مع حلول الذكرى السنوية الأولى لصدور تقرير لجنة التحقيق المستقلة لتقصي الحقائق بالبحرين، تتجه الأنظار إلى المملكة، وإلى مدى تنفيذ توصيات التقرير، وإلى النتائج التي حصدتها المنامة .
وكانت توصيات هذا التقرير خطوة مهمة لإخراج البحرين من الأزمة السياسية - الدستورية التي كادت أن تعصف بالبلاد، كما كانت فرصة مهمة لانتشال الوضع الحقوقي – الأمني من المأزق الذي كانت البحرين تعاني منه.
ورغم أن التوصيات أخرجت البلاد من احتدام تلك الأزمات، إلا أن التظاهرات والاحتجاجات وأعمال الشغب لم تختف من الشارع البحريني بل مازالت تتواصل وتحصد خسائرها، وهذا ما وضع الحكومة في موقف صعب رغم ما تم استحداثه.
فاتورة الشغب
ورغم مرور عام على صدور تقرير لجنة تقصي الحقائق إلا أن اللافت للانتباه هو استمرار أعمال الشغب وحوادث التخريب في البحرين خلال هذا العام، والتي لم تتوقف، حيث كلفت المملكة فاتورة ضخمة من الضحايا أغلبهم من رجال الأمن، حسبما ذكر وزير العدل والشئون الاسلامية والأوقاف.
وكشف الشيخ خالد بن علي آل خليفة وزير العدل أن عدد عمليات الشغب ارتفع ليصل إلى 10,924 عملا، مؤكدا أن الإصابات بين رجال الأمن أكبر من الإصابات بين مرتكبي هذه الأعمال، إذ قتل خلال تلك الفترة شرطيان وأصيب 456 شرطيا، 56 منهم إصاباتهم مستديمة، يشمل بعضها حروقا بليغة وبعضها قد يؤدي إلى تغيير نمط حياتهم أو إعاقتهم.
وأضاف الوزير أن تلك الأعمال أدت إلى تدمير 126 سيارة شرطة و416 سيارة للمدنيين وكذلك ضبط 8555 سلاحا محلي الصنع، وتم تسجيل مشاركة 505 أطفال دون السن القانونية في أعمال الشغب إضافة إلى 7356 حالة حرق إطارات، كما تم تسجيل 1470 حالة تخريب، أبلغ عنها المواطنون.
التوصيات
ورغم كل تلك الأحداث وأعمال الشغب إلا أن الوزير أكد أن الحكومة جادة في تنفيذ توصيات لجنة تقصي الحقائق، فمنذ أحداث 2011 هناك حرص على الشفافية، وكان أكبر دليل على ذلك هو موافقة الملك على تشكيل اللجنة، وقبول تقريرها وتكوين لجنة لمتابعة تنفيذ توصياتها في المجالات كافة برئاسة رئيس مجلس الشورى.
وشدد الوزير على أنه وبعد عام من متابعة التنفيذ في كل المجالات، فإنه يمكننا القول بأن وجه نظام المحاسبة في مملكة البحرين خلال العام الماضي قد تغير، وأن هذا التغيير تمثل في النواحي التالية: المؤسسات، القوانين، الاجراءات، القدرة، والممارسة.
كما أكد الوزير ان هذه الإصلاحات تهدف إلى ضمان إجراء التحقيقات، وملاحقة الجرائم، والمحاكمة، بشكل يتماشى مع معايير حقوق الإنسان المتعارف عليها دولياً، ومع توصيات تقرير اللجنة البحرينية لتقصي الحقائق.
واوضح ان جميع التقارير الأساسية والتشريعات الصادرة عن الحكومة في العام الماضي متاحة على الانترنت باللغتين العربية والإنجليزية وقال انه تم اتخاذ خطوات مهمة، ولكن أيضا ما زال هناك الكثير مما ينبغي عمله - وذلك من الأولويات.
وأضاف الوزير أنه منذ اصدار التقرير، قلت كمية الشكاوى بخصوص التعذيب بشكل ملحوظ مقارنة بالعام الماضي.
الحوار مستمر
وحول الحوار الوطني بين الحكومة والمعارضة، قال وزير العدل لجريدة "أخبار الخليج": "إن الوزارة قد تواصلت مع الجمعيات السياسية، وهناك نوع من التمترس حول بعض الشعارات، وبعض الجمعيات غير راغبة في الدخول في حوار".
وأضاف: "لقد طلبنا من هذه الجمعيات إدانة العنف بشكل واضح وصريح وعدم توفير غطاء ديني أو سياسي له، والاستعداد للجلوس للحوار مع القوى السياسية الأخرى، ووجدنا أن بعض الجمعيات لا يدين العنف صراحة، والبعض يريد الجلوس مع الحكومة للتفاوض وليس للحوار".
وأكد الوزير أن الحوار القادم يعتمد على مدى مصداقية الجمعيات السياسية، التي تعتمد على التصريحات والبيانات وكأنهم ينتظرون شيئا لن يحدث.
إصلاحات واستحداثات
واكد الوزير أنه في اطار الاصلاحات المؤسسية تم استحداث عدد من الأمور منها:
- استحداث جهة جديدة من اجل التحقيق في جميع الاعمال الاجرامية المذكورة في تقرير لجنة تقصي الحقائق، اضافة الى الادعاءات الموجهة ضد مسئولين في حالات وفاة او تعذيب.
- تم تشكيل "وحدة التحقيق الخاصة" في 2012، ويترأسها مدير عام مستقل عن وزارة الداخلية، ويعمل تحت ادارة النائب العام.
- تم حل المحاكم الخاصة لوزارة الداخلية.
- تشكيل مكتبين لأمناء تظلمات مستقلين لمتابعة الشكاوى ضد مسئولي وزارة الداخلية وجهاز الامن الوطني.
- هناك تحول من استخدام الشهادات والاعترافات كأدلة، والتركيز على تقنيات جمع الادلة الجنائية والعلمية، يتم حاليا بناء مختبرين للتحليلات الجنائية.
- ويتم الان تدريب الشرطة، المدعين العامين والقضاة تدريبا شاملا مدته سنة، حيث يتضمن هذا التدريب تعليمات من اهم الخبراء العالميين في معايير حقوق الانسان العالمية، وافضل الممارسات في التحقيقات والمحاكمات العادلة.
تزايد الانتهاكات
ورغم تصريحات وزير العدل بما تم انجازه خلال هذا العام، إلا أن منظمة العفو الدولية كان لها رأياً مغايراً، حيث أكدت في بيان لها أن البحرين تشهد وقبل أيام من الذكرى الأولى للتقرير، استمرار انتهاكات حقوق الإنسان.
وأشار البيان إلى أن تقرير لجنة تقصي الحقائق، حمّل الحكومة مسئولية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وقدم في سلسلة من التوصيات دعوة السلطات البحرينية لمحاسبة المسئولين عن انتهاكات حقوق الإنسان وإجراء تحقيقات مستقلة في مزاعم التعذيب والانتهاكات الأخرى.
وقالت نائبة الرئيس لشئون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية حسيبة حاج صحراوي: "إن حجم وطبيعة الانتهاكات التي شهدتها البحرين منذ إطلاق تقرير تقصي الحقائق قوضت عملية الإصلاح في البلاد".
وأشارت المنظمة، إلى أنها تواصل في توثيق انتهاكات واسعة النطاق على أيدي قوات الأمن، بما في ذلك استخدام القوة غير الضرورية والمفرطة ضد المتظاهرين، والتي تكون قاتلة في بعض الأحيان.
ودعت المنظمة بصورة متكررة السلطات البحرينية إلى أن تمتنع عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين، وتعتبر المنظمة أن قوات الأمن يجب أن تسترشد دائماً باعتبارات حقوق الإنسان.
إشادة خليجية
ومع الانتقاد اللاذع التي أبدته منظمة العفو الدولية، أشاد الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف بن راشد الزياني بالجهود الحثيثة التي بذلتها مملكة البحرين وبالإجراءات التشريعية والتنفيذية التي اتخذتها لتنفيذ توصيات اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق.
وقال الزيانى: "إن هذه الإجراءات تعبر عن حرص البحرين على الالتزام بتطبيق ما تضمنه التقرير من توصيات وسعيها الدائم لتسوية الأوضاع ومعالجة آثار الأحداث التي مرت بها في العام الماضي".
ونوه الدكتور عبد اللطيف الزياني بما تضمنه التقرير الثاني لمتابعة توصيات لجنة تقصي الحقائق والذي أعلنه الشيخ خالد بن علي آل خليفة وزير العدل البحريني في مؤتمره الصحفي، مشيرا إلى أن التقرير كشف الحقائق بكل شفافية وموضوعية.
وقال الأمين العام لمجلس التعاون إن ما تضمنه التقرير من إجراءات بناءة قامت بها حكومة البحرين لدعم وتطوير السلطة القضائية وإصدار مجموعة كبيرة من التشريعات يؤكد أنها ماضية في سعيها الحثيث لتفعيل الرغبة الملكية السامية لتنفيذ كافة توصيات اللجنة والالتزام بالقوانين والمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
ضبط النفس
ومن جانبه، وبهذه المناسبة أعربت للولايات المتحدة عن تطلعها إلى القادة في البحرين، سواء المسئولين الحكوميين أو الزعماء السياسيين أو قادة المجتمع المدني، للبناء على ما تم اتخاذه من خطوات مبدئية لتنفيذ التوصيات، مشيرة إلى أن البحرين شريك استراتيجي مهم وصديق قديم وأنها ستواصل دعم جهوده.
كما حثت البحرين على مواصلة تطبيق المزيد من توصيات التقرير، مشيرة إلى أنها تواصل حث جميع البحرينيين على الاستمرار في العمل لتحقيق أهدافهم السياسية سلميا، كما تحث حكومة البحرين على ضبط النفس في مواجهة الاحتجاجات السلمية.
وشددت واشنطن على أن حكومة البحرين يمكنها التوصل إلى البحرين التي تطمح إليها أكثر ازدهار واستقرارا وأمنا فقط من خلال استمرار جهود الإصلاح التي بدأتها والتي يتعين الآن أن تطبقها بالكامل.
ولكن في المقابل أشارت الولاياتالمتحدة إلى استمرار التأخير في تنفيذ توصيات التقرير بشكل كامل، وخاصة فيما يتعلق بالمساءلة عن سوء الأداء الرسمي، والقيود المفروضة على حرية التعبير والتجمع، وإجراء إصلاحات ذات معنى بقطاع الأمن، والبيئة السياسية التي أصبحت غير مواتية لتحقيق المصالحة والتوصل لتسويات.
كما أعربت المتحدثة باسم الولاياتالمتحدة عن مخاوف بلادها إزاء العنف المتصاعد في البحرين، مشيرة إلى مصرع أفراد من الشرطة والمحتجين والمارة في الشهر الأخير.
"تقصي الحقائق"
يشار الى أن لجنة تقصي الحقائق تشكلت في 23 نوفمبر 2011، بأمر من ملك البحرين وترأسها البروفسور محمود شريف بسيوني وعضوية أربعة من الخبراء القانونيين والحقوقيين الدوليين، وشكلت اللجنة لها فرق عمل حققت فيما جرى في البحرين خلال شهري فبراير ومارس 2011.
وقد احتوى التقرير على جملة من التوصيات كثفها رئيسها أمام عاهل البحرين في بث مباشر على التلفزة والفضائيات في مثل هذا اليوم من العام الماضي، وقال فيها كثيراً عن انتهاكات حقوق الإنسان، وقد قبلت القيادة السياسية البحرينية التقرير وتوصياته وأعلنت أنها بصدد تنفيذ التوصيات، وكذلك فعلت قوى المعارضة التي عدت التقرير وثيقة تاريخية مهمة وثقت ورصدت بدقة جزءاً لا بأس به عما جرى خلال تلك الفترة.
وأولى توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق نصت على تشكيل لجنة وطنية يتمثل فيها شخصيات مرموقة من الحكومة والمعارضة ومؤسسات المجتمع المدني، وتشكلت اللجنة برئاسة رئيس مجلس الشورى البحريني السيد علي صالح الصالح، وعضوية ثماني عشرة شخصية، ستة عشر عضوا منها محسوبون على الجانب الحكومي مما أثار ردود فعل الجمعيات السياسية المعارضة التي عدت أن التوصية لم تنفذ كما نصت، إذ لم يجر التشاور معها ومخاطبتها. مواد متعلقة: 1. وزيرة الإعلام: "عروبة البحرين في خطر" 2. «وزير الصحة البحريني» يُشيد بدور مصر تجاه المنامة 3. الاتحاد الأوروبي يرحب بتقرير تقصى الحقائق في البحرين