جاءت تصريحات الملك عبد الله الثاني ملك الأردن لمجلة "أتلانتك" الأمريكية العريقة بعد نشرها الحلقة الأولى من مقابلة مطولة ، لتلقي بظلالها ليس على المشهد الأردني فقط ولكن على العالم العربي أيضا، حيث أثارت جدلا في الأوساط السياسية والإعلامية الأردنية والعربية. فخلال تصريحات الملك لم يقتصر على الشأن الداخلي فقط ، بل تطرق إلى الشأن العربي أيضاً ، حيث تضمنت هذه التصريحات نقدا لاذعاً لرؤساء عرب مثل الرئيس المصري محمد مرسي والرئيس السوري بشار الأسد بالإضافة إلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان ، وكان لقيادات العشائر الأردنية وجماعة الإخوان المسلمين وجهاز المخابرات العامة في البلاد ، نصيب من تصريحات الملك للصحيفة .
فقد نسبت إلى تصريحات الملك هجوما على قادة العشائر الأردنية بوصفهم بالديناصورات القديمة، إضافة إلى مهاجمة أفراد العائلة المالكة بأنهم لا يدركون أن عصر الملكيات بدأ ينقضي ولا يفهمون الدروس المستفادة من الربيع العربي، أما جهاز المخابرات فاتهمه - حسب الصحيفة - بالوقوف في وجه إجراء إصلاحات سياسية خاصة ما يتعلق بزيادة تمثيل الأردنيين من أصل فلسطيني في البرلمان.
مغالطات وبعد 12 ساعة على ظهور المقابلة في المجلة التي أجراها الصحفي جيفري جولدبيرج، نفى بيان الديوان الملكي ما ورد من هجوم للملك على العشائر وجهاز المخابرات قائلا "إن الملك يعتز بالأردنيين.
وبثت وكالة الأنباء الرسمية الاردني "بترا" تقريرا ينفي بعض ما جاء في حوار المجلة وذكرت: "صرح مصدر مطلع في الديوان الملكي الهاشمي أن المقال الذي نشرته مجلة "ذي أتلانتك" الأمريكية، حول الملك عبدالله الثاني، وقامت بعض وسائل الإعلام الدولية والعربية والمحلية بتداوله، قد احتوى العديد من المغالطات، حيث تم إخراج الأمور من سياقها الصحيح".
وأوضح المصدر أن لقاء العاهل الأردني مع كاتب المقال جاء في سياق عرض الملك رؤيته الإصلاحية الشاملة، وحرصه على عدم إضاعة الفرص المتاحة لتحقيق نتائج ملموسة للمضي قدما في الأردن على طريق التطور والتحديث، ومن أجل الاستجابة لتطلعات الأردنيين. وأشار المصدر إلى أهمية توخي الدقة في التمييز بين ما هو حديث للملك، وما هو تحليل وآراء خاصة بالكاتب.
وردا على الانتقادات التي وجهت في المقابلة للرئيس المصري محمد مرسي ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، أوضح بيان الديوان أن "العلاقات الأردنية مع هذه الدول مميزة يسودها الاحترام والثقة المتبادلة". وأضافت الوكالة الأردنية نقلا عن المصدر قوله إن "المقال احتوى تحليلات عكست وجهة نظر الكاتب، ومعلومات نسبها إلى جلالته بشكل غير دقيق وغير أمين" .
وكان من اللافت تجاهل بيان القصر الملكي توضيح الانتقادات الطويلة التي وجهها الملك لجماعة الإخوان المسلمين الذين وجه لهم تهما قاسية أهمها أنهم "جماعة ماسونية"، وكذلك انتقاداته للرئيس السوري بشار الأسد.
وتدلل الصياغات التي وردت في توضيح وبيان الديوان الملكي على أن مؤسسة القرار لا تسعى لاثارة المزيد من الاضواء على ما تضمنته التصريحات القوية مما دفع البيان للتركيز على تقدير مؤسسة القصر لجميع المؤسسات في الدولة ولجميع أبناء العشائر ,والتركيز على إحترام جميع القادة العرب مع الاشارة حصريا لزيارة الملك الأخيرة إلى تركيا.
التصديق والتكذيب وعلى الرغم من صدور بيان الديوان الملكي واتهامه لكاتب المقال "بالتوليف" و"المغالطة" إلا أن هذا لم يكن كافياً لتهدئة سيل التعليقات والتساؤلات التي انهمرت على صفحات الصحف والمواقع الإخبارية الأردنية سواء على المستوى السياسي أو الشعبي حتى الآن، مما خلق إرباكاً إضافياً للمسؤولين المنشغلين بالتحضير لزيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للأردن والمقررة يوم الجمعة القادم .
فلم تمض ساعات على نشر التصريحات حتى بدأت التعليقات والتساؤلات والاستفسارات تتكاثر على صفحات التواصل الاجتماعي لكبار السياسيين والكتًاب الأردنيين، وكلها تصب في خانة الدهشة والاستغراب عن سبب هذه الانتقادات اللاذعة التي وردت على لسان الملك في هذا التوقيت بالذات، حتى أن الشارع الإعلامي الأردني انقسم بحدّة بين مصدّق ومكذّب، على الرغم من نشر الكثير من المواقع والصحف ترجمة حرفيّة لنص المقابلة كاملة.
وسخر الأردنيون على موقعي التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر من مضامين تصريحات الملك إلى حد غير مسبوق، حيث غزت صور الديناصورات صفحات الأردنيين وتبادلوا النكات حولها وعن عودتها بعد انقراضها.
ونظم عشرات الناشطين الأردنيين مساء الثلاثاء مسيرة أمام الديوان الملكي في عمّان احتجاجا على التصريحات المثيرة ، وهتف المتظاهرون بشعارات تنتقد الملك الأردني صراحة، ومنها "عبد الله داير داير.. بسبّب في العشائر"، و"اسمع اسمع يا ابن حسين.. زين العابدين صار وين"، وغيرها من الهتافات.
كما طالب المتظاهرون الملك بالاعتذار للشعب الأردني بعد أن اتهموه بإهانة الشعب، غير أن قوى الأمن اعترضت المسيرة ومنعتها من الاقتراب من الديوان الملكي. كما رفضت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن التصريحات المنسوبة للملك عبدالله الثاني، واعتبرت أن انتقاد رؤساء أجانب قد يتسبب في "خصومات وخلافات تسيء إلى علاقاته مع دول شقيقة وصديقة". وحذرت من أن تلك التصريحات قد تتسبب في "أزمة داخل وخارج البلاد".
غايات سياسية وذهب بعض المحللين إلى أن تلك التصريحات المباغتة، من رجل في مكانة الملك عبد الله، جاءت لتحقيق غايات سياسية، لاسيما وأنها تأتي قبل أيام قليلة، من زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للأردن الجمعة 22 مارس الجاري، والتي من المتوقع أن يطالب خلالها أوباما، بتحقيق إصلاحات سياسية إضافية في المملكة الهاشمية.
من جانبه حاول أستاذ الطب النفسي والمحلل السياسي محمد الحباشنة الجمع بين تحليل الموقف وتحليل سلوك ملك الأردن من خلال تصريحاته ، وكذلك سلوك الأردنيين في التعاطي معها، قائلا إن الإجابات التي نشرت "لا تصدر من شخص في موقع المسئولية، ولا يمكن اعتبار مواقفه هذه شخصية".
وأضاف في حديث ل"الجزيرة نت" أن نص المقابلة كسر المعنى الدبلوماسي الذي يجب أن يتحلى به القائد السياسي. وأوضح أن الناس تفاجأت بالتصريحات لأنها لا يمكن أن تصدر عن مسئول "فما بالك إذا كانت من ملك لبلد يمرّ بظروف خطيرة".
وعن قسوة التناول الشعبي، اعتبر الحباشنة أن كثيرا من الناس تعاملوا مع التصريحات على أنها صادرة من "عبد الله بن الحسين وليست من رأس الدولة المتحدث باسمها". وعن التفسيرات التي تشيد بصراحة الملك الأردني خلال اللقاء قال "البعض يقول إن الملك كان صريحا، لكن الصراحة التي لا تبنى على فكر سياسي لا تعد شفافية". وحمّل الحباشنة من وصفه ب"المطبخ السياسي الهزيل في المملكة" مسئولية التصريحات التي قال إنه كان يفترض أن يجري عليها الاستدراك والمراجعة قبل النشر.
موقف معروف واعتبر الباحث في مركز الدراسات الإستراتيجية بالجامعة الأردنية محمد أبو رمان أن ما جاء على لسان الملك "خطير لكنه غير مفاجئ"، مضيفا أنه سبق للملك أن أورد مواقفه هذه في لقاءات داخلية مع سياسيين وإعلاميين "لكن المفاجأة الخطيرة أنها خرجت للعلن".
وتعجب المحلل الأردني من الهجوم على جماعة جماهيرية مثل الإخوان المسلمين "وهو ما يضع الملك في مكان الخصومة معهم ومع غيرهم رغم أنه من المفترض أن يكون الملك مظلة للجميع". وانتقد أبو رمان ما وصفه "الكرم الهائل والمستمر من الملك مع الإعلام الغربي وخاصة مع صحفي له خلفية سيئة" – على حد وصفه .
كما أكدت شخصيات سياسية قريبة من الملك الأردني عبدالله الثاني لصحيفة "الحياة" أن "الحديث المشار إليه للملك في صحيفة "ذي أتلانتك" الأمريكية لم يكن مفاجئا، وقد عبر عنه الملك في جلسات مغلقة مع سياسيين وناشطين"، مشيرة إلى أن "الحديث المنشور يعتبر جملة من الآراء الإصلاحية التي عبر عنها الملك غير مرة أمام نخب سياسية قريبة إليه".
ولفتت إلى أن "الملك يريد التماشي مع الربيع العربي، وأن يحقق الإصلاحات السياسية والاقتصادية في أسرع وقت"، معتبرة أن "موقف الملك السلبي من جماعة "الإخوان" معروف، وهو لا يقصد وصف الماسونية بحرفيتها، بل استخدمها ليشير إلى تعدد أجندة الجماعة السياسية، أما نقد المؤسسة الأمنية فصدر عنه سابقاً، كما أن نقد العشائر لم يكن معمماً، بل استهدف من وصفها بعض القيادات المحافظة".
ويتوقع أبو رمان أن تزداد حدة الاحتقان في بعض الأوساط السياسية على ضوء التصريحات، قائلاً: 'هي المرة الأولى التي يصرح فيها الملك علناً، وسيخلق لديه خصوم، رغم أن هناك حديث إيجابي عن الملكية الدستورية، التي اقترب فيها إلى النزعة الحداثية" .
"جولدبيرج" يهدد هذا وقد هدد الصحفي الأمريكي جفري جولدبيرج من مجلة "ذي اتلانتك" بتحميل الملف الصوتي للمقابلة الصوتية مع الملك عبد الله الثاني على الإنترنت، حال استمرار الديوان الملكي بالتشكيك بصحّة ما نقله على لسان الملك أو أنه أخرج المقابلة عن سياقاها. بحسب مقابلة أجراها معه موقع "عمان نت" الإلكتروني.
وأضاف جولدبيرج في تصريحات صحفية ل"عمان نت"، أن "جميع ما نقلته عن الملك اقتباسات حرفية لما قاله الملك خلال 3 مقابلات طويلة استمرت لساعات مسجلة لديّ صوتيا، كما سجلت لدى الديوان الملكي وجرت المقابلات بحضور كبار المسئولين في الديوان الملكي".
وقال إن "كل ما نشر جاء داخل سياق التسجيل، وفي كل مرة أراد الملك أن يقول شيئاً خارج التسجيل كان يطلب ذلك بوضوح، وبالفعل كنت أوقف التسجيل ولم أنشر أي معلومة قيلت خارج التسجيل"، مشيرا إلى أن عدد المرات التي طلب فيها الملك إيقاف التسجيل وصلت إلى 12 مرة.
وحسب جولدبيرج، فإن المقابلات كانت جاهزة قبل شهر من الآن، وخلال هذا الشهر كان يوجد تواصل بيننا لمعرفة موعد النشر ولم أتلق أي طلب بخصوص المقابلة، إلا قبل أيام قليلة تلقيت اتصالا من شخص في الديوان الملكي طلب مني عدم نشر معلومة معينة، لكني لم أستجب للطلب لأنه جاء بوقت متأخر، ولم يفصح الصحفي عن اسم الشخص الذي طلب منه ذلك والمعلومة التي طلب منه عدم نشرها.
وعن تاريخ علاقته بالملك قال جولدبيرج إنه التقى الملك قبل 14 عاماً أول مرّة، حين توليه السلطات الدستورية حيث أجرى معه مقابلة في حينها وبعدها استمر التواصل بينهما.