- نخبة اليسار والليبرالية تسعى لهدم مشروع الإسلام - العنف في مصر فاق المعقول - قدمت لمرسي "مائة" نصيحة .. ونبهته لخطورة تكميم الأفواه لو حقق الرئيس نصائحي مصادفة أو حتي أستجاب لها ففي كلا الحالتين أشكره - أمريكا تغير العقول قبل إرسال الجيوش - إيران غزت سوريا .. بالهدوء - تحولت من اليسار للإسلام .. وأرفض "حراس الحقيقة"
حاوره – عمرو عبدالمنعم
طلعت رميح مفكر وصحفي من طراز فريد .. وقد اعتاد أن يسلط الضوء بجسارة على مكامن الفساد والتآمر على مصير أمته ووحدتها. وهو وإن كان سعيدا بانتفاضة العرب ضد الاستبداد لكنه لا يخفي قلقه المتصاعد من تلاشي ثورات الربيع بفعل القوى العالمية وعملائها بالداخل .
قدم مؤخرا "مائة" نصيحة للريس مرسي وخاصة في تعملة مع الإعلام ، يري بعض المراقبين انه "أي الرئيس "إستجاب لنصائحة وتنازل عن القضايا التي قدمتها رئاسة الجمهورية بشأن سب وقذف الرئيس، دائما ما يقدم رميح قراءة إستراتيجي للواقع المصري والعربي الإسلامي .. التقيناه على هامش منتدى المفكرين المسلمين والذي اختتم أعماله مؤخرا بالقاهرة ، وكان هذا الحوار..
- أنت قلق على الثورات العربية الراهنة كما عبرت بورقتك .. فما شواهد ذلك على الأرض ؟
رميح : الشاهد الأول الذي يقلقني أن المنطقة كلها وليس الثورات العربية فقط، تعيش تحت حالة ضغط شديد من طرفين قويين؛ المشروع الشيعي المدعوم بقوة إيران، والمشروع الليبرالي المدعوم بقوة أمريكا، وحتى الآن لا يوجد مشروع إسلامي متكامل في المواجهة .
والصراع على الأرض بين دول الربيع العربي وقائعه تشير لانعطاف في الصراع من بين معسكرين وهما الليبرالي الذي يضم كل الأطراف الأخرى حيث الداعمين لإيران أصبحوا داخل ذلك المشروع في مصر، وبين فصيل من فصائل العمل الإسلامي الذي يعيش تناقضا وصراعا مع فصيل آخر .
ورغم الفوضى والعنف والصراع الذي نعلم أنه طبيعي في المراحل التحولية بعد الثورات ، لكن هذا العنف يحمل مخاطر حقيقية كما هو الحال في مصر.
- لكن ما الذي يعوق الإسلاميين عن التوحد ضد من يسعى لهدم مشروعهم ؟
رميح : حتى الآن هناك ثقافة غائبة عن العلاقات الإسلامية وهي أن القوى السياسية تعرف ثقافة الخلاف والصراع وإدارته وتملك برامج سياسية وخطط تجعلها تحدد حلفاءها وخصومها وتتحاور معهم، ولكن ثقافة البناء الاستراتيجي غائبة لدى الحركات الإسلامية ومن ثم قدرتها على تحديد الأصدقاء والحلفاء بشكل دقيق لا تزال متأخرة .
- هل تقصد ما قاله القرضاوي في كتاب الصحوة الإسلامية من أن الإسلاميين يعتنون بخصومهم أكثر من رفقائهم ؟
رميح : أنا أبحث عن الحلول وليس الإدانات والمسببات الجزئية، وحتى لو كان هناك طرف تسبب في إحداث الخلاف فهو نتاج بيئة معينة . الحركات الإسلامية لفترة طويلة جدا غرقت في بالتاريخ الماضي بأكثر مما قدمت نظريات للتعامل مع تحديات العصر لأنها غيبت عن ساحة العمل السياسي كثيرا فدخلت لهذه الساحة متأخرة .
ونحن اليوم في لحظة مليئة بالصراعات تتطلب حالات شديدة من المعرفة والتأصيل والفهم والإدراك وكيف تقيم توازنات وتعقد تحالفات جزئية ومرحلية ومتوسطة وطويلة المدى .
الجانب الثاني أن طبيعة المرحلة صعبة للغاية حتى على الذين يملكون مثل هذه الثقافات، حتى أنه من العوامل التي ساعدت على اقتراب القوى القومية والليبرالية يعود لقوى خارجية أكثر من طاقتهم وقدراتهم . وهو دور يمكن تلك النخب يجعلها تدرك أن خصمها هو المشروع الإسلامي ، وأعني القوى الغربية التي ثقفت هؤلاء وأودت بهم لهذه الدرجة .
- لماذا قدمت 100 نصيحة للرئيس مرسي ؟
رميح : وجهتها له باعتباره رئيس في لحظة استثنائية وظرف استثنائي والرجل في حاجة للدعم والمساندة والأهم أنني قدمت نموذجا للحالتين الموجودتين على الساحة، لدينا حالة قاذفي الحجارة من السياسيين والفاعلين على الأرض ، ولدينا حالة التأييد غير الكامل وغير المدروس والمفيد أحيانا للدكتور مرسي، فرأيت أن أقدم نموذجا جديدا للعلاقة بين أي سياسي وصحفي والرئيس، وهو النصح بدلا من المعارضة والصياح .
- هل نصائحك لمرسي كانت وراء سحبه البلاغات ضد الصحفيين؟
رميح : لا أدري، لكن على أية حال أشكره لو كان استجاب أو حتى لو جاءت مصادفة، وأتصور أنه في حاجة لحرية الإعلام أكثر من أي طرف آخر لأن الرئيس بلا إعلام كمن يحكم على الهواء، فلم يعد الحاكم يحكم من خلال دوائر مغلقة وسرية ولا قرارات محاطة بالتقديس ، وأرى أن الإعلام الذي يستخدم الآن كنصل رمح من قبل أطراف لتجربة مرسي يجب ألا يفقده قناعته بأن الإعلام هو معينه حتى لو كان بلهجة يرفضها ..
- ألا ترى أن الإعلام صارت لهجته لاذعة وفقد موضوعيته فأصبح يتصيد الأخطاء فقط؟
- نعيش حرب الأفكار عبر الإعلام وهي ظاهرة جاءت بها ثورات الربيع العربي وهي أن الإعلام تحول من نقل الأخبار والتغطيات لأن يكون مساهما في الحرب الفكرية، وليست السياسية فحسب، ولابد أن نعي ذلك، ووصول الإعلام لشن حرب فكرية هو أمر جديد على الساحة الإعلامية وهو ما يعطيه هذه النظرة الحادة غير المسبوقة في التعامل مع القضايا التي يطرحها.
الإعلام الذي نراه الآن بشخوصه ورموزه ومموليه هو ذات الإعلام الذي أسس في عصر مبارك وكان جزء من التحضيرات الأمريكية لثورات الربيع، وهذه القنوات قامت وسمح لها بضغوط أمريكية بالدرجة الأولى وليس للتسامح مع الإعلام، لأن إعلام آخر كان ممنوعا ..
وأوافقك أن الإعلام الآن يمارس حرب الشائعات ويقوم بدور من أدوار الحرب النفسية وليس نقل المعلومات والأخبار وبالتالي فنحن أمام حرب حقيقية وهي حرب ليست باللفظ المعنوي ولكنها حرب حقيقية، والولايات المتحدة كما هو معلوم انتهت من غزو أفغانستان والعراق لنتيجة واحدة، أن التغيير ليس بالجيوش ولكن بتغيير فكر الجماهير نفسها ..
- تقوم تلك الحرب على فكرة إشاعة أوسع حالة من الفوضى داخل المجتمعات العربية والإسلامية وعدم تمكين أي برنامج ثوري لتحقيق برنامجه للاستقرار، وهي حرب تفكيك مذهبي وطائفي ولو تابعت البرامج الإعلامية ستجد إصرارا ومتابعة وتكثيف لكل ما يفكك الولاءات القومية والإسلامية والوطنية .وهي حروب معتقدية تشن حربا على الإسلام بأبعاده لمصلحة التيار الليبرالي الذي يريد استخدام أفكاره لتفكيك المجتمعات وحرف منظومة القيم التي تحافظ على استقرار القيم.
- هل المخاوف مما يسميه التيار السلفي "الغزو الشيعي" لمصر في محلها أم هناك تضخيما للأمر؟
رميح : المخاوف في محلها؛ نحن لا نرى بالشارع جحافل إيرانية لكن حين كنا نزور سوريا كنت ترى على السطح ألا شيء يجري ولكن في القاع كل شيء يجري، وسافرت سوريا كثيرا كان الكثير من السوريين يشكون من قدوم الإيرانيين كزوار أولا للعتبات المقدسة لديهم وانتهوا لتجار وصناع وأصحاب رؤوس أموال وسيطرة على القيادات والكوادر التنفيذية وأصبحوا هم المسيطرون على القرار السياسي الآن وبالتالي فالسلفيون وغيرهم من التيارات الرافضة للنفوذ الإيراني يتحدثون بشكل صحيح أن الأمر نراه مبسطا ولكن بعد وقت نكتشف أنهم احتلوا مواقع تأثير كبيرة داخل المجتمع وقياداته .
رميح : إيران تفرض لغة الحرب والصراع على كل ما هو بالإقليم ولا تترك مجالا للحلول التفاهمية غير الصراعية ،وهي تنحى منحى هجومي على المستوى العقائدي والسياسي والعسكري، وقد رأينا ما جرى بالكويت والبحرين والعراق وسوريا.
- تعرضت لهجوم من بعض الإسلاميين بعد تحولك من الأيديولوجية الناصرية للإسلامية .. حدثنا عن ذلك .
رميح : المشكلة ناتجة عن الشعور الزائف من قبل الإسلاميين بأنهم حراس الحقيقة وأنهم المختصون بها ، وأنا لم أكن ناصريا بأي لحظة بل كنت يساريا وخضت تجربة نضالية لم تكن سهلة ولم أخرج من صفوف اليسار إلا بصراع فكري مع الدكتور عادل حسين استمرت 6 سنوات .
أذكرك بأن اليسار أيضا كان هو التيار الوحيد المتاح أمام جيل كامل ولكن بعد تجربة عميقة وممارسات فكرية مضنية عقليا وسياسيا ونفسيا رأينا الطريق بأفضل ممن كانوا فيه ، وقدمنا الكثير لم يستطع آخرون تقديمه . ولذلك كنا ثابتون على الحق أكثر من غيرنا .