لم يكن اسمه أبدا يدل على أية مرحلة من مراحل حياته.. " ربيع" هذا هو اسمه، ومع ذلك لطالما عصفت به خماسين الخريف.. فقر وجوع وراتب يتقاضاه من عمله كخفير نظامي في نقطة حراسة كنيسة الروضة.. راتب بالكاد يكفي؛ لأن يسد ضيم أولاده؛ ولكنه مع ذلك يحرص عليه؛ لأن البديل ضياع مستقبل الأولاد وافتضاح سر البيت الذي يقوم على "لقمة هنية تكفي مية" وربنا "يديم" الستر. "ربيع" لم يعرف قط لماذا هو فقير؟! ولماذا هو يعاني ولماذا الآخرون أغنياء ولماذا لا يعانون ما يعانيه؟!.. بل إن من غرائب القدر أنه حينما مات لم يعرف أيضا لماذا "مات" ولماذا بتلك الطريقة وفي هذا المكان بالذات؟ ومن هؤلاء الذين قتلوه ولماذا قتلوه؟! وماذا يريدون من بيت من بيوت الله ولماذا هو وليس غيره؟
ويستمر سيل التساؤلات: من يا ترى سيرعى أولاده وأسرته، وهل سيتم القصاص من القتلة أم أن نبأ مقتله سيمر مرور الكرام، ويصير اسمه مجرد رقم في أرقام القتلى في صفحات الحوادث يوميًّا دهسًا أوغرقًا أواختناقاً أو حرقًا أو عبر"سرطانات" وزارة الزراعة أو على يد "بلطجي" أنهى حياته مقابل بضع جنيهات يشتري بها لفافة بانجو؟
أسئلة كثيرة مرتبكة سألها لنفسه حينما صوب القاتل إليه فرد الخرطوش، ولكن لم تمهلها الطلقات، وتواصل انسيابها، وفي برهات سكنت رصاصاتان في قلبه وسجي جسد "ربيع" على الأرض ليفارق أخيرا عناءً ظل يلازمه طيلة حياته.
ولكن الله أراد أن يكافأه ليموت شهيدًا فى الدفاع عن دار عبادة لمسيحيين أوصى رسول الله "صلى الله عليه وسلم" بحمايتها والدفاع عنها، فقال: "من أذى ذميًّا فهو خصيمى يوم القيامة"، فما بالنا بمن مات شهيدًا في الدفاع عنهم.
مساء الأربعاء الماضى صلى الخفير النظامي ربيع على محمد عبد السميع"37 سنة " العشاء وودع أسرته ثم خرج إلى عمله المعتاد في حراسة كنيسة الروضة بدائرة مركز شرطة طامية.
ظل وزملاؤه فى نقطة الحراسة مفرح أبو كشك، وأحمد محمد حسن، وربيع مجاهد، يتجاذبون أحاديث كل يوم تقريبا .. الثورة .. المظاهرات .. الإضرابات .. غلاء الأسعار.. فلان "اللي" اشترى "حتة" أرض .. وفلانة اللي خلفت ولد .. والجاموسة تعبانة.
حكايات لا تنتهي.. كلها "مملة" و"معادة" يقضون بها ساعات العمل ثم يعودون إلى بيوتهم ليبدأ عمل أشق في مجابهة "الحياة " ومتطلباتها .. إلا أن القدر كان يخبئ ل"ربيع" ألا يعود مرة أخرى لأسرته وأطفاله.. فقد اسشتعر "ربيع" لحظة الفراق مع اقتراب الساعة من الثالثة والنصف صباح الخميس، حينما سمع أربعتهم صوت محرك سيارة جيب حديثة، ثم ترجل 4 ملثمين منها، وقفزوا إلى غرفة الحراسة التي كان يحرسونها الكائنة على مشارف الممر الضيق المؤدي إلى الكنيسة، والتي تبعد حوالي 50 مترًا عنها، حمل أحدهم عصا وقام بالتعدى على مساعد الشرطة محمد جبالى بدر من قوة نقطة شرطة الروضة بالضرب فإصابه بكدمة بالذراع الأيسر.
حاول الخفراء القيام بواجبهم في الدفاع عن "العهدة"، حالوا التحصن فأغلقا باب غرفتهم.. إلا أن أحد الملثمين تجرد من الرحمة واطلق علي الباب وابلا من الأعيرة النارية، فاخترقت رصاصاتان منها قلب " ربيع" ومات على الفور. ونشر خبر استشهاد "ربيع " فى وسائل الاعلام بشكل عابر .. قد يتذكره الناس ربما يوما او يومين او شهرا او شهرين لكن ابدا اسرته لن تنساه ولا زالت زوجته فى ان انتظار أن يعود ليساعدها على هزيمة الحياة ومطالبها .. والاهم مؤانسة وحشتها.
هنيئا لك يا ربيع الشهادة .. فاذا لم يقدرك البشر فقد قدرك رب البشر ذاته.
وأكد أسامة محمود، شاهد عيان، أن الملثمين كانوا يستقلون سيارة جيب في حوالي الساعة الثالثة والنصف من صباح الخميس، وقاموا بإطلاق أعيرة نارية على طاقم حراسة كنيسة الروضة وعندما قام طاقم الحراسة بإغلاق باب الغرفة المعدة للحراسة استمر الملثمون في إطلاق النيران،
ويضيف محمد على وأحمد عبد الواحد أن الملثمين استقلوا السيارة وفروا هاربين عقب اقتحامهم غرفة الحراسة ولم يتمكن الأهالي من الإمساك بهم وتمكنوا من الهرب.
أفادت تحريات المقدم أحمد عشرى، رئيس مباحث طامية، أن الضحية كان من ضمن طاقم الحراسة المكون من محمد جبالى، رقيب أول شرطة، ومصطفى سيد محمد نصار، خفير نظامى، وأكدت التحريات أن 4 ملثمين كانوا يستقلون سيارة جيب حديثة وسطوا على غرفة الحراسة وأطلقوا عليهم وابلا من الأعيرة النارية، مما أدى إلى مصرع الخفير النظامي بنقطة شرطة الروضة، كما أكدت التحريات عدم وجود أي خصومات للخفير النظامي الضحية مع أي من الأهالي بقرية الروضة أو بخارجها.
انتقل إلى موقع الحادث اللواء صلاح العزيزى، مدير الأمن، والعميد أحمد نصير، مدير إدارة البحث الجنائي، وتم تشكيل فريق بحث لمعرفة الجناة وضبطهم، وأخطرت النيابة التى تولت التحقيق وقررت انتداب الطب الشرعي لتشريح جثة الضحية ومعرفة أسباب الوفاة.
من هنا بدأت قصة ربيع وهنا انتهت .. ربيع مات قبل أن يولد. مات حينما جاع وحينما خاف على اولاده من الفقر وحينما التحق بالميري .. مات و لا يعرف لماذا مات وما الجرم الذى ارتكبه ليموت؟