أثارت زيارة الرئيس محمد مرسي إلى الخرطوم وتصريحات مساعد الرئيس السوداني حول قضية أراضي "حلايب وشلاتين" علامات الغيوم حول مستقبل العلاقات المصرية السودانية، حيث يؤكد الطرفان على أحقيتهما الكاملة فيها، وكانت هذه القضية أحد المسببات الرئيسة لتوتر العلاقات السودانية المصرية منذ فترة الخمسينات من القرن الماضي وحتى الآن. وقد أثار ذلك العديد من التساؤلات حول أهمية التشبث بهذه القضية، ومدى تأثيرها على مستقبل العلاقات التعاونية بين البلدين؟
مثلث حلايب: يقع مثلث حلايب في منطقة على الطرف الأفريقي للبحر الأحمر وتبلغ مساحتها 20,580 كم2، وتوجد بها ثلاث بلدات كبرى هي: حلايب وأبو رماد وشلاتين.
ويبلغ تعداد سكان حلايب حوالي 200 ألف نسمة، معظهم من البجا وينتمون لقبائل البشاريين والحمدأواب والشنيتراب والعبابدة، ويشاركهم قليل من الأمرار والرشايدة.
ولقد كان الاستعمار عاملاً أساسياً في حدوث الاختلافات بين الدول، وساهم في بروز تلك المثلثات الحدودية بين الدول الأفريقية، وكانت هذه المنطقة أحد مخلفات هذا الاستعمار.
وفي الوقت الذي تؤكد فيه السودان على حقها فيها وفقاً لخريطة العالم، تؤكد مصر أيضاً على تبعيتها لها وفقاً للموروثات التاريخية والقانونية.
ونظراً لادعاء كلا الطرفين بحقهما في حلايب وشلاتين، تظهر وتختفي عدة اختلافات وربما خلافات بينهما من فترة إلى أخرى بحسب الظروف الداخلية لكل بلد.
قيمة اقتصادية: وتنبع أهمية حلايب وشلاتين وفقاً لكثير من الخبراء السودانيين إلى قيمتها الاقتصادية، حيث تحوي 11 نوعاً من المعادن أبرزها الحديد والذهب، فيوجد بها مصنع للحديد الصلب يوصف بأنه الأكبر في أفريقيا على بُعد «60» كيلومتراً من حلايب ويعتمد بصورة أساسية على خام الحديد المستخرج من حلايب، فضلاً عما يشير إليه البعض من وجود بترول، وتمتعها بمجال حيوي للصيد والملاحة على ساحل البحر الأحمر.
هذا بالإضافة إلى الأهمية الإستراتيجية لها من الناحية الأمنية، حيث تتمتع منطقة حلايب بأهمية إستراتيجية لدى الجانبين المصري والسوداني، وتعتبرها مصر عمقاً إستراتيجياً مهماً لها كونها تجعل حدودها الجنوبية على ساحل البحر الأحمر مكشوفة ومعرضة للخطر، وهو الأمر الذي يهدد أمنها القومي، كما ينظر السودان إلى المنطقة باعتبارها عاملاً مهماً (أيضاً) في الحفاظ على وحدة السودان واستقراره السياسي، لما تشكّله المنطقة من امتداد سياسي وجغرافي لها على ساحل البحر الأحمر، بالإضافة إلى أهميتها التجارية والاقتصادية لكلا البلدين.
ويرى مراقبون أن تمتع حلايب بالثروات المعدنية والطبيعية، علاوة على أهميتها الإستراتيجية من الأسباب المباشرة لتشبث السلطات المصرية والسودانية بها.
ولذا؛ تثار مشكلة حلايب بين حين وآخر كمؤشر على وجود أزمة في العلاقات المصرية السودانية، إلا أن هذه الأزمة سرعان ما يتم احتواؤها حرصاً على هذه العلاقات ومحاولة دفعها إلى الأمام؛ وحفاظاً على المصالح المشتركة بين البلدين الشقيقين، لاسيما في المرحلة الحالية التي يمر فيها السودان بالإضافة إلى المرحلة الصعبة التي تشهدها مصر.
سيناريوهات محتملة: ووضعت الحكومة السودانية ثلاثة سيناريوهات بعد التطورات السياسية التي حدثت أخيراً بمصر بزوال النظام المصري السابق بعد ثورة 25 يناير 2011م، لحسم قضية مثلث حلايب الحدودي الذي تتنازع على تبعيته مع مصر، وتدور معظم الخيارات السودانية حول ما يلي:
جعل حلايب منطقة تكامل بين البلدين، شريطة اعتراف الحكومة المصرية بأنها أرض سودانية تتم إدارتها بإدارة مشتركة بين البلدين ويتم سحب القوات المسلحة وتحل محلها شرطة سودانية مصرية.
أما الحل الثاني فيذهب في اتجاه لجوء السودان نحو التحكيم الدولي في لاهاي، بينما يتجه الخيار الثالث إلى إقامة استفتاء لشعب المنطقة ليختار الانضمام للسودان أو مصر طوعاً.
نقطة ضعف: ومن ثم ستظل حلايب نقطة ضعف في مستقبل العلاقات السودانية المصرية، فهي ليست مسألة حدودية، بل أزمة سياسية ثقافية غاية في التعقيد لأنها تتصل بالبشر وبالتاريخ.
ويتوقع عددٌ من المحللين استمرار النزاع حولها كثيراً، كما ستتجاذب منظومة العلاقات بين البلدين بين الرفض والقبول والتحفظ والانفتاح.
وأخيراً، يجب التعامل مع هذه القضية بطريقة دبلوماسية حتى لا تتزايد أعمال التوتر بين البلدين، والبحث عن حل لايمكن أن يتم من خلال الإثارة والتعبئة بل بالحوار الهادئ في إطار الوعي الكامل بالروابط العميقة بين الشعبين التي يجب أن تتعالى وتسمو عن أي شيء آخر.