تنطلق يوم 5 سبتمبر الجلسة الثالثة من جلسات محاكمة الرئيس السابق وسط جدل كبير بين أنصار مبارك -وهم قلة- وبين معارضيه، فخلال الجلستين الماضيتين حدثت اشتباكات بين الجبهتين. وأعجب أشد العجب لوجود متعاطفين ولو كانوا قلة مع هذا النظام الذى ارتكب جرائم لا تحصى خلال الثلاثين عاما الماضية.
وحاولت أن أبحث فى القضية فوجدت أنها لا تخرج عن أمرين: الأول أننا - نحن المصريين- شعب عاطفى طيب القلب، سريع النسيان، رقيق المشاعر، عندما رأى الرئيس السابق ونجليه خلف القضبان تأثر بشدة وقال: ارحموا عزيز قوم ذل.. وكفى بالرجل ما حل به!
الأمر الثانى أن بعضنا غير ملم بحجم الجرائم التى ارتكبها النظام السابق فى حق هذا الوطن وفى حق الأمة وفى حق دينها؛ لذا سنحاول أن نلقى الضوء على بعضها، التى تكفى الواحدة منها لحكم الإعدام.
يؤكد فقهاء القانون أن النظام السابق ارتكب 8 جرائم جنائية تشمل إهدار المال العام، وتسهيل الاستيلاء عليه، وتزوير الانتخابات، وإطلاق النار علي المتظاهرين، وتزوير إقرارات الذمة المالية التي قدمها طوال توليه رئاسة مصر.
والإضرار بالاقتصاد الوطني، والحنث باليمين، فضلاً عن قتله لآلاف المعتقلين السياسيين، وذكروا أن خمسا من هذه الجرائم عقوبتها السجن المشدد لمدة تصل إلى 90 عاماً، والجرائم الثلاث الأخرى عقوبة كل منها الإعدام. لقد أهمل هذا النظام الكليات الخمس التى ينبغى عليه حمايتها، فحارب الدين وكل من ينتسب إليه، وقتل العقل والنفس، واستولى على أموال الشعب ومقدرات الأمة بغير حق.
وانتهك أعراض الرجال قبل النساء، وأقسام الشرطة خير شاهد على ذلك.. إن هذا النظام مسئول عن مقتل ألف شهيد فى عرض البحر فى "عبارة الموت".
لقد أفسد هذا النظام الحياة السياسية من خلال تزوير الاستفتاءات والانتخابات البرلمانية، و هو التزوير الذى أكدته أحكام القضاء، والتزوير جريمة لا تسقط بالتقادم..
وشل حركة الأحزاب السياسية واخترقها وجمد بعضها، وزاوج المال والسلطة، وكرس الحياة السياسية لخدمة مصالح رجال الأعمال.
إن عهد مبارك شهد حربا على الإسلام، بعمليات تشويه المناهج التعليمية، وبأكبر حملة لتأميم المساجد، وشن حملة على بعض الدعاة واضطهدهم، وعذبهم، وسجنهم، ومنعهم من وسائل الإعلام والمنابر..
وحارب مظاهر التدين واضطهد المتدينيين، وشجع العرى فى وسائل الإعلام وغيرها، إن فى مصر الآن 70 ألف معتقل سياسى معظمهم من الإسلاميين، وقد أقيمت لهم 26 محاكمة عسكرية.
وهذا عدد لم يحدث فى تاريخ مصر كله، وكان عدد المتهمين فيها 1117 متهمًا من خيرة رجال الأمة، أعدم منهم 85 ظلمًا وعدوانًا وسجن منهم 526 افتراءً وبهتانًا. التفريط وإضاعة السيادة الوطنية، بأن جعل سياسة مصر الخارجية تابعة للاستراتيجية الأمريكية، وجعل سياسة مصر الاقتصادية تابعة لتوجيهات صندوق النقد الدولى، والبنك الدولى التابعين لأمريكا.
وباع القطاع العام للأجانب بأبخس الأثمان، وهى سياسات أدت الى إفقار الشعب المصرى، واعتمد فى تسليح قواتنا المسلحة على أمريكا عدونا الاستراتيجى التى ضمنت تفوق الكيان الصهيونى على أمتنا مجتمعة. والى الأعداء وعادى الأمة الإسلامية، وجعل التطبيع مع العدو الصهيونى من ثوابت السياسة المصرية على حساب الأمة العربية والإسلامية، ووصل الأمر إلى حد عقد اتفاقية الكويز التى وضعت صناعة النسيج فى قبضة اليهود.
وعقد صفقة لبيع الغاز الطبيعى مع الكيان الصهيونى لمدة 20 عاما بسعر أقل من التكلفة وأضاع ملايين الدولارات يوميا لصالح الصهاينة، وأسهم فى حصار أكثر من مليون ونصف المليون مسلم فى فلسطين إلى حد وصف أحد قادة الكيان لمبارك بأنه "كنز استراتيجي لإسرائيل"!!
و تآمر على الأمة وتعاون مع أعدائها لاحتلال دولتى أفغانستان والعراق؛ فتعاون مع قوات الغزو الأمريكى استخباراتيا، وفتح الأجواء والقواعد فى مصر لنقل القوات الأمريكية إلى أفغانستان.
وقدم جميع التسهيلات العسكرية واللوجستية لحشد القوات الأمريكية لضرب العراق واحتلاله، وتقديم معلومات استخباراتية كاذبة للولايات المتحدة عن امتلاك العراق لأسلحة جرثومية، ويقال إن ابنه جمال هو الذى قام بتوصيل هذه المعلومات قبل غزو العراق للبيت الأبيض مباشرة.
يتحمل النظام المخلوع بصورة مباشرة المسئولية عن الجرائم التى ارتكبها وزير الزراعة الأسبق يوسف والى فى حق الشعب المصرى على مدى ربع قرن.
وأدت إلى إصابة 19 مليون مصرى بأمراض قاتلة وخطيرة على رأسها السرطان والفشل الكلوى والكبد الوبائى، من خلال المبيدات المسرطنة والهرمونات المهندسة وراثيا معظمها مستورد من الكيان الصهيونى. يتحمل مبارك المسئولية عن السياسات التى أدت إلى إفقار الشعب المصرى حيث يعيش 48٪ من السكان تحت خط الفقر ، ويعانى 29٪ من البطالة، ويعانى 12 مليون شاب وفتاة من العنوسة.
وفي الوقت الذي نجح فيه في إفقار الشعب، حققت أسرته ثروة بالمليارات وأنشأ ابنه جمال شركات تحسب أصولها بمئات الملايين من الدولارات، وبدأ نشاطه الاقتصادى بالمتاجرة فى ديون مصر وهى جريمة فساد دامغة.
وتقدر الأموال التى نزحت من البلاد فى أقل تقدير ب 200 مليار دولار، بينما يتربع على قمة السلطة مجموعات مغرقة فى الفساد فى مختلف المجالات وتتمتع بالحصانة والحماية من رأس الدولة.
ضياع كرامة المواطن المصرى وانتهاك حقوق الإنسان على أوسع نطاق لم يشهد التاريخ المعاصر لمصر مثيلا له؛ فدخل المعتقلات فى عهده ربع مليون مواطن.
وأصبح التعذيب وانتهاك الأعراض ممارسة روتينية فى الأقسام والسجون فى ظل حالة طوارئ مستديمة طوال فترة حكمه، وسيادة الدولة البوليسية دون أى حماية أو ضمانات أو عقوبات رادعة.
لدرجة أصبحت فيها عمليات الاختطاف والاختفاء والقتل خارج نطاق القانون ممارسة شائعة لأجهزة الأمن..
ورغم ادعائه بأنه يطبق الطوارئ على الإرهاب و المخدرات، إلا أن سوق المخدرات وزراعتها وصناعتها ازدهرت فى عهده أكثر من أى عهد آخر، وبلغ حجم سوق تجارة المخدرات 6 مليارات دولار سنويا، مع انخفاض أسعارها نظرا لتوفرها الشديد.
آخر هذه الكوارث قتله لأكثر من 840 شهيدا وسبعة آلاف مصاب بعاهات مستديمة منهم أكثر من 1500 فقدوا إحدى عينيهم.
فمن يرد أن يعفو عن النظام السابق بهذه الجريمة تحديدا فليكن هو أبا لشهيد ويعفو عنه، وهل إذا قتل أحد المواطنين أحد ابنى مبارك.. هل كان سيعفو عنه؟!
إن حق العفو فى هذه القضية لآباء الشهداء، والمصابين الذين يكتوون بنار أبنائهم، والذين يعانون فى حياتهم من عاهة مستديمة أو فقد نور الحياة.