أصبحت الأحذية أحد وسائل التعبير عن الرأي ولكن بالطبع ستظهر كوسيلة معارضة أو رافضة سواء لسياسة معينة أو لأشخاص، فمنذ حوالي أربعة سنوات كان الاستخدام الأول لاسلوب الرشق بالحذاء ، وذلك من خلال قيام شخص عراقي برشق الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بالحذاء خلال زيارة له في بغداد ، لدرجة أن هذا الشخص وحذائه لقيا شهرة عالمية . ولكن قبل ذلك كان هناك اعتراض ب"الحذاء" ولكن ليس عن طريق الرشق ففي 12 أكتوبر عام 1960 وخلال جلسة تحضيرية للجمعية العمومية للأمم المتحدة، ظهر السكرتير الأول للحزب الشيوعي فى الاتحاد السوفيتى السابق نيكيتا خورشوف، وهو يضرب بحذائه على منصة الأممالمتحدة، اعتراضاً على الخطاب الذى ألقاه رئيس الوفد الفليبينى لورنزوسومولونج، الذي أكد فيه تأييد بلاده استقلال دول أوروبا الشرقية عن موسكو "التي تم ابتلاع حقوقها من قبل الاتحاد السوفيتى " - على حد وصفه.
وقد أخذت الاعتراضات على المسئولين والرؤساء نمطا مميزا يتيح للمعترض إشهار واستخدام سلاحا غير متوقع "كالحذاء" ففي دول كثيرة كالعراق والهند وإسبانيا وأستراليا والسويد أصبح القذف بالحذاء شبه مألوف .
رسالتان ل"بريمر"
ويوم الأربعاء الماضي أقدم شاب عراقي على رمي الحاكم المدني الأمريكي السابق للعراق بول بريمر، بحذائه ولكن مسرح الأحداث هذه المرة ليس العراق ولكن في لندن، ظهر شريط عرضه موقع "العربية نت " لبريمر، حين كان يتحدث في لقاء نظمته جمعية "هنري جاكسون" داخل إحدى قاعات البرلمان البريطاني، وحضره صحفيون وسياسيون وعدد من أبناء الجالية العراقية، وبينهم كان شاب اسمه ياسر السامرائي، فطلب إذناً ليطرح سؤالاً على بريمر الذي بدا مهتماً بما سيقول.
وبدأ السامرائي بأنه ولد ونشأ في العراق، وأخبره بأنه يحمل إليه رسالتين "واحدة من صدام حسين وواحدة من الشعب العراقي"، فاهتم بريمر أكثر، إلا أن السامرائي عاجله بفردة من الحذاء كانت كما التسديدة الكروية الضعيفة نحو المرمى، فبالكاد وصلت إلى الطاولة التي كان يجلس عندها بريمر، لذلك أطلق ابتسامة بطعم الضحكة المنتصرة تقريباً.
وتلاها السامرائي بقذف الفردة الثانية بعزيمة زادت قليلا عما ينبغي، فقد تطايرت نحو بريمر البالغ من العمر 71 سنة، من دون أن يكون لها حظ أو نصيب بلمس شعرة منه، لأنها مضت مطردة إلى أعلى المكان، كما ضربة الجذاء التي تتوجه كرتها نحو المدرجات بدلاً من المرمى القريب أمامها.
وكاد بريمر يدرك الفردة حين نهض مادا يديه إلى الأعلى ليلتقطها، لكنها لامست أطراف أصابعه واصطدمت بالجدار، فعاد إلى مكانه يضحك وقال له: "عليك بتحسين تصويبك إذا أردت القيام بخطوة من هذا النوع" ورد السامرائي وقد سيطروا عليه: "اللعنة عليك وعلى ديمقراطيتكم المزيفة.. دمرتم بلدي ولن تفلتوا" ثم اقتادوه مكبل اليدين .
الشرطة التي أخرجت بريمر على السريع من القاعة، احتجزت السامرائي وأفرجوا عنه مشروطاً بعدم حضوره مستقبلا أي لقاء أو نشاط داخل مجلس العموم البريطاني، بحسب ما كتبوا في بعض وسائل الإعلام البريطانية.
أما بريمر، الذي عينه جورج بوش رئيساً في 2003 للإدارة المدنية للإشراف على إعادة إعمار العراق وأمضى هناك عاماً ألف عنه كتابا، فعاد إلى القاعة بعد دقائق، مطمئناً من انتظروه وقال: "ok.. ok أنا بخير، وهذا الشاب محظوظ لإقامته في بريطانيا، حيث حرية التعبير حق محترم". مشيرا إلى أن السامرائي كان سيقتل في الحال لو عبر عن رأيه بهذه الطريقة في عهد صدام.
حذاء الوداع
العراقي منتظر الزيدي اشتهر بقذفه زوجي حذائه صوب الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش أثناء انعقاد مؤتمر صحفي في بغداد في 14 ديسمبر اثناء زيارة وداع للعراق عام 2008، فأصاب أحدهما علم الولاياتالمتحدة خلف بوش بعد أن تفادى الحذاء بسرعة فائقة ، ولا زال العالم يتذكر حذاء الزيدي الذي اتسم بشهرة عالمية.
وقد أودع في أحد سجون العراق بعد الحادث مباشرة، ويذكر أن الرئيس بوش أكمل المؤتمر الصحفي مع المالكي. وفي تعليق لبوش على الموقف قبل 17 يوم على انتهاء ولايته الدستورية كرئيس للولايات المتحدة قال: "هذا أغرب شيء أتعرض له".
وسبق لمنتظر أن اختطف في 16 نوفمبر 2007 فيما كان يتوجه إلي مقر عمله وقد عاد إلى أسرته في التاسع عشر من نفس الشهر بعد ثلاثة أيام من اختطافه دون دفع فدية مالية وقد نقلت وكالة أسوشيتيدبريس عن أحد محرري القناة قوله: "إن أحد زملاء الزيدي اتصل بهاتفه المحمول ظهر الجمعة فرد عليه شخص غريب وقال له (إنس منتظر)" وقال المحرر للوكالة "إن هذا عمل عصابة إجرامية، لأن تقارير منتظر كانت دائما معتدلة ومحايدة". وقد شهد اليوم التالي لحادثة رشق الرئيس بوش بالحذاء تظاهرة شعبية في مدينة الصدر تطالب بإطلاق سراح الزيدي بحجة أنه كان يمارس الديمقراطية التي تدعو إليها الولاياتالمتحدة.
وعد الحادثة صرحت أسرة الزيدي أنها تلقت العديد من مكالمات التهديد . وشكل عام أعلن معظم الصحفيين العرب تأييدهم للزيدي بما فعله، مطالبين بسرعة الإفراج عنه بعد الاعتداء عليه بشكل وحشي أثناء اعتقاله. وقد استفاضت وسائل الإعلام الغربية في تفسير معاني رمي الحذاء على شخص في الثقافة العربية وكذلك الجلوس متقاطع الأقدام أمام شخص آخر، مشيرةً إلى أن هذا الأمر يعد إهانة عند العرب، رغم أن إلقاء الحذاء في وجه آخر تعد إهانة عند جميع الشعوب.
وتطرقت إلى ما فعله العراقيون عقب سقوط بغداد عام 2003 وقيام عشرات العراقيين بضرب رأس تمثال الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالأحذية. غير أن بوش تقبلها بصدر رحب، وخصوصاً أنها جاءت في أعقاب التوقيع على الاتفاقية الأمنية بين بغداد وواشنطن.
وفي 11 مارس 2009 حكمت محكمة عراقية على الصحفي العراقي منتظر الزيدي، بالسجن ثلاث سنوات قابلة للتمييز وفي يوم 7 أبريل 2009 تم تخفيف الحكم على الصحفي العراقي منتظر الزيدي من ثلاث أعوام إلى عام واحد.
وبعد أن قضى منتظر الزيدي ثلاث أرباع المدة، أحق له القانون العراقي بالخروج من السجن على شريطة حسن السير والسلوك، وقد أطلق سراحه في تاريخ 15 سبتمبر 2009.
وفي 1 ديسمبر 2009 في باريس لقى منتظر الزيدي رشقة بالحذاء من صحفي عراقي اسمه سيف الخياط ونجح في تفاديها وأمر حراسه بعدم ضرب الصحفي الذي اعتدى عليه فخرج الصحفي من دون فردة الحذاء.
الحذاء السوري
كما تعرض الرئيس الايراني أحمد نجاد للرشق بالحذاء خلال زيارته التاريخية المؤخرة بمصر،على يد شاب سورى حاول التهجم جسدياً على الرئيس الإيراني أثناء خروجه من مسجد "الحسين" في القاهرة، غير أن الأمن المصري حال دون ذلك وألقى القبض عليه.
كما حاول الشاب السوري عز الدين خليل الجاسم الاعتداء بحذائه على الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أثناء خروجه من مسجد "الحسين". وأضاف أنه عند خروج نجاد من المسجد قابله شاب يتحدث بلهجة تبدو سورية وحاول التهجم على الرئيس الإيراني رافعا حذاءه، غير أن الأمن المصري حال دون ذلك وألقى القبض عليه. وردد الشاب عبارات تهاجم إيران لموقفها الداعم لرئيس النظام السوري بشار الأسد من قبيل "قتلتم إخواننا".
وأظهر فيديو الواقعة، الشاب وهو يرفع حذاءه ويصرخ في اتجاه نجاد الذي كان يبعد عنه أمتارا قليلة قبل أن يلقيه في اتجاهه إلا أن الحذاء أصاب أحد أفراد حراسة الرئيس الإيراني.
بكل اللغات
ولم تخل الساحة السياسية الداخلية لمصر من استخدام الحذاء أيضاً، فقد تهم مرتضى منصور رئيس نادى الزمالك السابق برفع حذائه خلال نهائى كأس مصر بين الأهلى والزمالك.. لكن المحكمة برأت منصور من التهمة. وفى نفس العام اتهم طلعت السادات عضو مجلس الشعب المستقل بإلقاء حذائه على أحمد عز، رئيس لجنة الخطة والموازنة بالمجلس حينها ، بعد مشادة كلامية اتهم فيها السادات عز بالحصول على 15 ألف فدان من أراضى الدولة بسعر خمسة جنيهات للمتر، وأنه تسبب فى سقوط البورصة المصرية وقتها.
كما قام النائب الاخواني أشرف بدر الدين بخلع حذائه ومحاولته ضرب نائب الوطني السيناوي نشأت القصاص احتجاجا علي كلامه حول اتهامه للاخوان وبانهم يعملون لاعداء الوطن، وهو ما أضطر "بدر" بخلع حذائه لقذف القصاص لم تكن هذه الواقعة التي شهدها المجلس فقط.. بل في اليوم التالي كان نفس التصرف من النائب الاخواني علي لبن بعدما قررت الحكومة وحذف الرموز الوطنية من المناهج الدراسية، وهو ما اضطر "لبن" للقيام بمثل هذا التصرف كأداة إعتراض. والواقعتان أثارتا المخاوف من تفشي ثقافة جديدة لم تكن معروفة بالصورة الواسعة وهي ثقافة الحذاء.
وفي 23 ديسمبر 2003 انقض عدد من اعضاء حزب التحرير الفلسطيني بالاحذية علي أحمد ماهر وزير الخارجية الأسبق، خلال زيارته للمسجد الاقصي بعد الانتهاء من محادثات مع رئيس الوزراء الاسرائيلي الاسبق آريل شارون.
كما تعرض رئيس الوزراء الصيني وين جيا باو في 2009 للرشق بالحذاء من قبل طالب ألماني أثناء إلقائه كلمة في جامعة كمبردج. وقطع هذا الحادث كلمة كان يلقيها وين في الثاني من فبراير / شباط في آخر يوم من جولة في أوروبا .
وفي فبراير 2010 قُذف رجب طيب ارودوجان رئيس وزراء تركيا بحذاء رجل سوري , لا يتمتع بأي إقامة قانونية في اسبانيا "مقيم بالأسود".
وفي أثناء مداولات في المحكمة العليا الإسرائيليةً قام أحد الحضور برشق رئيسة المحكمة حيث أصابها الحذاء وسط ذهول وصدمة الحضور في قاعة المحكمة وحاول المواطن الإسرائيلي الذي ألقي الحذاء الخروج علي الفور من قاعة المحكمة، ولكن الأمن الموجود استطاع القبض عليه.
وهذه ليست المرة الأولى التي إلقاء حذاء علي مسئول إسرائيلي وكانت المرة الأولي حينما تم إلقاؤه علي السفير الإسرائيلي بالسويد أثناء اجتماع لطلبة جامعة استوكهولم وذلك أثناء حديثه عن الحرب الأخيرة علي القطاع والتي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين ما بين قتيل وجريح كذلك تم إلقاء حذاء علي أحد ضباط الجيش الإسرائيلي في أمستردام من قبل متظاهرين فلسطينيين حيث أصابوه في رأسه.
سلوك مسئ
ورغم أن استخدام الحذاء لا يمثل جرماً يعاقب عليه القانون فإن خبراء الاجتماع وعلم النفس اعتبروا مثل هذا التصرف تعبيراً عن الضعف.
من جانبه قال الصحفي محمد توفيق، الذي كان في بغداد حينما ألقى الصحفي العراقي منتظر الزيدي الحذاء على الرئيس الأمريكي جورج بوش خلال مؤتمر صحفي أقيم في السفارة الأمريكية ، أن هذه الحادثة تسببت بالكثير من الجدل في تلك المرحلة.
ونقلت شبكة ال "سي إن إن" عن توفيق قوله:"إن كثيرا من العراقيين احتفلوا بالواقعة، بينما أكد آخرون أنه لا يليق بالعراقيين استقبال ضيوفهم بهذا الشكل، إذ لا يجوز الإساءة إلى الضيف".
وأضاف توفيق: "بما أن الحذاء يوضع على الأرض، فهو يمثل القذارة، فإذا رميت الحذاء باتجاه أحدهم، فكأنك رميت بالقذارة عليه".
واتفقت فايقة شيرازي، أستاذة دراسات الشرق الأوسط في جامعة تكساس، مع هذا الرأي، وقالت، إن مثل هذا السلوك مسيء، ليس في الثقافة العربية فحسب، بل في جميع الثقافات.
وأضافت بالقول: "رمي الحذاء على شخص معين، أو رفع الحذاء في وجه الجالس أمامك، جميعها سلوكيات غير مرغوبة في جميع الثقافات، وهي تعتبر مسيئة للجميع".
وتابعت شيرازي بالقول: "في معظم الأحيان، قد لا يتمكن الفقراء من ارتداء الأحذية، لذا، فعدم ارتداء الحذاء واتساخ القدمين دليل على انخفاض الوضع الاجتماعي، والتعليمي، والثقافي، وبالتالي قد يكون الحذاء أيضا إشارة الطبقة الاجتماعية الغنية".
وعند البحث عن دلالات الحذاء في الثقافات التاريخية، هناك بعض الإشارات إلى قوة هذا الرمز.
وحول ذلك، قالت شيرازي: "قد يكون السبب هو الترتيب الجسدي من الرأس وحتى القدمين، فالرأس في الأعلى يشير إلى علو المرتبة، بينما القدمين في الأسفل تلامسان الأرض، وتعبران عن الدونية ، لافتة إلى أنه عادة ما كان الناس حفاة في الماضي، وهو ما قد يشير إلى انخفاض المرتبة".
تدني لمستوي الحوار وفشل في الاقناع.. بهذا بدأ الدكتور محمد عبدالبديع أستاذ الاجتماع محللا اتجاه العديد لاستخدام هذه التعبيرات غير اللائقة أو التي وصلت المؤسسات فمن غير المعقول أن تتكرر هذه التصرفات بمؤسسات علي درجة عالية من الكفاءة والمراقبة، ومن غير المعقول أن يسقط السياسي في هذه الصغائر حتي لا يصير نموذجاً سيئا للعامة بين أبناء دائرته. فالسياسي دائماً يتطلب شخصيته الدراية والصبر والسلوك الجيد، وهذا يعتبر من قنوات الاتصال الجيدة.
وعلي حد قول الدكتور سعيد عبدالعظيم استاذ علم النفس بجامعة القاهرة قد تتحول ثقافة الحذاء قد تتحول إلي موضة .