تدرس حكومة الوفاق الوطني الانتقالية اليمنية إمكانية تنفيذ "جرعة سعريه محسنة" لمحاصرة العجز في الموازنة العامة للدولة الذي تفاقم خلال الأشهر الماضية. ويرى مراقبون اقتصاديون أن الحكومة اليمنية أصبحت تعاني من مشكلة اقتصادية لا تزال تداعياتها حتى الآن بعيدة عن المواطن البسيط، ولكنها أقرت إجراء إصلاحات اقتصادية وشكلت لجنة لوضع مقترحات بشأن تنفيذ تلك الإصلاحات التي قد تدمر ما تبقى من استقرار اقتصادي وستدفع باندلاع ثورة مضادة قد يقودها هذه المرة فقراء اليمن.
وقد تكون مغامرة غير محسوبة لو طالت الإصلاحات السعرية التي كشفت عنها حكومة الوفاق السبت الماضي في اجتماع المجلس الاقتصادي الأعلى الفقراء والمعسرين وما تبقى من ميسورين وأغنياء، وقد تقضي على ما تبقى من حراك تجاري.
فالأزمة الاقتصادية للحكومة اليمنية و التي أفصح عنها وزير المالية صخر الوجيه في تقرير عرض على المجلس الاقتصادي الأعلى تنذر بوجود مؤشرات ومستويات العجز الذي سجلته في الفترة الماضية من العام الجاري؛ نظرا لتراجع الإيرادات العامة بسبب انقطاعات ضخ النفط الخام "مأرب - رأس عيسى" جراء الأعمال التخريبية المتكررة، والتأثيرات الكبيرة لهذا الانقطاع على الاقتصاد والموازنة العامة للدولة، والتي كشفت وفق آخر التقارير الحكومية عن تكبد الخزينة العامة للدولة خسائر مالية تجاوزت ثلاثة مليارات و166 مليون دولار خلال الفترة الماضية جراء "الاعتداءات" على أنابيب النفط والغاز.
وعلى الرغم من طرح قضية العجز على صندوق النقد الدولي إلا أن الصندوق لم يمنح أي مؤشرات لتمويل العجز، حيث أشار الوجيه إلى أن وزارته بحثت القضية مع صندوق النقد الدولي لإمكانية قيام الصندوق بتقديم تمويل للموازنة عبر البرامج التي يقدمها للدول الأعضاء.
ولإدراك حكومة الوفاق الوطني أن أية "جرعة سعرية" تصادف أوضاعا اقتصادية متردية سيكون لها تأثير بالغ على حياة الفقراء ولذلك اشترطت أن تراعي تلك الإصلاحات أوضاع الفقراء، حيث أقر المجلس الاقتصادي الأعلى، في اجتماعه السبت الماضي تشكيل لجنة وزارية مكونة من وزراء المالية، والتخطيط والتعاون الدولي، والاتصالات وتقنية المعلومات، والثروة السمكية، والمغتربين، ومحافظ البنك المركزي اليمني، وأمين عام مجلس الوزراء؛ لتولي دراسة وإعداد مقترح ببرنامج وطني للإصلاحات الشاملة، اشترطت أن يراعي البرنامج بدرجة أساسية مصالح وأوضاع الشريحة الفقيرة.
فيما لم تحدد اتجاه الإصلاحات السعرية القادمة، والتي من المتوقع أن تنفذ خلال النصف الثاني من العام الجاري إلا أن هناك مؤشرات تفيد بأن هذه الإصلاحات ستطال الجمارك والضرائب ورفع الدعم تدريجيا عن المشتقات النفطية البالغ سنويا 25% من إجمالي الموازنة العامة للدولة.
ووفق المعلومات فإن حكومة الوفاق تعرضت لضغوط من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أجل رفع الدعم الحكومي لأسعار المشتقات النفطية كشرط من المؤسستين مقابل تقديم تسهيلات للحكومة التي ناقشت مع صندوق النقد الدولي عملية تمويل العجز المالي حيث تطلب الحكومة اليمنية قرض من صندوق النقد الدولي مقداره 200 مليون دولار خلال الأعوام الثلاثة المقبلة.
وفي سياق متصل.. ظهرت بوادر الأزمة المالية التي تعانيها حكومة الوفاق اليمنية "التي تم تشكيلها من حزب المؤتمر الشعبي وحلفاؤه مناصفة مع المعارضة تحالف اللقاء المشترك وشركاؤه ومعظمهم من الجنوب اليمني" إلى العلن مطلع الشهر الجاري وقف البنك المركزي اليمنى صرف الشيكات الصادرة لعدد من الجهات والوزارات في الحكومة نتيجة تجاوز الحكومة للسحب المتفق عليه، وطالب البنك من مندوبي تلك الجهات تفويض مجلس الوزراء وتلك الجهات لتمنحه الصلاحية لتغطية تلك التعزيزات التي أصدرتها المالية.
وأفاد مصدر مسئول في البنك المركزي اليمني بأن حكومة الوفاق الوطني قد تجاوزت برنامج الحد الأدنى للسحب المصرح لها الذي نص عليه برنامج السحب المقرر من قبل وزارة المالية والبنك المركزي اليمني.
وأنه بحسب الاتفاق وفي حال تجاوز سحب الحكومة يجب عليها إبرام عقد آخر لِأَن تمنح بموجبه الحكومة احتياجاتها من السيولة النقدية الإضافية خاصة بعد تجاوز عدد من الجهات الحكومية لبرنامج السحب، واشترط البنك المركزي الحصول على موافقة مكتوبة لزيادة السحب الإضافي من قِبل الحكومة، وتفويض البنك باعتماد لتغطية تلك النفقات لصعوبة تجاوز تعليمات الاتفاق.
ويتوقع مراقبون أن تكون الجرعة المزمع تنفيذها بمثابة رصاصة الرحمة على آمال الملايين من أبناء الشعب اليمني، لا سيما وأن تقارير المنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني تؤكد أن المجاعة وسوء التغذية الذي تفشى بصورة حادة في اليمن نتيجة ارتفاع أسعار الغذاء.