- مؤلف كتاب "مرج الزهور" و"هنية" من أشهر المبعدين - الإبعاد بداية لسياسات التنازل لإنهاء الصراع - المبعدون أدركوا قوة الإعلام و الضغط السلمى - قصة الموقف العربى الهزيل
كتب - عوني فارس وشيماء فؤاد تعتبر تجربة المبعدين في مرج الزهور واحدة من محطات النضال المميزة التي انتصرت فيها إرادة الشعب الفلسطيني على الاحتلال وعدوانيته، حيث تمكن 415 فلسطينيًا أبعدوا دفعة واحدة إلى جنوب لبنان في 1992 من الصمود سنة كاملة في ظروف قاسية للغاية في مخيم أقاموه بالقرب من قرية مرج الزهور على الحدود اللبنانية الفلسطينية، وأرغموا الاحتلال على إعادتهم إلى فلسطين.
صدر كتاب " مرج الزهورمحطة فى تاريخ الحركة الإسلامية فى فلسطين " عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت ، للكاتب حسني البوريني النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني عن كتلة التغيير والاصلاح وأحد مبعدي مرج الزهور.
غطَّى البوريني مجمل المحطات التي مر بها المبعدون من لحظة صدور القرار العسكري الإسرائيلي رقم 456 القاضي بإبعاد عدة مئات من الفلسطينيين إلى لبنان وحتى عودتهم إلى فلسطين، وتناولت أهداف الاحتلال الإسرائيلي من عملية الإبعاد وآليات تنفيذها، وردود فعل المبعدين عليها، وطبيعة التفاعل معها عربيا ودوليا .
أهداف الإبعاد جاء رصد البوريني لأهداف الاحتلال من عملية الإبعاد مجتزأ رغم توفر بعض الأدبيات التي ناقشت المسألة باستفاضة، كدراسة أحمد الحوت وشهادات عدد من المبعدين المنشورة في مجلة شؤون الأوسط . رأى البوريني بأنَّ قرار الإبعاد كان مبيَّتا، ، بالرجوع إلى تصريحات مسؤولين في حكومة الاحتلال وجيشها دعت إلى تنفيذ عمليات طرد كبيرة العدد، وذلك قبل تنفيذ عملية الإبعاد بأشهر. وأشار البوريني إلى أنَّ عملية الإبعاد جاءت لإنجاز هدفين استراتيجيين، تمثَّل الأول في تحقيق رغبة الاحتلال القديمة في تفريغ فلسطين من سكانها الشرعيين ، حيث وصل عدد المبعدين ما بين 1988-1991 إلى حوالي 64 فلسطينيًا، حتى عملية الإبعاد إلى مرج الزهورالتى زادبها الأمر سوءا كما و نوعا . أمَّا الهدف الثاني فارتبط بقبول منظمة التحرير الفلسطينية التفاوض مع الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الصراع، فجاء الإبعاد لتمهيد الطريق للتسوية السياسية ، فتم توجيه الضربة إلى التيار الإسلامي في فلسطين ، لوقوفه أمام التسوية و حتى لا يعطل المشروع . وأمَّا الأهداف التي تجاهلها البوريني فتتلخص بمحاولة حكومة الاحتلال إنهاء الانتفاضة، بالسعي لاسترضاء التيار اليميني المتشدد داخل المجتمع الإسرائيلي الذي ضغط عليها لتوجيه ضربات مؤلمة للمقاومة الفلسطينية " .
تحقيق حلم العودة لعل الإضافة النوعية في دراسة البوريني لم تكن فيما حوته الدراسة من تفاصيل الحياة اليومية للمبعدين، على أهميتها، وإنما في تسليطها الضوء على العوامل الذاتية التي جعلت المبعدين، وهم الفريق الأضعف في معادلة الصراع مع الاحتلال، قادرين على إنجاز هدف العودة. يعيد البوريني الانتصار الكبير الذي حققه المبعدون إلى طبيعة قيادتهم التي اتسمت بصلابة مواقفها، وقدرتها على صياغة الأهداف الاستراتيجية والتكتيكية، وتمكنها من توظيف طاقات المبعدين خدمة لهذه الأهداف، وإبداعها وسائل نضالية مشروعة ومقبولة محليًا وإقليميًا ودوليًا لتحقيق غاياتها، وحنكتها في التعاطي مع المبادرات والحلول المعروضة عليها. كما شكَّلت روح التضامن والتضحية التي اتسموا بها عنصرًا فاعلاً في التخفيف من معاناتهم اليومية. حتى أنهم حرصوا على اختيار قيادتهم ، وهم داخل الشاحنات المكشوفة التي نقلتهم عبر الحدود إلى لبنان، و اختاروا قيادة مؤقتة من ستة أشخاص، ثم قاموا بعملية إحصاء ، ثمَّ أعيد اختيار قيادة جديدة في نفس اليوم. وسجَّل البوريني أسماء أعضاء القيادة من حركة حماس وهم عبد الفتاح دخان وغسان هرماس وعزام سلهب وعبد الخالق النتشة وماهر عبيد وبسام جرار وإبراهيم أبو سالم وحسن يوسف ومحمد مطلق وعبد الفتاح العويسي ومحمد فؤاد أبو زيد ومحمود الزهار وسالم سلامة وحامد البيتاوي وأحمد الحاج علي وخضر محجز وعاطف عدوان وأحمد نمر حمدان وعدنان مسودة وعزيز دويك وجمال منصور وجمال سليم ومحمد حسن شمعة وعبد العزيز الرنتيسي وسليمان شيخ العيد. و كان قرارهم الأول استراتيجيًا، حين رفضوا دخول لبنان واستعاضوا عن ذلك بإقامة مخيم بين الجبال في المنطقة الحرام على الحدود أطلقوا عليه " مخيم القدس- العودة"، وإلزموا المبعدين جميعا بالبقاء فيه، لأنَّ دخول لبنان سيشكل نهاية لقضيتهم . ثم توالت القرارات من تشكيل اللجنة السياسية وتوحيد الخطاب الإعلامي للمبعدين، وإقرار لائحة داخلية تنظم الحياة اليومية للمبعدين، وبناء شبكة من التقسيمات الإدارية والعمل المؤسساتي داخل المخيم ضمت حوالي 17 لجنة، ومد جسور الثقة مع القرى المجاورة، ورفض المبادرات والحلول التي لا تتضمن عودة جماعية للمبعدين، خصوصًا تلك التي صدرت عن حكومة الاحتلال والولاياتالمتحدة. حرص البوريني على التأصيل الشرعي لنضالات المبعدين، واجتهد في حشد الآيات والأحاديث ومواقف الصحابة للتدليل على صحة ما اتخذوه من مواقف وسياسات، معتمدا على خلفيته الفكرية والأكاديمية ، وطبيعة السجال داخل الحركة الإسلامية لعبا دورًا في في إعطاء المسألة الفقهية هامشًا في دراسته .
وسائل النضال تحدث البورينى عن وسائلهم النضالية، في مقدمتها المعركة الإعلامية التي أدراتها اللجنة السياسية بإحكام، بإظهار البعد الإنساني لمأساة المبعدين، و مخالفة إبعادهم للأعراف والقوانين الدولية وحقوق الإنسان، والإبقاء على قضية المبعدين حية متجددة وحاضرة في الإعلام الدولي، والابتعاد عن الخطاب العدائي ، وتوجيه الشكر لكل من ساندهم . ومن الوسائل النضالية الأخرى، الفعاليات الميدانية ذات الطابع السلمي ، والتي كان لها تأثير كبير في الضغط على الاحتلال وحلفائه ، كما تواصل المبعدون، مع العديد من الدول والحكومات والقوى السياسية العربية والأجنبية لدعم قضيتهم .
الموقف الرسمي عربيا و دوليا صور البورينى العجز العربى عن نصرة المبعدين بأسى شديد و إعلانهم الإنسحاب من المفاوضات و لكنهم ما لبثوا أن خذلوهم و عادوا من جديد ، كما أنهم تعمدوا تجاهل المبعدين فلم يزرهم وفد عربي رسمي، باستثناء الوفدين السوداني والليبي ، و تضامن الحكومة اللبنانية مع المبعدين فى عدم دخولهم أرض لبنان حتى لا تسقط قضيتهم .
أمَّا الموقف الدولي فتمثل بقرار مجلس الأمن رقم 799 الذى أدان "إسرائيل" واعتبر الإبعاد انتهاكًا لاتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وطالب الاحتلال بإعادة المبعدين إلى ديارهم فورًا وبدون قيد أو شرط. كما قدمت الولاياتالمتحدة بعض الحلول والمبادرات لحل القضية.
العودة رفض المبعدون كافة المبادرات والحلول التي لا تتضمن عودتهم الجماعية وبسقف زمني واضح، في حين وافقوا على عودة بعضهم دون قيد أو شرط . وقد عاد المبعدون على مراحل، فكان أول العائدين باسم السيوري، أصغر المبعدين سنًا، الذي أعلن الاحتلال أنَّه أُبعد خطأ وأعاده إلى بيته، والمبعد المريض زهير لبادة الذي أعيد إلى السجون الإسرائيلية، وتم ذلك في 7/1/1993. ثمَّ أعيد 17 شخصًا آخر إلى السجون الإسرائيلية في 23/1/1993، وأعلن الاحتلال أنَّهم أبعدوا خطأ، وأعيد المريض المبعد علي سويعد أبو عجوة في 21/6/1993، ثمَّ عادت الدفعة الأولى المكونة من 189 شخصًا في 9/9/1993، اختار منها 8 مبعدين عدم العودة، وتلتها الدفعة الأخيرة المكونة من 214 شخصًا في 17/12/1993، اختار منها 19 مبعدا عدم العودة.
ايجابيات الإبعاد أشار الكاتب أن تجربة الأبعاد أثر ايجابيا على كم كبير من قيادات وكوادر الحركة الإسلامية بمراجعة استراتيجية الحركة وخطابها السياسي والإعلامي ورؤاها التنظيمية وعلاقاتها المحلية والإقليمية والدولية، واستراتيجيتها في مقاومة الاحتلال، بعيدًا عن سطوة الهجمة الأمنية الاحتلالية وبعيدًا عن ضغط الواقع الميداني في فلسطين. وشكَّل اطَّلاع المبعدين على واقع الحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي، نقلة نوعية في فهمهم للمشروع الإسلامي المعاصر. وساهم الإبعاد في إنضاج التجربة الإسلامية المقاومة في فلسطين، من خلال ما اختبروه من آليات التنظيم الداخلي تعزيزا لصمودهم . فقد برز عبد العزيز الرنتيسي وجمال منصور كأهم قائدين داخل المخيم، وتعزز دورهما لاحقًا إذ أصبحا من أهم القيادات التي صاغت مواقف الحركة وسياساتها في مرحلة ما بعد أوسلو حتى استشهادهما، ويمكن كذلك الانتباه إلى طبيعة الدور الذي سيلعبه إسماعيل هنية لاحقًا، باعتباره تطورًا طبيعيًا لما كان عليه دوره إبان مرج الزهور، وكذلك شخصية مثل عدلي يعيش الذي كان يطلق عليه المبعدون رئيس بلدية مرج الزهور، والذي أصبح لاحقًا من أنجح رؤساء البلديات في الضفة الغربية، أو اطلاع فوزي برهوم بدور في اللجنة الإعلامية مما سيؤهله ليكون لاحقًا ناطقًا باسم الحركة في قطاع غزة . ولعل من فضائل تجربة الإبعاد أنَّها تمكنت من المساهمة في إعادة رسم صورة الفلسطيني المقاوم في الذهن الشعبي اللبناني .