نزل الوحي علي النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو في الأربعين من عمره وتلقى أمر ربه بعد شوق له ، وبعد أن أذن له - صلى الله عليه وسلم- بالدعوة إلي الاسلام بين أهله وقريش، اتخذت الدعوة مسلكا سريا خفيا، فبدأ - صلى الله عليه وسلم - يعرض دعوته على ألصق الناس به، وأهل بيته، وأصدقائه، ومن توسم فيهم خيراً ممن يعرفهم ويعرفونه، يعرفهم بحب الخير والحق، ويعرفونه بتحري الصدق والصلاح، فأجابه من هؤلاء جمع عُرفوا في التاريخ الإسلامي بالسابقين الأولين.
أول من أسلم: فكان أول من أسلم زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - ثم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ثم مولاه زيد بن حارثة الكلبي - رضي الله عنه - ثم أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -.
ودخل الناس في دين اللَّه واحداً بعد واحد، حتى فشا الإسلام في مكة، وتُحدِّث به، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يجتمع بهم ويعلمهم ويرشدهم مختفياً؛ لأن الدعوة لا تزال فردية وسرية، وكان الوحي قد تتابع، وحمي نزوله بعد نزول أوائل المدثر.
ولقد بلغ المسلمون عدداً يقرب الأربعين رجلاً، ومازالت الدعوة سراً لم يجهر بها بين صفوف قريش.
دروس في الدعوة: وقد اختيرت دار "الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي"، فكان يلتقي بهم على شكل أُسَر يعلمهم أمور دينهم، وكان إلى جانب دار الأرقم - المركز الرئيسي - دور أخرى تكون مراكز فرعية، حيث يذهب إليهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أحياناً دون انتظام، أو ينتظم فيها الصحابة الذين يختارهم رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، مثل دار سعيد بن زيد، ولكن الأرقم بن أبي الأرقم قد فاز بمنقبة عظيمة، وهي اتخاذ داره مركزاً رئيسياً للدعوة أيام ضعفها واستخفائها، وهي أحرج أوقات الدعوة .
وهكذا مرت ثلاث سنين، والدعوة لم تزل سرية وفردية، وخلال هذه الفترة تكونت جماعة من المؤمنين تقوم على الأخوة، والتعاون، وتبليغ الرسالة، وتمكينها من مقامها.