة العنف والتوتر، مما يهدد بفقدان "فنزويلا" لبريقها الإقليمي والدولي الذي حارب من أجله "تشافيز" لسنوات، الأمر الذي جاء مخيباً لكل الآمال. وفي غضون ذلك، وعقب إعلان المجلس الوطني للانتخابات رسمياً فوز" نيكولاس مادورو" (نائب الرئيس الراحل "هوجو تشافيز") في الانتخابات الرئاسية التي جرت في أبريل الحالي، متقدماً على غريمه "كابريليس" بفارق (265 ألف) صوت، عمت البلاد حالة من الاحتجاجات والمظاهرات التي دعا إليها "كابريليس" اعتراضاً على النتيجة.
وفي المقابل، أكد "مادورو" التزامه بنهج سلفه الراحل "هوجو تشافيز"، في اتباع التشريعات الخاصة بحماية الفقراء وحماية الاستقلال الوطني، متهماً المعارضة بأنها تنطلق من عقلية انقلابية، ووصف الدعوة للتظاهر ضد فوزه بالرئاسة بالخروج على القانون الفينزويلي.
أجواء ملتهبة وفي ظل تلك الأحداث، تصاعدت أعمال العنف في البلاد، وأعلنت المدعية العامة في "فنزويلا" "لويزا أورتيغا دياز" (في تصريحات صحفية لها) أن أعمال العنف التي أعقبت إعلان نتائج الانتخابات المتنازع عليها، أسفرت عن مقتل سبعة أشخاص وجرح (61) آخرين، ملقية باللوم على المعارضة في اندلاع العنف إصر دعوتها إلى خروج المسيرات الاحتجاجية.
فيما دعا الرئيس الفنزويلي المنتخب "مادورو" أنصاره إلى الاحتشاد في مسيرات سلمية في جميع أنحاء البلاد، رداً على مظاهرات المعارضة الاحتجاجية على فوزه بفارق ضئيل في الانتخابات الرئاسية على منافسه "كابريليس".
وبدورها اشتبكت الشرطة الفنزويلية مع مئات من المحتجين، الذين هتفوا: "احتيال"، و"إعادة فرز"، احتجاجاً على فوز "مادورو"، واندلعت احتجاجات في أنحاء العاصمة "كراكاس"، وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع على المتظاهرين بعد حملهم للعصا والحجارة والقيام بأعمال تخريب.
الموقف الدولي وفي سياق متصل، أعرب المتحدث باسم البيت الأبيض "جاي كارني"، عن تأرجح موقف بلاده من نتيجة الانتخابات الفينزويلية، وقال: "نظراً إلى النتائج المتقاربة، يبدو أن إجراء تدقيق في الانتخابات خطوة هامة وعاقلة وضرورية، تسمح لجميع الفنزويليين بأن يثقوا في هذه النتائج"، مضيفاً: "من وجهة نظرنا، فإن التسرع في هذه الظروف سيكون متناقضاً مع تطلعات الفنزويليين إلى نتيجة واضحة وديمقراطية".
ومن جانبه هنأ الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" "مادورو" بالفوز في الانتخابات، داعياً كل القوى السياسية الفنزويلية إلى اتخاذ موقف مسئول ومتوازن من نتائج الانتخابات، مؤكداً على استعداد بلاده لتطوير الحوار البناء مع "فنزويلا" في كافة جوانب القضايا الدولية والعلاقات الثنائية، بما يتفق مع مصالح البلدين.
وفي السياق ذاته، بعثت كل من "الصين" و"إيران" بالتهنئة لفوز "مادورو"، متمنيتين تحقيق "فنزويلا" الاستقرار والنمو، ومعربتين عن الرغبة في استمرار الشراكة الإستراتيجية مع "فنزويلا".
وعلى المستوى العربي، بدا هناك قلق واضح منذ رحيل "تشافيز" جراء احتمالية تغيير "فنزويلا" لعلاقاتها مع العالم العربي، عبر تغيير مواقفها من مساندة القضية الفلسطينية، أو تبدّلها عن مساندة النظام السوري.
وبالتالي سوف ينعكِس المشهد المتأزم في البلاد بشكلٍ كبير على علاقات "فنزويلا" الدولية وتحالفاتها، وسوف يَطال المِنطقة العربية، وقد يقلب الأمور لدرجة قد تجعل العدُو صديقاً والصديق عدُواً.
سيناريوهات غامضة وفي غضون ذلك، يرى الخبراء أن "فنزويلا" ستشهد صراعاً سياسياً حامياً، لا يمكن التكهن بنتائجه، مع احتمال تصاعد أعمال العنف في البلاد بين أنصار الغريمين في الانتخابات.
وفي هذه الأثناء، يؤكد العديد من الخبراء أن علاقات "فنزويلا" في ظل هذا المشهد وبعد رحيل "هوجو تشافيز"، سوف تشهد تراجعاً دولياً في ظل استمرار أعمال العنف والتوتر التي تشهدها البلاد، مما يفقدها بريقها على مستوى القارة اللاتينية، خاصة مع وجود احتمالات تشير بوجود أجندات خارجية للولايات المتحدة، التي تسعى إلى إبعاد خليفة "تشافيز" عن كرسي الحكم، رغم أن تلك العلاقات قد تكون اعتيادية مع بعض القوى الأخرى مثل "روسيا" و"الصين".
ويرى المحللون أن الوضع المتوتر في البلاد بلا شك لا يقتصر على الأجندة الداخلية، بل يتعدى إلى الخريطة السياسية في أمريكا اللاتينية ككل؛ بسبب مكانة "فنزويلا" المهمة في القارة سياسياً واقتصادياً.
فبعد أن كان "تشافيز" زعيماً إقليمياً، عززت مبادراته التكامل بين الدول اليسارية في أمريكا اللاتينية، كما بات التيار اليساري يتمتع بقوة قيادية هناك، حيث تتولى أحزاب يسارية القيادة في أكثر من عشر دول بالقارة، ومنها "الإكوادور" و"تشيلي" و"كوبا"، مع كل ذلك ما زال الغموض يخيم على مستقبل الخريطة السياسية في أمريكا اللاتينية بعد وفاة "تشافيز"، ولا سيما في ظل ما تشهده البلاد من ارتباك وتوتر عقب الانتخابات الرئاسية.