على مر العصور أدت المرأة المصرية دوراً عظيماً وفعالاً حتى تقلدت أعلى مناصب السياسة والحكم في العصر الفرعوني، فكانت الملكة حتشبسوت أبرز الملكات في العصور القديمة. ويزخر التاريخ المصري بنماذج لسيدات فضليات أثرن في مجتمعهن ووقفن كتفاً بكتف في معترك الحياة العامة، ففي عام 1919م خرجت المرأة للتعبير عن رأيها السياسي في مظاهرات جابت شوارع القاهرة وعلى مقربة منها مظاهرات للرجال حتى وقعت أول شهيدة مصرية في 14 مارس سنة 1919 وهي "السيدة حميدة خليل"، ونافست المرأة الرجال على قيادة الطائرة، فهذه "لطيفة النادي" أول امرأة تحصل على إجازة طيار خاص سنة 1933. وهناك نماذج مشرفة للكفاح المسلح يتمثل في المرأة البورسعيدية التي أمسكت بالسلاح وتدربت عليه لتشارك الرجال في الدفاع عن تراب بلادها.
ونبغت النساء أيضاً في مجالات كثيرة منها الصحافة، فلا ننسى "السيدة منيرة ثابت" الصحفية البارزة صاحبة مجلة الأمل، و"فاطمة اليوسف" التي أصدرت مجلة روز اليوسف، و"صفية زغلول" أم المصريين، و"نعيمة الأيوبي" أول محامية مصرية، و"حكمت أبو زيد" أول وزيرة مصرية.
وهناك أيضاً الملازم "ابتسامات محمد عبد الله" 85 عاما، وهى أول سيدة تلتحق بالجيش المصري عام 1948 أثناء حرب فلسطين.
إلا أن المرأة المصرية في العصر الحديث، وفي سبيل استكمال مسيرة النجاح التي بدأت منذ آلاف السنين، واجهت العديد من الصعاب التي لم تكن موجودة في العصور السابقة.
قضية التحرش: ويعدّ التحرش الجنسي والتعامل مع المرأة على أنها مجرد جسد أبرز تلك التحديات التي باتت تؤلم المرأة وتجعلها تفضل العزلة عن المجتمع، حيث تمثل قضية التحرش انتهاكاً لجسد المرأة وحريتها.
ومن المخيف أن تقرأ أن مصر من أكثر الدول التي تعاني من ظاهرة التحرش الجنسي بعد أفغانستان، حسب صحيفة واشنطن بوست.
وعلى الرغم من أن الأيام الثمانية عشرة من ثورة 25 يناير التي شهدت مشاركة المرأة - بطريقة مباشرة أو غير مباشرة - إلى جانب الرجال لم تشهد حدوث أية تصرفات من الاعتداء على المرأة بالعنف أو التحرش؛ الأمر الذي أذهل العالم، غير أنه بعد تلك الأيام تغير الوضع تماماً لنشهد سلوكيات مخزية ضد المرأة، مما يثير شكوك بتحول التحرش إلى قضية سياسية.
وفي دراسة مصرية أعدها الدكتور طريف شوقي أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة والدكتور عادل محمد هريدي أستاذ علم النفس المساعد بجامعة المنوفية، بينت أن من بين مائة امرأة يوجد 68 تعرضن فعلاً للتحرش الجنسي داخل محيط العمل سواء كان هذا التحرش لفظياً أو بدنياً.
كما أظهرت دراسة أجراها المركز المصري لحقوق المرأة عام 2008 بعنوان: "غيوم في سماء مصر"، كشفت أن 83% من نساء مصر تعرضن للتحرش، وأن الغالبية منهن كن يرتدين الحجاب. وكانت أهم أشكال التحرش هي لمس جسد الأنثى، التصفير والمعاكسات الكلامية، النظرة الفاحصة لجسد الأنثى، التلفظ بألفاظ ذات معنى جنسي، والملاحقة والمتابعة والمعاكسات التليفونية.
أسباب التحرش: مجني عليها أم جانية؟ سؤال يثار دائماً عند أي جريمة مجتمعية تتهم فيها المرأة، وهو ما يتضح في قضية التحرش باعتبار المرأة جزءً أساسياً فيها.
ويجمع عددٌ من الخبراء والمثقفين على تعدد الأسباب والدوافع في قضية التحرش الجنسي بما يصعب معه التركيز على عنصر واحد دون غيره وتحميله المسؤولية عن تفاقم الظاهرة في الآونة الأخيرة.
ويعتبر تدهور الظروف الاقتصادية وانخفاض مستوى المعيشة وارتفاع معدلات الفقر والبطالة من أهم أسباب التحرش، مما يدفع الشباب إلى إشباع الغرائز الجنسية بطرق غير شرعية.
وفي دراسة أجراها الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء تبين أن نسبة العنوسة وصلت إلى 9 مليون نسمة منهم 6 مليون من الشباب.
وتأتي أسباب أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها كدواعٍ لانتشار التحرش مثل: التفكك الأسري والمجتمعي وقلة التوعية والثقافة الدينية في المجتمع، مما يؤثر على سلوكيات أفراده.
ويعتبر غياب الرادع القانوني للتحرش الجنسي رغم أنه ليس العامل الوحيد، إلا أنه عامل مهم بالنسبة إلى التحرش الجنسي والقضاء عليه، فضلاً عن التوافر الأمني.
وهناك أسباب خارجية لانتشار التحرش مثل: انتشار ظاهرة العولمة وتقليد الغرب بكل شيء، فيسعى لإظهار مفاتن الأنثى ونشر العري وعوامل الإثارة عبر وسائل الإعلام.
تشريعات: وبعدما بدأت السلوكيات الفردية تأخذ طريقها لتتحول إلى ظاهرة، وفي ظل عدم وجود تشريع يعاقب المتحرشين، قامت محكمة الجنايات المصرية بنظر أول قضية تحرش جنسي عام 2008، وعاقبت المتهم بالسجن المشدد لمدة 3 سنوات وألزمته بتعويض مؤقت قدره 501 جنيه، وتحولت ساحة المحكمة والقاعة التي شهدت الجلسة إلى مظاهرة ضمت ناشطين حقوقيين وجمعيات ومنظمات نسائية، نددوا خلالها بما تتعرض له المرأة في مصر من تحرش جنسي، والتي يرفض الضحايا فيها الإبلاغ خشية الفضيحة، وفاجأت المجني عليها في القضية "نهى رشدي" (البالغة من العمر 27 عاماً وهي مخرجة أفلام وثائقية) بطلبها بأن تكون المحاكمة علنية، لأنها قضية رأي عام، وأيّدها في ذلك والدها وأفراد أسرتها.
وتحرك مجلس الوزراء بعد ثورة 25 يناير ليؤكد من خلال رئيسه الدكتور هشام قنديل على ضرورة تحريك دعاوى جنائية ضد مرتكبي هذه الجريمة، وإعداد رسائل وتنويهات إعلامية لخلق رأي عام مساند، ووضع حلول عملية لمشكلة أطفال الشوارع.
ويسعى المجلس القومي للمرأة لإعداد قانون يجرم التحرش لمحاولة حصر هذه الجريمة وتشديد العقوبة عليها.
المبادرات الشعبية: وفي ضوء ذلك صدرت مؤخراً ومن خلال جمعيات حقوقية وأصوات نسائية، مبادرات شعبية ضد التحرش أخذت العديد من الأشكال مثل: المسيرات والسلاسل البشرية والوقفات الاحتجاجية وحملات مواقع التواصل الاجتماعي، ومن أمثلة ذلك حملة "كما تدين تدان" لمجموعة من الشباب وقفوا بالمركز المصري للفنون الثقافية يستعرضون تجاربهم مع ظاهرة التحرش الجنسي، ومبادرة "ما تسكتيش دافعي عن نفسك" لتدريب الفتيات لمواجهة التحرش.. وغيرها من المحاولات، كما أطلقت شبكة المدافعين عن حقوق الإنسان مبادرة بعنوان: ''هنصور دي الصورة طلعت وحشة'' للتصدي للتحرش والعنف البدني ضد النساء ولمدة خمسة أيام في الميادين والأماكن العامة والمواصلات ودور السينما.
ومثلت الأحزاب دوراً في تلك المبادرات مثل السلاسل البشرية التي نظمها حزب الدستور يوم 20 أغسطس 2012 في شبرا ووسط البلد لتوعية الشعب المصري بأن التحرش جريمة كبرى.
ولعبت مواقع التواصل الاجتماعي دوراً مهماً في هذا الصدد من خلال قيام البعض بتدشين الصفحات والإعلان عن المبادرات للتصدي لتلك الظاهرة مثل: مبادرة " قطع إيدك" أطلقتها مجموعة من الفتيات الجامعيات من خلال سلسلة من الوقفات الاحتجاجية ضد التحرش الجنسي في 5 محافظات في نفس الوقت، كما رفعت مبادرات "قوة ضد التحرش"، و"فؤادة ووتش"، و"شفت تحرش"، و"نفسي"، و"بهية مصر" شعار: "قوة ضد التحرش" من أجل ميدان آمن للجميع، معلنين استمرار حملاتهم في كل ميادين مصر لوقف الاعتداءات الجنسية والتحرش ضد النساء.