صادف عيد الأضحى هذا العام في تركيا الذكرى ال 89 للجمهورية التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، في 29 أكتوبر 1923. وأقيم اليوم الاثنين حفل استقبال في قصر الرئاسة "تشانكايا" بالعاصمة أنقرة بحضور الرئيس التركي عبد الله جول ، وأستقبل خلاله كبار المسئولين بالدولة.
ووجه الرئيس التركي عبد الله جول رسالة إلى الأمة التركية مساء أمس الأحد بهذه المناسبة أكد فيها ضرورة جعل تركيا بلد حديث وديمقراطي ومنتج يتمتع بالثراء ويحقق التطور في كافة المجالات.
وقد ثار الخلاف بين الأحزاب السياسية بشأن المسيرات في عيد الجمهورية، على ضوء الحظر الذي أصدره مكتب محافظ أنقرة للتظاهرات في شوارع العاصمة.
فيما تبدو الأحزاب السياسية بزعامة حزب الشعب الجمهوري المعارض ومنظمات المجتمع المدني عازمة على تنظيم مسيرة بهذه المناسبة في أنقرة تسير من مبنى البرلمان القديم في منطقة "أولوس" وحتى ضريح أتاتورك في "أنيت كبير" بالرغم من قرار حظر المسيرات من جانب محافظة أنقرة ومعارضة المسئولين الحكوميين للمسيرة.
وأيد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قرار محافظ أنقرة بحظر المسيرات ، قائلا إن من يريد الاحتفال عليه أن ينضم إلى الاحتفالات الرسمية.
كما ثار التوتر في ميدان "تقسيم" باسطنبول عندما رفضت الشرطة السماح بوضع أكاليل الزهور أمام تمثال لاتاتورك.
وقال رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو في رسالته بمناسبة عيد الجمهورية "مع الأسف كل من الحكومة وأولئك الذين لا يستوعبون معنى الجمهورية يسعون لمنع الاحتفالات بعيد الجمهورية، ولكننا واثقون من أن أولئك الذين يهاجمون القيم الجمهورية لن يمكنهم منع حماسة الاحتفالات بتأسيس الجمهورية".
منع الإحتفالات و"الأتاتوركيون" وحكومة حزب "العدالة والتنمية" على موعد مع مواجهة جديدة، على رغم اختلاف ميزان القوى لمصلحة الحكومة، بسبب رفض الأخيرة السماح بإقامة احتفال شعبي بعيد الجمهورية، إذ منع والي أنقرة منح إذن لمسيرة شعبية يُفترض أن تنطلق اليوم من أمام المبنى القديم للبرلمان، في اتجاه ضريح أتاتورك، بحجّة امتلاك الحكومة معلومات استخباراتية تفيد بأن المسيرة ستتحوّل تظاهرة ضدها وتشهد شغباً.
وتساءل زعيم المعارضة "الأتاتوركية" كمال كيليجدارأوغلو: "لماذا تؤمن الحكومة للشعب كلّ التسهيلات للاحتفال بعيد الأضحى، من مواصلات مجانية إلى دفع مبكّر للرواتب وتخصيص أماكن للاحتفال الجماعي، فيما تحرم الأتاتوركيين من الاحتفال بعيدهم وعيد الجمهورية واستذكار أتاتورك وفضله على تركيا؟".
واعتبر أن حكومة رجب طيب أردوغان تعبّر، من خلال "محاربتها أتاتورك، بوصفه رمزاً، عن رفضها المستتر للنظام الجمهوري العلماني الذي أقامه".
وتعهد مساندة المسيرة ومشاركة بعض نوابه فيها، على رغم الحظر، مذكّراً بأن "الدستور التركي لا يشترط نيل إذن، لتنظيم مسيرات شعبية أو تظاهرات. لكن الحكومة حزب العدالة والتنمية ربما نسيت الإصلاحات التي أقرها البرلمان، استجابة لمعايير الاتحاد الأوروبي".
التضحية بأتاتورك واعتبرت أوساط "أتاتوركية" أن الحكومة قررت "التضحية" بأتاتورك وذكرى الجمهورية في عيد الأضحى، وأسِفت لأن عيد الجمهورية سيمرّ في ظلّ توتر وربما مشاحنات واشتباكات، إذ تصرّ وزارة الداخلية على منع المسيرة الشعبية، فيما يصرّ الأتاتوركيون على تنظيمها، ما يُنذر بصدام بين الجانبين.
لكن أردوغان اعتبر أن "الجمهورية هي أبرز ضامن لمستقبل تركيا وشعبها"، مشدداً في رسالة تهنئة إلى مواطنيه، على أن "الجمهورية، وصية المؤسس مصطفى كمال أتاتورك، تشكّل نقطة تحوّل ضخمة في تاريخ الشعب التركي، ونقطة انعطاف في تاريخ تركيا".
أما الرئيس عبدالله غل فأبدى "فخره بإنجازات الجمهورية"، معتبراً أنها كانت "ثمرة الانتصار في حرب الاستقلال، بقيادة أتاتورك، ورسمت ملامح مستقبل تركيا الحديثة".
وفيما يواجه الأتاتوركيون مشاكل للاحتفال بأعيادهم على طريقتهم، يشهد القصر الجمهوري تطوّرات مهمة، في اتجاه إنهاء إقصاء الحجاب والمحجبات، إذ سيستأنف إحياء الاحتفال بعيد الجمهورية، بعد سنوات على تولي البرلمان ذلك، هذه المرة في حضور السيدة الأولى، بعد تجنّبها ذلك لسنوات بسبب حجابها.
كما ستحضر القيادات العسكرية التي كانت تقاطع الاحتفال، اعتراضاً على تولي غُل الرئاسة، بوصفه من مؤسسي حزب "العدالة والتنمية" ذي الجذور الإسلامية.
وبذلك سيشهد الاحتفال للمرة الأولى، مصافحة بين رئيس الأركان الجنرال نجدت أوزيل الذي كان منصبه يُعتبر الوريث الشرعي لمبادئ أتاتورك العلمانية الصارمة، مع السيدة الأولى خير النساء غُل، بحجابها، ليشكّل هذا المشهد تدشيناً رمزياً من أبرز القادة العسكريين، لمصالحة القيادات العلمانية "الأتاتوركية" مع الحجاب، ولو كانت هذه المصالحة على المستوى الرسمي، لا الشعبي.
إذ يتهم منظمو المسيرة "الأتاتوركية" التي ستخرج اليوم، قيادة الجيش بالتخلي عن أتاتورك ومبادئه والدفاع عن جمهوريته التي أنشأها على أطلال إمبراطورية عثمانية وخلافة إسلامية، فيما ترى الحكومة في ذلك المشهد تجلياً طبيعياً لترسيخ الديمقراطية في تركيا.
لكن هذه الأجواء ستكون احتفالية، حين تتّصل بإنهاء إقصاء الحجاب، فيما سيستنشق أنصار أتاتورك خلال مسيرتهم، غازاً مسيّلاً للدموع ويُضربون بهراوات.
مواجهات ساخنة وسط ذلك، تتوقع الأوساط الإعلامية والسياسية أن يتحول هذا الفتور والتوتر إلى مواجهات ساخنة في حال إصرار الحكومة على منع التظاهرة الشعبية اليوم، في وقت أكدت فيه عشرات المنظمات الشعبية والقوى العلمانية أنها ستشارك فيها.
ويأتي التوتر الحالي في ظل توتر شديد يشهده الشارع التركي منذ فترة بين حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم وأحزاب وقوى المعارضة التي تتهم الحكومة بالسعي للقضاء على جميع مؤسسات وأفكار ونتاج وعقيدة الجمهورية العلمانية الأتاتوركية وتحويل تركيا إلى دولة دينية.
وسبق للحكومة أن ألغت الاحتفالات بالعديد من الأعياد الرسمية التي تحتفل بها تركيا منذ قيام الجمهورية، ومنها عيد الطفل والسيادة الوطنية 23 نيسان وعيد الاستقلال والشباب في 19 أيار، كما وضعت الحكومة قيوداً رسمية وغير رسمية على التمجيد بأتاتورك وفلسفته السياسية والاجتماعية، بعدما سيطرت على المؤسسة العسكرية التي تعتبر أهم داعم للجمهورية العلمانية.
وكان حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ تشرين الثاني 2002 قد نجح في السيطرة على جميع مؤسسات الدولة التركية، بدءاً من البرلمان والحكومة والقصر الجمهوري والجامعات والمجلس الأعلى للقضاء والتعليم والإعلام، واستطاع من خلال التعديلات الدستورية والقانونية أن يقضي على المؤسسة العسكرية. مواد متعلقة: 1. استطلاع : انخفاض شعبية حزب "العدالة والتنمية " بتركيا 2. الرئيس التركي: هدفنا جعل تركيا بلدا حديثا وديمقراطيا ومتطورا 3. جدل في تركيا بشأن الاحتفالات بعيد الجمهورية