- سائقي ميكروباص "أحنا بنكره الثورة.. ومش عاوزين سياسة.. أحنا اللي مدهوسين في النص" - نهي "أول مشاركة سياسية لي كانت في وقفة احتجاجية أثناء محاكمة قاتلي خالد سعيد بالإسكندرية.. ولم أندم.
خبرة المصريين بالتعامل مع السياسة والاحتكاك بها لم تكن سهلة أبدا طوال ثلاثين عاما هي عمر النظام السابق، تم خلالهم تكريس البحث عن "لقمة العيش" وفقط داخل أذهان المصريين، والتعامل مع السياسة علي أنها "غول" قد يحول حياتهم جحيما، بسبب التعامل الأمني الفج مع كل من يحتك ولو من بعيد بالسياسة، كرس داخل الآباء والأمهات أن يهتموا فقط بلقمة عيشهم ويغلقون الباب علي أنفسهم وأولادهم، حتى بدأ جيلا كان يتربي علي "السير بجوار الحيط" في الثورة وكسر حاجز الخوف من كل شيء، نزل للشارع هاتفا يريد اسقاط النظام إلي أن أسقطه بالفعل.
لم يكن لدي نهي طارق –ابنة هذا الجيل- أي اهتمام بالسياسة حتى حادثة قتل خالد سعيد، أول مرة شاركت فيها في وقفة احتجاجية كانت التي نظمها نشطاء أمام محكمة المنشية قبيل ثورة يناير أثناء محاكمة المخبرين المتهمين بمقتل الشاب السكندري، تقول نهي : "هي المرة الأولي التي كنت أشارك فيها في مظاهرة حقيقية، ولم أندم علي ذلك، حيث شاركت في الوقفة التي كانت أمام المحكمة بحي المنشية بالإسكندرية أثناء محاكمة قاتلي خالد، أنا أعيش مع أهلي بالقاهرة وأعمامي يعيشون بالإسكندرية، عندما أخبرت أهلي بذهابي للإسكندرية من أجل المشاركة لم يعترضوا وعندما أخبرت أعمامي بذهابي للوقفة الإحتجاجية التي ستتم أمام المحكمة لم يعترضوا أيضا، استيقظت يوم المحاكمة فجرا، وقرأت بعض القرآن وأهديته لروح خالد، ونزلت من بيتنا الساعة السادسة والنصف صباحا، كنت خائفة من أن أضل الطريق فهذه أول مرة اذهب فيها إلي المنشية وحدي، لم أكن لأضل الطريق إلي المحكمة أبدا، ولم أحتاج لسؤال أحد عن مكان المحكمة فقد كانت الكمية الهائلة لضباط الأمن الذين انتشروا أمام المحكمة وفي الطريق إليها دليلا واضحا لي، وهناك وجدت كثير من الناس البسطاء الذين لا يعرفون بعضهم البعض لكنهم تجمعوا من أجل خالد ووقفت معهم أمام المحكمة..
خالد كان شاب كل حياته النت والموسيقي زي كثير مننا، وكان ممكن أي حد مننا يكون مكانه، ومن وقتها بدأت مشاركتي في السياسة."
تلت الثورة تبعات وأحداث وقرارات سياسية حازمه اشترك الشعب الذي يخاف السياسة أن يصنعها ويضعها بنفسه.. إلي يوم الاستفتاء علي الدستور.. لتظل نسبة كبيرة عازفه عن المشاركة، ولتظل نسبة الذين صوتوا في الاستفتاء بالقبول أو الرفض مجتمعين ليست هي الأغلبية، والأغلبية الساحقة هي من لا تعرف شيئا عن الدستور، ولا تريد أن تعرف، لأنها لازالت مهتمة بأكل العيش ولازالت تري السياسة "غولا" قد يقلب مجري حياتها رأسا علي عقب.
من بين هؤلاء أحمد شوقي -30 عاما- سائق ميكروباص، و الذى يعبر عن رفضه رافضه لكل ما يحدث فى الشارع قائلا " أنا لا فاضي أقرا جرايد ولا أتفرج علي تليفزيونات، بس اللي فاهمه إن البلد حالها مقلوب وخلاص، كل يوم فيه مظاهرات، وفيه ناس ليها مطالب عاوزه تحققها، وأحنا اللي ضايعين وحالنا واقف في النص، ومحدش بيفكر في غيره، وبعد ده كله ييجوا يقولوا لنا انزلوا قولوا أه أو لأ علي الدستور، وأحنا ولا فاهمين أيه الدستور، ولا فاهمين لو قلنا "أه" هيحصل أيه ولا لو قلنا "لأ" هيحصل أيه! كمان أنا مش فاضي.. عشان أتابع الكلام الكتير اللي بيقولوه ده، ولو تابعت مش هفهم منهم حاجة! عيالي أولي بالوقت اللي ممكن أضيعه ده، اشتغل فيه عشان اجيبلهم فلوس ياكلوا بيها، عشان لو أنا ما اشتغلتش محدش هيسأل فيهم."
ويضيف عاطف نصيف -40 عاما- مشرف علي سائقين ميكروباص خط أكتوبر بموقف عبد المنعم رياض، "أنا عندي 3 عيال، ومش مهتم بحاجة في الدنيا غيرهم، عيالي محتاجين لي ومالهمش غيري، لكن البلد ليها اللي هيدير شئونها ومش هيسمح لحد إنه يتدخل فيها حتي لو هيخربها، من الآخر هيحصل اللي هما عايزينه وبس، وكل اللي أحنا شايفينه ده، يقصد الاستفتاء علي الدستور، تمثيل عشان ميبقوش غلطانين قدام العالم."
"أنا بكره الثورة اللي خربت بيوتنا.. وبكرّه المظاهرات والاعتصامات اللي كل شوية بيعملوها ووقفت حالنا.. ومش هشارك لا في انتخابات ولا استفتاءات لغاية ما أموت" هكذا علّق سعيد أحمد إبراهيم-44 عاما- والذي يعمل سائق ميكروباص، عن موقفه من الحياة السياسية في مجملها، برر سعيد موقفه الحاد بأنه قد اشتري ميكروباصا بالتقسيط بمبلغ 110 ألف جنيها، وسُرق منه في فترة الانفلات الأمني بعد الثورة، ولا زال متورطا في تسديد أقساطه حتى الآن، يقول سعيد عن موقفه الذي قاطع فيه الاستفتاء "أحنا ناقصين خراب بيوت؟ أنا أولي باليومية اللي هتضيع عليا لو روحت قولت أه أو لأ زي ما هما عايزين، وبعدين هي في كل الحالات خربانه، لا أه هتعمل حاجة ولا لأ هتعدل حاجة، ولا صوتي هيغير حال البلد، وفي كل الحالات هيعملوا اللي هما عايزينه، والبلد هتمشي علي مزاجهم سواء قلنا أه أو لأ." صمت سعيد قليلا، وأضاف قائلا "أحنا كنّا بنقول نفس الكلام ده أيام مبارك، كل حاجة بتتعاد، ومفيش حاجة اتغيرت.. خلينا أحنا في بيوتنا وعيالنا اللي في رقبتنا."
أما منال علي، 28 عاما، فتقول أثناء وقوفها بطابور الاستفتاء في المرحلة الأولي منه بالقاهرة "أحنا ما اتعودناش علي المشاركة السياسية.. محدش قال لنا إننا لازم نشارك في صنع الأحداث السياسية اللي بتشكل مستقبل بلادنا، وقليل أوي اللي كان أهله في جيلنا بيفهمه أزاى ياخد حقه ويمارس مسئوليته كمواطن له حقوق وعليه واجبات، كانوا أهالينا خايفين علينا، بس أنا من ثورة يناير بقيت بشارك في كل استفتاء أو انتخابات، عشان أقول رأيي اللي ربنا هيحاسبني عليه، وعشان ميبقاش الولاد اللي ضحوا بحياتهم في الثورة وما بعدها راحوا هدر، وكمان بعلم ولادي أزاى يعرفوا يبقوا مواطنين بجد ويمارسوا حقوقهم وواجباتهم في بلدهم."