القانون يقر إخلاء السبيل والجاسوس الأردنى تجرأ وطلبها أسوة بعزمي مستشار: للجنايات اعتبارات كثيرة..وأفعال الإخوان دفعة للتعاطف مع رجال مبارك
محيط - مروة إبراهيم طوفان من موجات إخلاء سبيل رموز النظام السابق، اجتاحت مسامعنا خلال الأيام الماضية، رغم تعدد القضايا التي يحاكموا فيها والاتهامات المنسوبة إليهم، فلم يعد يبقى داخل السجون سوى قلة قليلة من رجال مبارك لا تتجاوز ال20 % من المسئولين عن عقود فساد ونهب للثروات على حساب المواطن العادي، وكأن الفساد في بلادنا لا عقوبة ولا جزاء عليه، حتى أن الحالة باتت تجعل خيانة مصر أمر هين، يبيح للمتهمين في قضايا التجسس لصالح إسرائيل أو غيرها طلب إخلاء سبيلهم أيضا، مثلما فعل بشار أبو زيد مهندس الاتصالات الأردني المتهم بالتجسس على مصر لصالح الموساد، وطالب بكل ثقة أمام وسائل الإعلام إخلاء سبيله لطول فترة محاكمته، أسوة بمن أخلى سبيلهم لتجاوز فترة 18 شهر على ذمة القضايا مثل زكريا عزمي، رئيس ديوان الجمهورية السابق، وفتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق، وصفوت الشريف رئيس مجلس الشورى السابق، وعاطف عبيد رئيس وزراء مبارك الأسبق.
قصور محكمة النقض وبات السؤال الآن هل جاء إخلاء السبيل لعجز في القانون، أم لكون ذلك حق طبيعي للمتهم، وأنه لا يجب التفرقة بين أحد أمام القضاء حتى لو كانوا أفراد رموز نظام بائد، وهو ما يجيبنا عليه نخبة من رجال القانون نبدأهم بالمستشار حشمت عزيز رئيس محكمة استئناف القاهرة السابق، الذي قال أنه تم إخلاء سبيل رموز نظام مبارك تطبيقا لنصوص القانون، الذي وضع فيه المشرع حد أقصى للحبس الاحتياطي على ذمة كل قضية منفردة، بمعنى أنه إذا تجاوز متهم فترة الحبس الاحتياطي على ذمة قضية معينة بينما استحدث حبسه في وقائع أخرى، يصبح مقيد الحرية ولا يجوز إخلاء سبيله بسبب القضية الجديدة، ويبدوا أن المتهمين في قضايا الفساد المالي حصلوا على قرارات إخلاء السبيل تباعا بعد مرحلة نقض الأحكام الأولى.
وأوضح حشمت أن أغلب قرارات إخلاء السبيل الماضية استندت إلى قرارات النقض بإلغاء أحكام أول درجة وإعادة نظر القضايا أمام دوائر جديدة، مؤكدا على أن محكمة النقض تشهد قصور نوعى في طبيعة اختصاصها والعمل القانوني المنوط بها، لأنها لا تحكم على المتهم وفق لموضوع القضية والجرائم الموجودة بها وما يتصل بها من وقائه، لكنها تحكم على حكم الجنايات الأول، وعما إذا كان صحيح فتؤيده، أو شابه قصور لأي سبب مثل خلل في الإجراءات أو عدم استيفاء ركن معين في القضية، فتلغى الحكم وتقرر إعادة المحاكمة، ويطالب المتهمين بإخلاء السبيل.
إخلاء سبيل مبارك حان العدالة العمياء والاختلاف حول نصوص القوانين، يحدثنا عنهما، المستشار سامي زين الدين عضو هيئة محكمة جنايات القاهرة صاحبت حكم الإدانة الوحيد الذي أقرته محكمة النقض وأيدت صحته، وكان صدر بالسجن المشدد 3 سنوات لإبراهيم سليمان وزير الإسكان الأسبق في قضية الاستيلاء على أراضي الدولة و المال العام والمعروفة إعلاميا ب«ارض القاهرةالجديدة»، وهو أيضا عضو المحكمة صاحبة قرار إخلاء سبيل أنس الفقي وزير الإعلام السابق لتجاوز مدة الحبس في قضية بث المباريات، إلا أن الفقي لازال محبوسا على ذمة قضايا أخرى.
سامي زين الدين حصر لنا ثلاث مواد من قانون الإجراءات الجنائية، يتم التزرع بها لإخلاء سبيل المتهمين وهم المواد 143 و167 و168 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تجعل القضايا تتردد يوميا في المحاكم لطلب إخلاء السبيل، وأكد أن هذه المواد محل اختلاف تفسيري بين الفقهاء القانونيين.
صنف المستشار الاختلاف إلى مدرستين ترى الأولى منهما أن نصوص تلك المواد توجب خروج المتهمين من السجون لطول فترات التقاضي والحبس على ذنة قضية معينة، وخاصة المادة 143 التي تنص على عدم تجاوز فترات الحبس الاحتياطي 18 سهر في القضايا التي صدر فيها أحكام أولى لا تصل للإعدام، حيث في حالة الإعدام والمؤبد ينص القانون على عدم طول فترة الحبس الاحتياطي لعامين، بما يعنى حق مبارك في طلب إخلاء سبيله إذا أتم عامين على ذمة قضية قتل المتظاهرين المحكوم عليه فيها بالإعدام.
وترى المدرسة الثانية التي ينحاز إليها عضو محكمة الجنايات، أن روح المشرع حين تحدث عن الحبس الاحتياطي، كان يقصد مرحلة التحقيق أمام النيابة العامة، وليس مرحلة نظر القضية أمام المحاكمة، وتساءل كيف يعقل أن يخلى سبيل متهم حكم عليه بالإعدام لطول فترة محاكمته، ومن رابع المستحيلات فعلا أن يخلى سبيله ولا يهرب من حبل المشنقة ويهدر حق العدالة.
وأوضح أن قلم المحقق النيابي يتحكم في سرعة انهاء التحقيقات، وإمكانية تشكيل فريق تحقيق في القضايا الكبيرة نوعيا، لكن فترة المحاكمة تخضع لإجراءات عديدة وتأجيلات مستمرة من قبل دفاع المتهمين، الذين يطلبوا أوراق لا تنتهي، وتأجيلات متعددة، وسماع عشرات الشهود، وتأجيلات لاعتذارات منهم عن الحضور وهكذا لشهور عديدة، لنجد قضية مثل مجلس الوزراء التي يحاكم فيها 268 متهم ربما تستغرق في المحاكمة عامين أو ثلاثة لضخامة عدد المتهمين وتنوع طلبات دفاعهم التي يجب تحقيقها، لعدم الإخلال بحق المتهم في الدفاع عن نفسه وإلغاء الأحكام فيما بعد أمام محكمة النقض.
لمحاكم الجنايات اعتبارات أخرى وعن عدم أخذ أي من محاكم الجنايات صاحبة قرارات إخلاء سبيل رجال مبارك لرأى المدرسة الثانية، قال زين الدين، أنه شخصيا يؤمن بها، لكن هيئة المحكمة الثلاثية لها الكلمة الفصل، ولها اعتبارات أخرى، لنجد مثلا إخلاء سبيل أنس الفقي، في قضية بث المباريات، تم بالنظر إلى موضوع القضية، وأنها لا تشكل إخلال جسيم بالمال العام، لأنه منح حق بث المباريات لقنوات فضائية مصرية بالمجان ليشاهدها الجميع فى مصر، بالإضافة إلى ظروفه الصحية المتدهورة التي أثبتها الدفاع لهيئة المحكمة، ولكل حالة وضعها واعتباراتها القانونية، مثل إخلاء سبيل نبيل سراج الدين عضو جمعية الطيارين الذي أخلى سبيله في قضية شراء فيلا عام 2005 بسعر قال الخبراء أنه ضئيل، وسداد ثمن الفيلا الذي قدره الخبراء خلال العام الجاري 2013 بفارق سعر آلاف الجنيهات، دون وضع زمن الشراء في عين الاعتبار وفارق السعر على مدار 7 سنوات.
وأضاف زين الدين أن الأوضاع الجارية في مصر قد تكون سببا في تنفيذ حذافير القانون دون البحث عن روحها، لإعطاء الجميع حقه، وعدم أخذ أحد بضغائن حقبة سابقة، في ظل أوضاع لم تتحسن في عهد الإخوان عن عهد مبارك، بما لا يستدعى التزمت مع رجال مبارك، الذين بات الناس يتعاطفوا معهم وإن كانوا يصفوهم باللصوص في مفارقة غريبة.
تأديب المتهمين أم استفادة الدولة محيط تحدثت أيضا مع دفاع أحد وزراء النظام السابق، وهو رجل القانون شريف محمود، محامى زهير جرانة وزير السياحة الأسبق، الذي أكد أن محكمة النقض ألغت حكمين ضد موكله وبات ينتظر حكمين في 16 مارس المقبل، وأنه لو صدر فيهما أحكام بالبراءة، سيتقدم فورا لطلب إخلاء سبيل موكله في القضيتين القدامى، التي قضى جرانة على ذمتها في السجن 25 شهراً، واستبشر شريف خيرا بقرار المجلس العسكري الصادر بقانون للتصالح مع المستثمرين ورجال الأعمال، مقابل رد الأراضي محل الاتهامات، أو سداد فارق السعر وفق لتقديرات خبراء وزارة العدل.
وقال شريف كفى لحبس رجال الأعمال ووزراء الدولة السابقين، بمنطق أنه لا فائدة عادت على الدولة بعد رد الأراضي موضوع الاتهامات، حيث لا مستثمر يدفع أموال، أو يبدى رغبة في تنمية وتعمير تلك الأراضي وإقامة مشاريع سياحية وإسكانية عليها، علاوة على اهتزاز يد أي وزير إسكان أو سياحة قادم عن اتخاذ قرار بالتصرف في هذه الأراضي، لخوفه مما تعرض له سابقيه ليبقى الوضع على ما هو عليه.
وأشار محامى رجل الأعمال ووزير السياحة الأسبق جرانة، إلى أن الغرض الأساسي من العقاب بالسجن هو التأديب والإصلاح، ثم سأل قائلا: أليس الحبس عامين مدة كافية لتأديب المتهمين؟!، ويصبح من الأولى استفادة الدولة بأموالها برد الأراضي أو المبالغ، مقابل التصالح، خاصة أنها قضايا مال عام يمكن إجباره تماما ورده كاملا، وليست قضايا دم أو جرائم قتل لا يمكن إصلاح الجرم المذكور فيها.
وأكد المحامى على أن سياسات الدولة السابقة كانت تسرى على الجميع، وأن سعر بيع الأراضي السياحية كان بدولار واحد للمتر لتشجيع بناء المدن الجديدة وخاصة الشاطئية وإعمارها، وذلك من عام 1986 وحتى يوليو من عام 2008، وأن جرانة لم يختلق جريمة وإنما طبق السياسة المتبعة قبله بسنوات مديدة، وأصدر قرارات يعتبرها تنموية حال كونه وزير بتخصيص أراضى سياحية في عامي 2003 و2005، أثناء الفترة المذكورة.