يسعى الحكام الجدد في ليبيا التي تعاني من مشاكل العنف والمخدرات وتهريب الأسلحة وتدفق اللاجئين غير الشرعيين، إلى فرض حملة صارمة في الجنوب الصحراوي ، منذ نهاية الحرب التي أطاحت بمعمر القذافي في العام الماضي. وقام المؤتمر الوطني العام الليبي بإصدار قرار إغلاق الحدود الجنوبية لليبيا مع (الجزائر والنيجر والسودان وتشاد)، ليكون المؤتمر الوطني العام أعلى هيئة سياسية في البلاد، أوكل لجيشه الناشئ مهمة شبه مستحيلة في ارض صحراوية تزدهر فيها عمليات التهريب من كل الأنواع.
وقال رئيس الوزراء الليبي علي زيدان أمام أعضاء المؤتمر الوطني العام "يجب عدم اتخاذ قرارات على عجل خصوصا حين نكون غير قادرين على تطبيقها".
وكان المؤتمر الوطني العام أمر الأحد بإغلاق حدود ليبيا مع جيرانها الأربعة في الجنوب وهي الجزائر والنيجر وتشاد والسودان بسبب تدهور الوضع الأمني في جنوب البلاد الذي أعلن "منطقة عمليات عسكرية مغلقة".
وأعلنت وزارة الخارجية الليبية الاثنين أن القرار اتخذ بالاتفاق مع الدول المعنية، وقال الناطق باسم الجيش علي الشيخي لوكالة "فرانس برس" أن ليبيا تفكر في إقامة مركز حدودي مع كل من هذه الدول الأربع محذرا من أن "أي شخص يدخل أو يخرج من هذه المراكز سيعتبر عميلا متسللا".
مناطق محظورة وبعد أيام من اختتام رئيس الوزراء الليبي علي زيدان جولة في المنطقة شملت تلك الدول أعلن أيضا أن سبع مناطق جنوبية أصبحت مناطق عسكرية محظورة.
وبينما قد يخفف هذا المرسوم القلق بشأن انعدام الأمن المستمر في ليبيا فإن غياب جيش قوي أو قوة حدود يثير تساؤلات بشأن الآثار التي ستترتب نتيجة له على الأرض.
وقال عضو بالمؤتمر الوطني ل"رويترز" طالبا عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموضوع "الهدف هو تحسين الأمن والقضاء على تهريب الأسلحة والهجرة غير الشرعية."
وأضاف "كيفية تنفيذ المرسوم أمر متروك للحكومة وقائد الجيش. إننا على الأقل نتخذ خطوات."
وفي الجنوب حيث العلاقات القبلية أقوى مما هي عليه في منطقة ساحل البحر المتوسط يسهل اختراق الحدود وتجعل مشاعر الاستياء وتوفر الأسلحة المنطقة واحدة من أكبر المشاكل المحتملة للحكومة.
ولم تمارس قوات الأمن الضعيفة سيطرة تذكر لان المعارك القبلية بشأن السلطة والتجارة الرائجة فاقمت انعدام الأمن.
وفي وقت سابق هذا الشهر قاطع العديد من أعضاء المؤتمر الجنوبيين الجلسات احتجاجا وأشاروا إلى زيادة العنف من جانب جماعات مسلحة هناك والاتجار في المخدرات - مع فرار نحو 200 سجين من سجن بمدينة سبها الصحراوية.
وتتولى وحدات محلية شبه مستقلة حماية معظم الحدود الجنوبية لليبيا. وفي غياب جيش وطني فعال تعتمد الدولة في الغالب على مقاتلين معارضين سابقين للحفاظ على الأمن.
صعب التطبيق واعتبر المحللون هذا الإجراء انه رد على الأزمة في مالي لكنهم يحذرون من انه سيكون من الصعب جدا تطبيقه نظرا لطبيعة الجنوب الليبي الذي يسهل اختراقه.
وقال جون مارك المحلل في شاتام هاوس في لندن ان "مقاتلين والكثير من الأسلحة وصلت إلى مالي من ليبيا. والنزاع المالي رغم كل العالم على التركيز على الوضع".
ومالي لا تتقاسم حدودا مع ليبيا لكن المقاتلين والأسلحة تصل هناك عبر المرور بدول حدودية مثل النيجر والجزائر وعبر الاستفادة من الفوضى السائدة بعد النزاع الليبي الذي أدى إلى الإطاحة بنظام معمر القذافي السنة الماضية.
وفيما يحضر عمل عسكري دولي ضد الإسلاميين المتطرفين الذين يحتلون شمال مالي، سجل نزوح للسكان نحو الجنوب الليبي كما حذرت النائبة الليبية في الآونة الأخيرة سعاد غانور، وتخشى دول المنطقة تراجع المقاتلين الإسلاميين إلى أراضيها كما لفت مارك.
وقرار إعلان الجنوب منطقة عسكرية يعكس أيضا قلق السلطات حيال محاولات محتملة لزعزعة استقرار البلاد قد يكون وراءها مسئولون سابقون من نظام القذافي وبينهم كثيرون لجئوا إلى الجزائر أو النيجر كما أكد المحلل الليبي صالح السنوسي.
لكن شاشانك جوشي المحلل في معهد رويال يونايتد سرفيسز عبر "عن شكوكه" حيال قدرة السلطات الليبية على مراقبة الحدود الشاسعة أو الحد من الاتجار بالأسلحة أو حركة تنقل الأشخاص والبضائع.
وقال "نحن هنا أمام قوات مسلحة وطنية ضعيفة جدا وتواجه صعوبات في فرض نفسها في المناطق الساحلية المكتظة بالسكان".
وفشلت السلطات الليبية الجديدة حتى الآن في تشكيل جيش فعلي وشرطة وطنية تفرض الأمن في البلاد. وتعمل جاهدة على مراقبة الحدود البرية 4 ألاف كلم والبحرية ألفا كلم وتطلب مساعدة دول أوروبية لمواجهة تدفق آلاف المهاجرين غير الشرعيين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء والراغبين في الوصول إلى أوروبا.
وفي العام 2010 طلب الزعيم معمر القذافي حوالي 5 مليار يورو سنويا من الاتحاد الأوروبي لوقف الهجرة غير الشرعية.
استعادة الاستقرار وقال جيف بورتر بمؤسسة نورث افريكا ريسك كونسالتنج التي تعني بتقديم استشارات بشأن المخاطر في شمال إفريقيا "الدرجة التي تغلق بها الحدود فعليا ستتوقف على الدرجة التي ضمت بها الميليشيات المختلفة التي تعمل بطول تلك الحدود والدرجة التي ستحاول عندها إضفاء الصبغة الرسمية على سيطرتها على تلك الحدود.
واستعادة النظام في الجنوب مهم للاستقرار في المنطقة الأوسع حيث ازداد القلق بشأن الأمن غير المستقر في ليبيا نتيجة للتهديدات المتصاعدة من التشدد الإسلامي القادم من شمال مالي.
وفي الفوضى التي أعقبت سقوط القذافي أصبح الجنوب مسارا لتهريب الأسلحة التي وصلت إلى متشددي القاعدة في أعماق الصحراء، وهي تستخدم أيضا في الاتجار في سلع مشروعة ومهربة.
وقال مصدر أمني انه في منطقة أجاديز في النيجر وهي نقطة عبور إلى سبها يشتبك مسلحون من الطوارق والتيبو بانتظام للتخلص من سلع تم الحصول عليها بطرق غير مشروعة في ليبيا وتشمل عربات وأسلحة.
ويسمح المرسوم لوزارة الدفاع بتعيين حاكم عسكري له سلطة اعتقال الهاربين من العدالة وترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
وقال مسئول في سبها "إنها مهمة ضخمة وتعتمد على ما إذا كان الجيش لديه القوة لعمل ذلك " ولم تعلن تفاصيل تذكر عن الكيفية التي ستنفذ بها قوات الأمن الخطة ،وقال العقيد علي العماري أن قوة الحدود ستتكامل مع الجيش.
مؤيدي القذافي ونحو هذا الصدد قال أنيس رحماني الخبير الأمني ورئيس تحرير صحيفة النهار الجزائرية أن ليبيا قلقة من مؤيدي القذافي في الخارج وخاصة منذ تدهور الوضع في مالي. وأضاف أن التنسيق بين الجزائر وليبيا جيد.
ورحبت النيجر التي فر إليها الساعدي ابن القذافي في العام الماضي بالقرار بشرط ان تتمكن السلطات من تنفيذه على نحو جيد.
وقال وزير خارجية النيجر محمد بازوم لرويترز :"ما نريده هو ان تكون لدى السلطات الليبية القدرة على ضمان تنفيذ هذا الإجراء بفاعلية وان نستفيد من الآثار المتوقعة."
وأضاف "منذ فبراير 2011 أصبحت الحدود سهلة الاختراق ومواتية للتهريب والجرائم التي لها أثار سيئة للغاية على منطقتنا وعلى أمن منطقة الساحل-الصحراء."
وفي الخرطوم قال المتحدث باسم وزارة الخارجية السفير العبيد مروح "الخطوة الليبية لم تكن مفاجئة لنا وكان هناك تنسيق مشترك كامل وبرز ذلك بصورة واضحة خلال زيارة رئيس الوزراء الليبي للسودان." وأضاف "والسودان تضرر من تسرب أسلحة بقايا نظام القذافى عبر الحدود إلى الحركات المتمردة في السودان."
وقال عضو المؤتمر الليبي حسن الأمين أن مثل هذا المرسوم كان يجب أن يصدر قبل ذلك وانه يأمل أن يؤدي إلى تأمين الجنوب. مواد متعلقة: 1. ليبيا تغلق حدودها الجنوبية مع كل جيرانها 2. ليبيا: غلق الحدود لا يعني تغير سياساتنا مع دول الجوار