الدعوة إلى الله هي من أخطر وأجل الأعمال لذلك انتدب إليها المولى تبارك وتعالى أنبياءه ورسله وجعلها وظيفة اتباع الرسل الذين يتبعونهم على بصيرة وهدى لذلك فان من أول الواجبات على الداعي إلى الله ان يتعلم طريقة الأنبياء والرسل في مواجهة اهل الباطل ونحن في هذه الأيام نواجه حملة شرسة ضد الدعوة والدعاة وتتركز هذه الحملة في السخرية والإستهزاء بالدعاة.
ومن هنا وجب علينا ان نتعلم كيف نواجه هذه الحملات المغرضة من خلال دستورنا العظيم ألا وهو القرآن الكريم فاهل الباطل دائما لا يريدون أن يواجهوا الدعاة مواجهة موضوعية لأنهم يعلمون أنها مواجهة في غير صالحهم لذا يلجأون إلى تحويل المعركة إلى معركة شخصية بالإستهزاء والسخرية من الدعاة والتحقير من شأنهم ومن اكبر الخطأ والخطر أن ينجرف الدعاة إلى مجاراة أهل الباطل في هذا المنحى لأنهم لامحالة سيخسرون في كل الأحوال لأنهم سيسقطون من أعين الناس لأنهم سيصبحون مدافعين عن ذواتهم باحثين عن مجدهم الشخصى وحينئذ فلا فرق بين الفريقين وحتى لو انتصروا في هذه المعركة فسيكونون خاسرين ايضا لأنهم بذلك سيكونون قد أضاعوا وقتهم وجهدهم في غير وظيفتهم الأساسية ألا وهى دعوة الناس إلى الحق وهداية الخلق وهذا عين مايريده الباطل ويتمناه وقد سجل لنا المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم واحدة من اعظم واخطر تلك المواجهات فتعالوا لنتعلم من نبي الله موسى عليه السلام كيف تكون المواجهة وكيف تجري المناظرة كما سجلتها لنا سورة الشعراء حيث يبدأفرعون بسؤاله المتغطرس المتكبر--
قال فرعون ومارب العالمين .قال رب السموات والأرض ومابينهما إن كنتم موقنين.
ولأن فرعون لايمتلك حجة يرد بها على موسى عليه السلام أراد ان ينقل المعركة إلى ميدان أخر وهو ميدان الإتهام الشخصى وأن تدور المعركة حول شخص موسى لا حول رسالته ودعوته لذا كانت اجابته ورده كما سجلها القرآن الكريم
قال لمن حوله ألا تستمعون
لقد هرب فرعون من المواجهة الوضوعية إلى التهكم والسخرية طمعا منه ان ينجر موسى معه إلى هذا الأسلوب المتدني من الحوار ولكن انظروا معي إلى موسى عليه السلام وهو يعرض عن هذا القول وكأنه لم يسمعه ويمضي قدما في عرض حجته وبيانه
قال ربكم ورب أبائكم الأولين
وهنا يتحول فرعون من السخرية العامة إلى الإتهام الشخصي لموسى عليه السلام لعله ينجح في صرفه عن استكمال عرضه لدعوته ومنهجه
قال إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون
وهنا نرى موسى عليه السلام وهو لايبالي باتهام فرعون له بالجنون ولم يتحول همه إلى الدفاع عن نفسه وإثبات انه صاحب عقل راجح ولم يوجه الاتهام المباشر إلى فرعون ويقل له بل انت المجنون ولكن تعالوا لنرى كيف يكون الرد والبيان
قال رب المشرق والمغرب ومابينهما إن كنتم تعقلون
لقد اتهم موسى بالجنون ولكنه لم يحول هذ الأمر إلى لب المعركة وجوهرها ولكنه يرد عليه بأسلوبه الراقي بعد ان يستكمل عرضه لمنهجه فقد اختتم قوله وخطابه لهم بقوله
إن كنتم تعقلون فقد دفع التهمة وحولها إلى فرعون وقومه دون ان يستخدم أسلوب فرعون الهمجي المتدني قال لئن اتخذت إلها غيرى لأجعلنك من المسجونين .
ونرى هنا أن فرعون حينما فشل في جر موسى إلى معركة حول ذاته وشخصه بدأ في التهديد والوعيد لعله يفلح في تحويل المعرمة إلى معركة من معارك حقوق الإنسان والحريات وليست معركة عقيدة ودين ولكنه لم يفلح في ذلك ايضا لأن موسى عليه السلام لم ينحرف عن عرض منهجه وبيان حجته والتدليل العملي على صدق دعوته قال أولو جئتك بشئ مبين قال فأت به ان كنت من الصادقين .
وهنا نجد ان ميزان المعركة قد تحول وأن موسى عليه السلام قد نجح فى أن يمسك بزمام المبادرة وأن يجبر فرعون على الدخول في المواجهة الموضوعية التى لامتلك أسلحتها ولا يجيد استعماها وبذلك استطاع موسى أن يحسم المعركة لصالحه ولو أنه انزلق مع اسلوب فرعون المتدنى الخبيث لخسر معركته ولانتصر فرعون بكل سهولة ويسر.
أيها الدعاة الأجلاء إياكم ان تنصرفوا عن وظيفتكم فى الدعوة إلى الحق وهداية الخلق وتتفرغوا للرد على السفاهات والتفاهات لقد لاحظت أن كثير من الدعاة لاهم لهم إلا عرض بعض المقاطع من الفديوهات السخيفة والتعليق عليها وهذا من أكبر الخطأوالخطر فقد صرفهم هذا عن عرض المنهج الإسلامي المتكامل لردود جزئية لايستوعبها المشاهد أو المستمع وجرت البعض منهم إلى الوقوع في مخالفات شرعية وأخلاقية لاتليق بالدعاة إلى الله وهذا هو عين مايتمناه أهل الباطل ويسعون إليه لأنهم يعلمون أنهم لايستطيعون الطعن في الشريعة لكمالها أولا ولتحاشي غضبة المسلمين الصادقين ثانيا لذا يلجأون إلى تصيد أخطاء الدعاة وسقطاتهم ليتخذوها مدخلا لطعنهم و تشوييهم للشريعة .
وللأسف الشديد أن بعضا من الدعاة قد قدموا لأهل الباطل خناجر مسمومة ليطعنوا بها الشريعة في مقتل وذلك بابتعادهم عن منهج الإسلام القويم في الدعوة وانزلاقهم في مجاراة اهل الباطل فى سفههم وجهلهم وقديما أكثر أحد السفهاء فى هجاء رجل من الشرفاء وتطاول عليه فأجابه بشطر بيت قائلا قل ماشئت فما طنين الذباب بضائري فسكت الرجل ولم يهجه بعدها ابدا وكما يقول الشاعر ولقد أمر على السفيه يسبني فمضيت ثمة قلت لايعنينى .
فيا أيها الدعاة وجهوا وقتكم وجهدكم لبيان الحق وايصاله إلى الناس وتوضيح منهج الإسلام كاملا شاملا فبذلك ستخرسون تلك الألسنه وتقطعونها وتنصرون دينكم وتحفظون دعوتكم والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لايعلمون