تناولت الأوساط السياسية في السعودية خبر إقالة رئيس تحرير جريدة "الشرق" التي تصدر في المنطقة الشرقية قينان الغامدي بغضب على خلفية نقده للدور القطري بالبلاد. ولم يعلن رسميا عن أسباب الإقالة التي اعتبرها صحافيو الشرق مفاجأة، خاصة وأنها جاءت والغامدي يستعد للإشراف على طباعة الغد والتكليف بشأن عدد من القضايا . وتسلم دفة قيادة الصحيفة الحديثة، والجريئة في رصد وفتح ملفات تعتبر لدى صحف أخرى محرمة، خلفا لقينان الغامدي ، الكاتب والإعلامي السعودي جاسر الجاسر، صاحب التجارب الإعلامية العديدة في عدد من الصحف السعودية، كان آخرها صحيفة الوطن السعودية.
ولا يعتبر الجاسر غريبا على موقع الرئاسة، وكذلك "الشرق" الصحيفة، فهو من أبرز كتابها اليوميين منذ بدء طباعتها، وأحد أصدقاء الحرف والحرفة للسابق قينان، فهما من نبع "الوطن" الذي ينتشر في أرجاء صحف عديدة داخل السعودية وخارجها.
اللعب بالنار وتساءل الغامدي في مقالته في جريدة الشرق بعد شهرين فقط من احتفاء الجريدة الورقية بعامها الأول، عن سبب ما أسماه ب "تآمر" حكومة قطر وتحركها ل"اقتلاع شقيقتها حكومة السعودية!؟".
وقال في موقف من مقالته التي رد فيها على بعض منتقديه من بينهم الكاتب مهنا الحبيل ، والكاتب محمد الحضيف، إن موقف السعودية غامض "خاصة في موضوع قطر".
وأضاف "أنا بصفتي الوطنية "مواطن"، وصفتي المهنية "رئيس تحرير"، استمعت إلى المكالمة الشهيرة لوزير خارجية قطر، التي فيها تآمر واضح على وطني المملكة، ورصدت التحركات السياسية والمالية الواضحة لحكومة قطر ، ووجدتها تحركات تنسجم مع الخطة التي أفصحتْ عنها "المكالمة الشهيرة"، فوجدت أن من واجبي "الوطني والمهني" أن أنبِّه الشعبين الشقيقين القطري والسعودي إلى خطر اللعب بالنار الذي تمارسه حكومة قطر".
ويعد الغامدي أكثر الصحفيين السعوديين جرأة في التعاطي مع ملفات عديدة، وهو المتميز في مجال الصحافة الاستقصائية، التي غمرت ملفاتها جنبات صحيفته "الشرق"، ويظهر ذلك جليا منذ توليه منصب رئاسة تحرير جريدة الوطن السعودية، التي ينسب لها الفضل في رفع سقف الحرية الإعلامية في المملكة.
وسيطر خلال الفترة الماضية قينان الغامدي على أجواء المقالات في السعودية، حيث كان نجمها الأبرز ورئيس التحرير الوحيد الذي كان يكتب بشكل شبه يومي، وتناول خلالها "الإخوان" المسلمين في الخليج والسعودية على وجه التحديد.
آخر مقالات الرئيس المقال من أحدث الصحف السعودية تناول فيه من جديد "الإخوان المسلمين" ودور دولة قطر في نفوذهم واعتلائهم السلطة، حيث عنون مقالته ب"جماعة الإخوان السعوديين وقطر مرة أخرى ... في حبل مَنْ يَحطِب الحبيل؟: ناموا مبكراً.. ولْنتحاور تحت الشمس".
إقالة سياسية من جانبه قال وزير الإعلام السعودي عبد العزيز خوجه إن إقالة الغامدي لم تأت بقرار من الوزارة بل هي من المؤسسة المالكة للجريدة، لكن معلومات لصحيفة "العرب" اللندنية تؤكد أن الإقالة سياسية بامتياز.
وأشارت مصادر "العرب" في الرياض إلى أن السفير القطري قدم احتجاجا رسميا لوزارة الخارجية السعودية تضمن الإشارة إلى أن جريدة الشرق دأبت بمقالات الغامدي التعرض لقطر مما يضر بعلاقات البلدين، خاصة وأن هناك اتفاقا رسميا بعدم تهجم إعلام كل دولة على الأخرى، وأن على السعودية تطبيق هذا القرار.
وودّع قينان الغامدي، رئيس تحرير صحيفة "الشرق" السابق عمله بالصحيفة بالعديد من الكلمات من خلال حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "تويتر" حيث قال "وداعا أيتها الحبيبة الشرق مرحباً بالمستقبل المكتوب سلفا ".
وسبق قينان ذلك بتغريدات قال فيها "أعشق قيادة وطني العظيمة بجنون.. أعشق وطني وأحب كل من ينتمي له.. أختلف مع الحكومة كثيرا.. بلادي وإن ... وأهلي وإن ... وداعا أيتها الحبيبة الشرق.. ومرحباً بالمستقبل المكتوب سلفاً".
ضحية ما يكتبه وعقب السعوديون في مواقع التواصل الاجتماعي حيال إقالة قينان الغامدي حيث تساءل أحدهم في موقع تويتر: "كيف يمكن أن يفكر صحفي سعودي في المستقبل أن ينفذ ما تراه الدولة بالنيابة عنها إذا كانت النتيجة أن يتحول هو أول ضحية لما يكتبه؟". وأضاف آخر: "الصحفي السعودي لا يأمن على نفسه حتى عندما ينفذ المطلوب". بينما علق مغرد بقوله: "كيف يمكن مواجهة فتنة الإخوان وقطر إذا كان الضحية هو من يتصدى لهم بالقلم والحجة؟"، وأضاف معلق آخر: "هل ثمة شك أن قطر والإخوان يكيدان للسعودية، تاريخيا ومرحليا؟". لكن الدكتور مساعد المحيا نظر إلى الأمر من زاوية أخرى فقال "أسلوب فتح النار والمبادرة في ذلك إعلاميا لغة لا تحبذها السياسة السعودية… لاسيما وأن المملكة وقطر بينهما اتفاق على تخفيف ذلك". وتأتي إقالة قينان الغامدي من جريدة الشرق لتتوج سلسلة تنقلات له من جريدة لأخرى بسبب وقوفه ضد التيارات وتبدو الإقالة دليلا على وجود نزاع داخل دوائر صنع القرار السعودي حول التعامل مع الإخوان المسلمين وقطر، لكن مراقبين يقولون إن السعودية لا ترغب في أن تشارك في صراعات هامشية، وأن على إعلامها أن يركز على البعد عن إثارة المشاكل مع قطر خاصة في ظل الاتفاق بين البلدين عام 2008.