العديد يعرف ونستون تشرشل كرئيس وزارء بريطانيا ، و لكن لا يعرف الكثير عن الوجه الآخر لتشرشل الأديب ،ولد (تشرشل) عام 1874، شارك في عدة معارك في كل من الهند والسودان ومصر وعمل مراسلا حربيا لصحيفة (مورننج بوست) إثناء حرب البوير في جنوب إفريقيا وأسر هناك وتمكن من الفرار من الأسر ، تنقل فى عدة وزارات حتى وصل لمنصب رئيس وزراء بريطانيا عام 1940 ثم فى 1950 . اتجاه تشرشل لممارسة الكتابة، كانت هواية قديمة منذ صدور كتابه الأول بدأها في شبابه عام 1898، كما أصدر رواية سماها "سافارولا" عام 1900، وكان من كتاب المقالات في صحف بريطانيا. وقد عكف علي تأليف كتاب "الحرب العالمية الثانية" و هو عبارة عن 6 مجلدات ونشره عام 1953، ونال عليه جائزة نوبل للأدب في ذات العام ، فكان يعد من كتاب أدب " المعركة " . و تحدث الكاتب البريطاني بيتر كلارك فى كتابه "مهنة السيد تشرشل.. رجل دولة وخطيب وكاتب" كيف أن ثعلب السياسة البريطانية وأحد صناع التاريخ الكبار كان كاتبا كبيرا وقد آمن بأن "الكلمة هي الشيء الوحيد الذي يبقى للأبد". ، كما يصفه دافيد رينولدوز بأنه "صائغ في مملكة الكلمة". فرأى تشرشل خلوده من خلال الكلمة أكثر مما رآه من خلال دوره السياسى فى قيادة بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية ، كما تميز بمهاراته فى الخطابة فخطبه أثناء الأيام العصيبة التي مرت بها بريطانيا أثناء الحرب العالمية الثانية والغارات الجوية الألمانية الكاسحة على لندن تبرهن على أن تشرشل جمع ما بين السياسي الداهية والأديب الموهوب ، بينها خطبته الشهيرة التي يخاطب فيها البريطانيين بقوله "ليس لدي ما أعطيه لكم غير العرق والدم والدموع والنصر.. النصر بأي ثمن.." وكانت كلمات تشرشل تلهم البريطانيين وتحثهم على الصمود. وكانت فترة الثلاثينيات من أكثر الفترات التي عكف فيها تشرشل على الكتابة ، و بعض كتبه حققت مبيعات كبيرة ساعدته في التغلب على مشاكله المالية وتغطية نفقاته الكبيرة. و لكن اندلاع الحرب العالمية الثانية أرغمت تشرشل على التوقف إلى حد كبير عن تأليف الكتب ، حتى أصبح توقفه الاضطراري عن الكتابة سببا هاما يضاف لأسباب كراهيته لهتلر. فكان تشرشل منشغلا بالكتابة وسط همومه و مشاغله المتعددة حتى أنه مضى ما يقرب من 25 عاما لينتهي من كتاب له بعنوان "تاريخ الشعوب الناطقة بالإنجليزية". و رأى بيتر كلارك إن مهنة تشرشل كانت الكتابة أما وظيفته فكانت السياسة، بينما شكل اهتمامه غير العادي باللغة الإنجليزية ودورها بالعالم جانبا هاما من تفكيره وتوجهاته على صعيد السياسة الخارجية.
و هذة مقتطفات من مقاله طبيعة الحرب العصرية The Nature of Modern War أتاحت رؤوس الأموال وحركة التجارة الواسعة الفرصة لتحويل طاقات وقدرات شعوب بأكملها في - فترة معينة – لمهمة واحدة ألا وهي الحرب. وفي الوقت نفسه قامت المعاهد الديمقراطية و المؤسسات التربوية بتوجيه طاقات الأفراد نحو الهدف نفسه، و لم تكتف بخلق مادة الصراع في وجدان الفرد، بل إنها صيرت منه خادما مؤهلا له، أما الصحافة فقد أخذت على عاتقها مهمة توحيد وجهات نظر الجماهير واستمالتها حول الصراع.. وأخيرا نجد أن العلم يبسط كنوزه ويكشف عن أسراره لمطالب الإنسان المفرطة ويضع تحت تصرفه من المخترعات ما هو كفيل بالقضاء عليه. وكانت النتيجة بدلا من تنمية المدن وتطويرها، أصبح الجوع يهددها بالفناء . وتوقفت الحرب فجأة كما بدأت فجأة، ورفع العالم رأسه يعاين مسرح الدمار وبدأ المنتصرون والمهزومون يلتقطون أنفاسهم . فهل تعود الحرب ثانية إلى العالم؟ وسط كل هذه الظروف دخلنا فترة الإعياء التي وصفت بالسلام و رسخ في الأذهان بأن الأمم التي يهدد الخطر بقاءها فإنها لن تعدم استخدام أي وسيلة للدفاع عن نفسها وليس هناك ما يطمئن بأنه لن تكون من ضمن تلك الوسائل في المستقبل نظم وعمليات للإبادة الجماعية غير المحدودة التي قد تبدأ ويصعب بعد ذلك السيطرة عليها. بدون التمتع بوعي وتوجهات أكثر حكمة وعقلانية، فإن الإنسانية سوف تجد - لأول مرة - أن في يديها من الآلات ما هو كفيل بالقضاء عليها وفنائها بالكلية. بينما يظل الموت على أهبة الاستعداد فهو متوقع في أية لحظة لتقديم خدماته فهو مساعد مخلص لإبادة البشر جماعات تلو جماعات حين يطلب منه ذلك، مستعد ليسحق أيضا كل ما أنتجته الحضارة دون أي أمل في الإصلاح. إنه ينتظر فقط كلمة الأمر . إنه ينتظرها من ذلك الإنسان الهش المذهول والذي كان لفترة طويلة أحد ضحاياه غير أنه الآن وللمرة الأولى فقط سيده.
و فى كتابه " حرب النهر" شجاعة السود.. لا تقل اشتعالا عن رصاص بنادقهم ، رواية تشرشل عن احتلال بريطانيا للسودان يتناول كتاب "حرب النهر" الذى صدرت ترجمته عن دار الشروق بالقاهرة بعنوان "تاريخ الثورة المهدية والاحتلال البريطانى للسودان" السياق التاريخى للبلاد حين كانت خاضعة للسيادة المصرية ومجيء القائد البريطانى تشارلز جوردون ليكون حاكما للسودان 1875- 1879. ولا يقتصر تشرشل فى الكتاب على وصف المعارك العسكرية بل يمتد تحليله لما هو أبعد. اذ يرى مثلا: "ان هناك علاقة خاصة بين مصر والسودان عن طريق النيل كالغواص الذى يرتبط بالسطح بأنبوبة الاكسجين. دونها ليس هناك سوى الاختناق.. لا حياة دون النيل". مشيرا الى أنه "فى سرد قصة حرب النهر فإن النيل له اليد الطولى وأنه سبب الحرب ومن خلاله نحارب وهو النهاية التى نرغبها".
مواد متعلقة: 1. كتاب يؤكد تعاطف ونستون تشرشل مع القضية الصهيونية 2. قصة حب تشرشل لأمريكا يرويها كتاب جديد 3. تشرشل يظهر بكتاب كآخر الأسود الأبطال