"النساء أكثر ميلا للواقعية وأقل اهتماما بالنواحي النظرية , وهن ينظرن أكثر الى المدى البعيد ,لأنهن مهتمات بالعالم الذي سينمو فيه أطفالهن" ، من أشهر أقوال رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارجريت تاتشر أو "المرأة الحديدية" كما كانت تلقب ، التي رحلت عن عالمنا اليوم الاثنين عن عمر يناهز 87 عاماً بعد إصابتها بسكتة دماغية. ولدت تاتشر التي كانت تطلق الصحافة عليها أيضاً لقب "ابنة البقال" في 13 أكتوبر 1925، وتولت منصب رئيسة وزراء بريطانيا من سنة 1979 إلى 1990، وكانت أول امرأة بريطانية تتسلم هذا المنصب، وكانت مدة حكمها هي الأطول منذ عهد روبرت جنكنسون (الذي انتهى عهده عام 1827).
اختيرت مارجريت تاتشر رئيسة لحزب "المحافظين" سنة 1975م، وأصبحت رئيسا للوزراء بعد أن هَزم حزبها حزب العمال في الانتخابات العامة التي جرت سنة 1979م. كان لوالدها ألفريد روبيرتس الذي حصل على عضوية حزب المحافظين البريطاني وعضوية المجلس المحلي، تأثير كبير على حياتها وعلى السياسات التي كانت تتبناها فيما بعد. والتحقت تاتشر عام 1943 بكلية سومر في بجامعة أكسفورد لتتخصص في علم الكيمياء، وأصبحت ثالث سيدة تشغل منصب رئيس جمعية المحافظين بجامعة أكسفورد. وبعد تخرجها، عملت تاتشر في قطاع البحث الكيميائي في مجال الصناعات البلاستيكية، كما التحقت أيضا بالمنظمة المحلية التابعة لحزب المحافظين. وتزوجت من رجل الأعمال دينيس تاتشر عام 1951. بدأت تاتشر سيرتها المهنية كباحثة في الكيمياء وفي حديثها عن والدها ذات مرة، قالت تاتشر: "يرجع الفضل بالطبع إلى أبي في كل شيء. لقد عمل على تنشئتي وغرس لدي كل القيم التي أؤمن بها الآن" .
رقم قياسي
اشتهرت تاتشر بالثقافة الواسعة على كونها داهية، فقد كانت تؤمن بأهمية الاطلاع للإلمام بكافة المسائل السياسية والاجتماعية والاقتصادية، كما أنها بالإضافة إلى ذلك زوجة ناجحة تحرص على توفير أقصى درجات الراحة والأمان لزوجها وأولادها رغم كل مشاغلها ومسؤوليتها، وكانت تحرص على إبراز استقرارها الأسري خلال أحاديثها الصحافية والتلفزيونية. وتعتبر تاتشر إحدى الظواهر الهامة في عالم السياسة خلال النصف الأخير من القرن العشرين، فهي أول سيدة تتولى هذا المنصب الرفيع في تاريخ بريطانيا العريقة، وهي أكثر الشخصيات شعبية بين رؤساء الوزارة البريطانيين، وهي أيضاً أول رئيس للوزراء يتم انتخابه ثلاث مرات متتالية وكان الفوز في كل مرة ساحقاً.
وتعد مارجريت تاتشر صاحبة الرقم القياسي في البقاء في كرسي الحكم، حيث استمرت حوالي أحد عشر عاماً متصلة، ولذلك فقد أطلق على حقبة الثمانينات "عقد التاتشرية". وحازت رئيسة وزراء بريطانيا الراحلة على إعجاب واحترام رؤساء وملوك الدول العظمى في العالم، ووضعت بريطانيا في موضعها المعتاد في الصدارة من الدول المتقدمة والغنية بعد سنوات من الاضمحلال والضعف.
وعلى جانب أخر شدَّدت أول حكومة لتاتشر (1979 - 1983م) من سياستها النقدية، وسمحت بارتفاع معدل البطالة، وألغت الرقابة على الأسعار.
وأثناء رئاستها لوزراء بريطانيا أطلقوا عليها تاتشر الخطافة، كذلك أطلقوا عليها لقب: "سارقة الحليب" لأنها منعت الحليب المجاني عن طلاب المدارس ببلدها ضمن سياسة التقشف التي اتخذتها؛ لتخفيف الإنفاق والمصاريف التي أقرت تطبيقها في ذاك الوقت، وقيل: إنها ربما كانت نتيجة لتربيتها القاسية الجافة مما دفعها لتصبح أكثر اقتصادا . "تاتشر والفوكلاند" وفي سنة 1982م احتلت القوات الأرجنتينية جزر "فوكلاند" التي تخضع للإدارة البريطانية والواقعة في جنوب المحيط الأطلسي، وذلك بعد خلاف طويل بين بريطانيا والأرجنتين حول السيادة على هذه الجزر.
وتبعًا لذلك أرسلت تاتشر قواتها لاستعادة تلك الجزر، وقد استسلمت القيادة الأرجنتينية هناك في يونيو 1982م بعد إصابة الجانبين بخسائر كبيرة. وفي سنة 1985م تخلى عمال المناجم في البلاد عن إضراب استمر عامًا كاملاً بعد أن رفضت تاتشر تعديل برامج مجلس الفحم الحجري القومي الخاصة بإغلاق المناجم.
وكانت حكومة تاتشر حتى سنة 1987م قد باعت للقطاع الخاص شركة طيران والاتصالات وصناعة النفط والغاز وبناء السفن فيما عرف بالخصخصة أو التخصيص، وأدت القوانين إلى الحد من قوة نقابات العمال بينما كانت أرباح الشركات في ازدياد مستمر.
وفي ذلك العام أيضًا ضمنت تاتشر الفوز في الانتخابات العامة، وأصبحت بذلك أول قائد سياسي بريطاني يكسب ثلاثة انتخابات وطنية متتالية.
ووقعت حكومة تاتشر في سنة 1985م معاهدة مع الصين تعهدت بموجبها الحكومة الصينية بالمحافظة على الاقتصاد الرأسمالي للمستعمرة البريطانية هونج كونج لمدة خمسين عامًا بعد عودتها للسيادة الصينية سنة 1997م.
وفي سنة 1990م ازدادت المعارضة لزعامة تاتشر، التي استقالت بعد أن تأكدت من عدم مقدرتها على كسب انتخابات زعامة المحافظين، وتم انتخاب جون ميجر خلفًا لها. ظلت تاتشر بمجلس العموم حتى سنة 1992م، وفي العام نفسه منحت لقب البارونة، وأصبحت عضواً بمجلس اللوردات.