حسمت القوى المدنية في مصر خيارها، بعدما قررت المضي حتى النهاية في تصدّيها للإعلان الدستوري الذي خيّم على المشهد السياسي في البلاد منذ يوم الخميس الماضي. وفيما جدد الرئيس محمد مرسي يوم أمس، تمسكه بسلسلة القرارات الأخيرة التي اتخذها يوم الخميس الماضي، والتي تسببت في ارتفاع مستوى الاستقطاب المدني – الإسلامي، منذرة بانقسام حاد امتد إلى مؤسسات الدولة، وخصوصاً المؤسسة القضائية، تستعد جبهة القوى المعارضة اليوم لاختبار قوتها في الشارع، من خلال الدعوة إلى تظاهرات "مليونية" في ميدان التحرير وشوارع مصر كافة تحت شعار: "للثورة شعب يحميها"، للمطالبة بإسقاط الإعلان الدستوري الذي منح مرسي نفسه من خلاله صلاحيات سياسية مطلقة.
ورفعت القوات المسلحة حالة الاستعداد القصوى تحسبا لأي تطورات من الممكن أن تقع ، وقالت مصادر بوزارة اداخلية انه في حالة وقوع اشتباكات أو ضعف لقدرة الوزارة على تأمين المنشآت الحيوية وخاصة مبنى الوزارة أو مبنى ماسبيرو فسوف تقوم القوات المسلحة بالتدخل لحماية هذه المنشآت لأنها تعبر عن سيادة الدولة.
سيناريوهات للخروج
وكانت مصادر رسمية بقصر الرئاسة قد أكدت أن الرئيس محمد مرسي لا ينوي التراجع عن الإعلان الدستوري، الذي أدى إلى حالة من الاحتقان بين القوى السياسية، لكنها أكدت أنه ناقش مع هيئة مستشاريه ومساعديه خلال اليومين الماضيين، ثلاثة مقترحات لإنهاء الأزمة.
وقالت المصادر: "إن المقترح الأول هو إصدار إعلان دستوري مكمل من مادة واحدة فقط، تنص على إسقاط الإعلان الدستوري بكل مواده تلقائيا، بحلول 13 فبراير، وهو اليوم التالي لانتهاء عمل الجمعية التأسيسية بهدف إثبات حسن النوايا وعدم وجود رغبة في استغلال السلطات المذكورة في الإعلان بعد انتهاء عمل التأسيسية".
وأوضحت المصادر أن أنصار هذا المقترح يرفضون حذف أية مادة من الإعلان، خاصة المادة الثانية المتعلقة بتحصين قرارات الرئيس، لارتباطها بالمادة الخامسة الخاصة بحظر حل مجلس الشورى أو الجمعية التأسيسية بأحكام قضائية.
أما المقترح الثاني فهو "أن يصدر الرئيس وثيقة التزام سياسي من 4 تعهدات، يلقيها في بيان رسمي للأمة، وتتضمن عدم استمرار تحصين مراسيمه وقراراته بعد انتهاء عمل الجمعية التأسيسية، وعدم مد عمل التأسيسية بعد 12 فبراير المقبل، وتشكيل جمعية تأسيسية جديدة بمشاورة القوى الوطنية إذا فشلت الجمعية الحالية في عملها، وعدم اتخاذ أية إجراءات استثنائية، مثل إعلان حالة الطوارئ".
والمقترح الثالث يتعلق ب"حذف المادة السادسة من الإعلان والتي تنص على أنه: "لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد ثورة 25 يناير أو حياة الأمة أو الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها أن يتخذ إجراءات وتدابير الواجبة لمواجهة هذا الخطر بالنحو الذي ينظمه القانون"، والتي فسرها العديد من فقهاء القانون بأنها تعني ضمنيًا إعلان حالة الطوارئ وتخول للرئيس اتخاذ إجراءات استثنائية".
الإعلان قائم
واختزل المتحدث باسم الرئاسة المصرية ياسر علي مساء أمس الموقف بعبارة: "لا تراجع عن الإعلان الدستوري"، فيما اختزل وكيل مؤسسي "حزب الدستور" محمد البرادعي موقف المعارضة المدنية بعبارة: "لا لأي حل وسط".
وقال المتحدث باسم الرئاسة المصرية انه لن تكون هناك تعديلات على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمد مرسي، وذلك في ختام اجتماع ضم الرئيس المصري مع وفد مجلس القضاء الأعلى.
وبعدما تلا المتحدث الرئاسي المصري بياناً بشأن الاجتماع مع القضاة، قال ردا على سؤال للصحفيين ان "لا تعديلات على الإعلان الدستوري".
تراجع الإخوان
وفيما بلغ الاستقطاب ذروته، بعد تشييع شهيدين سقطا خلال المواجهات الأخيرة، أحدهما من التيار المدني والآخر من التيار الإسلامي، كان لافتاً يوم أمس، قرار "الإخوان" بإلغاء تظاهرة التأييد لمرسي، التي كان قد دعا إليها، رداً على "مليونية" القوى المدنية ، حيث أعلنت جماعة الإخوان المسلمين وحزبها الحرية والعدالة تأجيل المليونية المقرر تنظيمها اليوم الثلاثاء أمام جامعة القاهرة.
وقال حلمي الجزار القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين :"إن الإخوان أرجئوا تنظيم مظاهرات اليوم لعدم تقسيم البلاد".
وسادت حالة من الارتياح والبهجة أوساط المعتصمين في ميدان التحرير من المعارضين لقرارات الرئيس لدى تواتر أنباء تأجيل مليونية المؤيدين للقرارات أمام جامعة القاهرة، وقام بعض المعتصمين بإطلاق ألعاب نارية في الهواء ابتهاجا بأنباء التأجيل.
حصانة مؤقتة
وجاء في البيان الرئاسي ان "المقصود بما ورد في المادة الثانية من الإعلان الدستوري من تحصين ما يصدر عن رئيس الجمهورية من إعلانات دستورية وقوانين وقرارات وما قد يصدر عنه منها، مقصور على تلك التي تتصل بأعمال السيادة".
وأكد البيان أن هذه الحصانة "مؤقتة بنفاذ الدستور وانتخابات مجلس الشعب حفاظا على مؤسسات الدولة الرئيسية".
وكانت الرئاسة المصرية أصدرت، مساء أول أمس الاحد، بياناً باللغة الانجليزية، أكدت فيه على "الطبيعة المؤقتة" لقرارات مرسي، مشددة على أن هذه القرارات "لا تعني الاستحواذ على السلطة أو تركيزها في يد الرئيس، بل على العكس من ذلك فإنها تهدف إلى نقلها إلى برلمان منتخب ديمقراطياً وتجنب أية محاولة لتقويض أو إجهاض عمل مجلسين منتخبين بطريقة ديمقراطية الشعب والشورى".
ثلاثة مطالب
في هذا الوقت، أكد بيان أصدره عدد كبير من الأحزاب والحركات المدنية أبرزها "حزب الدستور" و"التيار الشعبي" ، أن مطالب المعارضة الثلاثة هي: "إسقاط الإعلان غير الدستوري والديكتاتوري الذي أصدره الرئيس مرسي"، و"إسقاط اللجنة التأسيسية لوضع الدستور"، و"إقالة وزير الداخلية وإعادة هيكلة الداخلية".
واتهم البيان الرئيس مرسي و"الإخوان" ب" التعنت وتجاهل مطالب القوي السياسية والوطنية واستمرار استخدام العنف والقوة المفرطة من قبل وزارة الداخلية ضد المعتصمين السلميين في ميدان التحرير وإلقاء القبض عليهم".
بدوره، قال مؤسس "التيار الشعبي" حمدين صباحي إن الاحتجاجات في ميدان التحرير ستستمر لحين إسقاط الإعلان الدستوري. وقال صباحي: "قرارنا إننا باقون في الميدان ولن نبرحه قبل إسقاط هذا الإعلان غير الدستوري"، مشدداً على أن "مصر لن تقبل ديكتاتوراً جديداً لأنها أسقطت الديكتاتور القديم من قبل".
انتقاد دولي
ولم تقتصر المعارضة للاعلان الدستوري على المستوى الداخلي فقط ، فقد انتقد السيناتور جون ماكين عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الجمهوري الإعلان الدستوري الجديد بمصر وما وصفه ب "سيطرة الرئيس على مقاليد السلطة بمصر".
وطالب ماكين، العضو البارز في لجنة القوات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ، في سياق مقابلة أجراها مع برنامج "فوكس نيوز ساندي"، وبثته أيضا شبكة "فوكس نيوز" الإخبارية الأمريكية، الإدارة الأمريكية باتخاذ موقف إزاء هذه التطورات بمصر.
على صعيد متصل، قال السيناتور كارل ليفين رئيس لجنة الخدمات المسلحة التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي في مقابلة مع برنامج "واجه الصحافة" الذي يذاع عبر شبكة "إن بي سي" الإخبارية الأمريكية إنه يتعين على الولاياتالمتحدة أن تكون حذرة، وأنه يتعين على الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يعبر عن قلقه إزاء هذه التطورات بمصر.
وكانت الخارجية الأمريكية قد أصدرت بيانا- الجمعة- تعليقًا على الإعلان الدستوري الأخير الذي أصدره مرسي، فقالت: "إن الوسيلة الوحيدة لحل مشكلة الفراغ الدستوري الراهن في مصر تتمثل في تحقيق التوازنات واحترام الحريات الأساسية والحقوق الفردية وإعلاء حكم القانون بشكل يتسق مع التزامات مصر الدولية". مواد متعلقة: 1. «الأسواني»: الإعلان الدستوري ضربة من «الإخوان» لفلول النظام السابق 2. الحرية والعدالة: إعلان مرسي الدستوري جزء من وعوده الانتخابية 3. مسيرة ل «مصر القوية» لرفض الإعلان الدستوري بدمياط