اهتمت مختلف وسائل الإعلام الغربية بتقديم تغطية وتحليلات للأحداث التي شهدتها محافظة الجيزة أمس الجمعة عندما هاجمت أعداد كبيرة من المتظاهرين المصريين مقر السفارة الإسرائيلية، ما أسفر عن مقتل 3 متظاهرين، وإصابة أكثر من 1049 آخرين. وفى هذا الإطار, قالت شبكة "CNN" الإخبارية أن الاشتباكات هدأت بشكل واسع اليوم السبت بعد يوم واحد من الهجوم على سفارة إسرائيل في مصر, حيث ظهرت شوارع القاهرة وكأنها منطقة حرب بسبب العنف الذي اندلع ما بين المتظاهرين من جانب، وبين قوات الشرطة والأمن من جانب آخر, حيث كانت رصاصات الأمن تنهال كالمطر وزجاجات المولوتوف مما أدى إلى اشتعال الموقف ليلة أمس.
وأسفرت هذه الاشتباكات عن مقتل ثلاثة أشخاص وإصابة 1049 شخصاً, كما قالت صحيفة "الأهرام", كما أن الاشتباكات وصلت إلى مبني مديرية أمن الجيزة المجاورة لسفارة إسرائيل حيث قام المتظاهرون بإحراق عدد من سيارات الشرطة هناك.
ونقلت الشبكة الأمريكية أن مسئولا إسرائيليا رفيع المستوى صرح بأنه بالرغم من أن إسرائيل ممتنة إلى حد كبير للجهود المصرية لحل الموقف, ولكن ما حدث لا يمكن أن يُنسي بسهولة؛ لأن ما حدث يعتبر انتهاكاً جدياً للسلوك الدبلوماسي, مشيرا إلى أن التدخل الأمريكي واتصالاته مع السلطات المصرية كان حاسماً.
وفي الوقت الذي التقى فيه اليوم أعضاء الحكومة المصرية في جلسة طارئة لمناقشة الهجوم على السفارة, غادر فيه السفير الإسرائيلي إلى تل أبيب صباح اليوم السبت مصطحباً عائلته وعددًا من العاملين بالسفارة وحراسه الشخصيين.
وبالرغم من أن جميع أفراد طاقم السفارة الإسرائيلية قد غادروا القاهرة أو في طريقهم للمغادرة، إلا أن تل أبيب أبقت على نائب سفيرها في مكان آمن داخل القاهرة حتى يحافظ على الوجود الدبلوماسي داخل جمهورية مصر العربية.
وكان وزير الدفاع الأمريكي ليون بانيتا، قد تحدث إلى رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة المشير حسين طنطاوي في وقت متأخر من مساء أمس الجمعة يطالبه باتخاذ تدابير إضافية لحماية السفارة الإسرائيلية, بينما قال مسئول بوزارة الدفاع الأمريكية إن طنطاوي وعد باتخاذ خطوات حاسمة من أجل حماية المبنى الدبلوماسي.
وذكر مسئول عسكري مصري أن السلطات المصرية طلبت أمس من رجال الحراسة الإسرائيليين تجنب أية مواجهات مع المتظاهرين؛ وذلك خلال تكسير المتظاهرين للسور الذي قامت ببنائه قوات الأمن المصري.
ومن جهة أخري يقول مسئول إسرائيلي إنه كان هناك اهتماماً بالغاً بحياة ستة حراس أمن احتجزوا داخل السفارة في أثناء أعمال العنف, ولكن تم إخراجهم من خلال عملية عسكرية قامت بها وحدات كوماندوز مصرية، ووصل الأفراد الستة إلى إسرائيل صباح السبت.
ويقول المحلل السياسي رامي خوري، مدير معهد فارس للسياسات والعلاقات الدولية بالجامعة الأمريكية ببيروت في حديثه مع "CNN": "أنه أمر جدي للغاية ما يشعر به الناس في العالم العربي, وهو مظهر عملي للرأي العام العربي الذي سيركل إسرائيل بمجرد أن تطبق الديمقراطية, وعندما يدخل الرأي العام العربي في السياسة نجد أن إسرائيل تبقى مضغوطة في كثير من الأحيان مما يشعر الولاياتالمتحدة والغرب بقلق دائم".
وبعيداً عن الآراء الدبلوماسية والأحاديث الرسمية, فإن أعضاء مواقع التواصل الاجتماعي كان لهم آراء أخرى حيث قال أحد أعضاء موقع "تويتر" على حسابه الخاص: "بعض الناس قد يرون أن المجلس الأعلى للقوات المسلحة لا يمكنه السيطرة على البلاد، وبالتالي فهو يحاول نشر حالة من الفوضى وعدم التركيز والخوف والإحساس بعدم الأمان, والعنف والشغب دائماً، ما يدفع الشعوب لدعم أي سلطة يمكنها تحقيق الاستقرار سواء كان الجيش أو حتى جماعة "الإخوان المسلمين".
وبالرغم من أن الأغلبية من الشعب المصري توافق على اقتحام السفارة الإسرائيلية وطرد السفير إلا أن هناك بعضاً منهم يرون أن الأمور قد ذهبت بعيداً عن هدفها المنشود، وهو ما سيخلق حالة من الانقسام في صفوف الشعب المصري, ومن الواضح أن هذه هي إستراتيجية المجلس العسكري في مصر لمدة سبعة أشهر ماضية".
ويوافق آخرون على هذا الرأي، حيث يرون أن المجلس العسكري سيطلب أن يبقى في السلطة وقتاً إضافياً من أجل تطهير مصر من المخربين وعدم الوقوع في حرب لا حاجة لها مع إسرائيل.
ولكن في الوقت نفسه، هناك من يعارض هذه الرؤية, حيث يري الكثيرون أن ما حدث يقف وراءه أيدٍ خارجية أو قوى سياسية داخلية تريد فرض حالة من العنف وعدم الاستقرار داخل البلاد, حيث استغلت هذه القوى الاشتباكات بين مشجعي الكرة وقوات الأمن للنزول إلى الشارع وهدم السور حول السفارة الإسرائيلية ومحاولة اقتحامها والهجوم على مديرية أمن الجيزة من أجل توريط الجيش.
وفى نفس السياق, هاجم الكثير من المحللين السياسيين ما حدث في السفارة أمس حيث يجدون في الحادث مخالفة للقوانين المحلية والدولية، بل إنه يدل على الافتقار التام للفكر الاستراتيجي وللأولويات، متوقعين أن تتحول العلاقة الآن بين مصر وإسرائيل إلى علاقة جيش أمام جيش، لأن السياسة قد فسدت عقب أحداث السفارة.
ومن جانب المتظاهرين أنفسهم الذين كانوا موجودين أمس في ميدان التحرير فيما أسموه "جمعة تصحيح المسار" قالوا: إن من ذهبوا إلى سفارة إسرائيل لم يكن لهم أي وجود في ميدان التحرير حيث إن من كان بالتحرير ظل هناك حتى انتهاء اليوم إلا مجموعات قليلة جداً ولكن الأغلبية العظمى من الموجودين هناك تجاهلوا النداءات التي قالت "إلى السفارة".
وحول القضية نفسها قال الكاتب جوزيف مايتون في موقع "بيكيا مصر"من السهل على الصحافة الدولية أن تدين الهجوم على السفارة الإسرائيلية، وأن يقول محللو السياسة الغربيون إن المصريين قد أخطئوا ولكنهم في الحقيقة لا يعلمون حقيقة أن القضية العربية الإسرائيلية أهم من كل شيء في العالم العربي.
ويضيف أنها أهم من الاستقرار والديمقراطية في البلاد العربية, ففي مصر على سبيل المثال كان المصريون متفائلين ويريدون التحرك للأمام بعد أن أسقطوا الرئيس السابق حسنى مبارك ويرغبون في تطبيق الديمقراطية في البلاد؛ لكنهم ما لبثوا أن شعروا بالغضب بسبب الممارسات الإسرائيلية التي قتلت خمسة جنود مصريين على الحدود، مما جعلهم يهاجمون سفارة إسرائيل بالقاهرة ويحاولون اقتحامها.
وأرجع الكاتب ما حدث إلى سببين، أحدهما أن الشعب المصري لم يعد خائفاً من مواجهة الشرطة أو الجيش في الشوارع بعد أن كسر حاجز الخوف من مواجهة قوات الأمن المركزي وجهاً لوجه.
والسبب الثاني هو أن المسألة الإسرائيلية تعتبر مسألة حساسة بالنسبة للشعوب العربية عامة والشعب المصري خاصة، ومن الملاحظ أن وسائل الإعلام الغربية تتعمد تسميتها المسألة الفلسطينية بالرغم من أن الفلسطينيين لا دخل لهم بما يحدث.
ويقول أحد المتظاهرين المصريين أن "الديمقراطية والعدالة الاجتماعية وحدهما ستقود العرب نحو القدس؛ لأنها ليست مشكلة فلسطينية أو مصرية؛ لكنه موقف سياسي في المنطقة كلها، وهى بالأساس مشكلة إسرائيلية, مع أنه يمكن حلها في حالة قرر أوباما والمجتمع الدولي إعطاء الحماية للفلسطينيين والمصريين واللبنانيين والسوريين مثلما يفعلون مع الإسرائيليين".