هل قررت إسرائيل وأمريكا (فعلاً) شن الحرب على إيران بهدف تدمير قوتها العسكرية ومنشآتها النووية والبنى التحتية لاقتصادها؟ .. وهل مشألة شنها هي فقط مسألة وقت؟ .. وهل تستهدفان من شن هذه الحرب وقف محاولات إيران تصنيع سلاح نووي أولاً، والعمل على إسقاط النظام الإسلامي في طهران ثانيا؟. في المقابل، ما المتوقع أن تفعله إيران إذا ما تأكدت أن أمريكا وإسرائيل قررتا شن الحرب عليها وقصف برنامجها النووي؟ .. هل ستنتظر الضربة الأولى حتى تدخل الحرب؟ .. أم ستقوم بشن حرب استباقية على الكيان العبري وعلى القواعد الأمريكية في بلدان الخليج العربي، إذا ما تأكدت أن الحرب عليها واقعة لا محالة؟.
أولاً- مؤشرات على قرب قيام إسرائيل وأمريكا بشن الحرب:
1- التصريحات التي أطلقها ويطلقها الإسرائيليون، والإجراءات العملياتية التي يتخذونها في هذا الشأن من استعدادات وتدريبات عسكرية ومدنية لمواجهة هذه الحرب إذا ما وقعت، تعد من أظهر المؤشرات على أنَّ إسرائيل تستعد لمواجهة عسكرية مع إيران.
2- تصريحات الأمريكان في هذا الشأن، ومواقفهم السياسية المعلنة والخفية من موضوع شن الحرب على إيران، ومواقفهم من التصريحات الإسرائيلية التي أُطلقت وما زالت تُطلق حول هذا الموضوع .. تؤكد جميعها صدق حدس الإيرانيين وغيرهم، بأن قرار الحرب قد أتُّخذ، وأن تصريحات الإسرائيليين والأمريكان التي تبدو في ظاهرها متناقضة هي- في حقيقة الأمر- متسقة، إذا ما نظرنا إليها من منظور التعاون الاستراتيجي القائم بين إسرائيل والولاياتالمتحدة.
أضف إلى ذلك تلك الخطوات والإجراءات الميدانية التي اتخذتها الولاياتالمتحدة على الأرض، وبخاصة إقامة القواعد البرية والجوية على أراضي الدول العربية الخليجية، ونشرها كمّاً كبيراً من سلاحها البحري الذي يتضمن ثلاث حاملات للطائرات، وعدداً كبيراً من المدمرات والسفن الحربية القادرة على إطلاق الصواريخ.
3- العقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضتها وتفرضها أمريكا والدول الأوروبية على إيران، والتي بدأت تؤثر سلباً وبشدة على الاقتصاد الإيراني، الأمر الذي أكده خسارة العملة الإيرانية لنحو 40% من قيمتها في أيام قليلة، فضلاً عن هبوط صادراتها النفطية التي تمثل نحو 17% من ناتجها القومي.
4- الحملة الإعلامية الشرسة التي تقودها الولاياتالمتحدة وإسرائيل ضد النظام الإيراني في طهران، والتي تستهدف استقطاب تأييد المجتمع الدولي لهذه الحرب إذا ما قامت- بدعوى أن حيازة إيران لسلاح نووي .. من شأنه أن يهدد استقرار المنطقة ويعرض السلام العالمي للخطر- .. تعد مؤشراً على جدية التهديدات الإسرائيلية والأمريكية بشن الحرب على إيران.
5- تطابق الرأي بين إسرائيل وأمريكا حول أن حيازة إيران لسلاح نووي، يعني تعريض أمن ووجود إسرائيل في المنطقة لخطر من الخطأ تجاهله والسكوت عليه. ويدللون على ذلك بأن ثمة مبررات عقائدية هي التي تدفع النظام الإسلامي في طهران، لرفض وجود الكيان العبري في فلسطين والمنطقة، واعتباره كيانا استعماريا استيطانيا ينبغي العمل على إزالته من على خريطة المنطقة.
6- اعتبار أمريكا- بصفتها راعية للحضارة الغربية المعاصرة- أن تنامي قوة النظام في طهران، يعني دعمها المطلق لما يسمى ب"لصحوة الإسلامية" التي تعم البلدان العربية والإسلامية، والتي يمكن أن تؤدي- في نظر الغرب- لإحياء قيم الحضارة الإسلامية ومبادئها، وتأهيلها كي تحل محل الحضارة الغربية التي تعيش الآن مرحلة احتضار، (على ما يقول عدد من المؤرخين وفلاسفة التاريخ وأساتذه علم الاجتماع في أمريكا وأوروبا).
7- يبدو أن نجاح أمريكا ودول أوروبا في إقناع دول الخليج العربية، بأن نجاح إيران في تصنيع سلاح نووي وتصاعد قوتها العسكرية في المنطقة يشكل خطراً عليها، وأنه سيدفها بقوة للعمل على فرض هيمنتها على منطقة الخليج، ونشر المذهب الشيعي في بلدانها، بل وفي المنطقة العربية بأسرها.
8- يعتبر الغرب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتدنية التي تمر بها دول العالمين العربي والإسلامي .. مناخاً صالحاً (قد لا يتكرر) للعمل على وأد طموحات النظام الإسلامي الحاكم في طهران في امتلاك سلاح نووي، إن لم يكن القضاء عليه.
9- يبدو أن الثورات التي عاشتها المنطقة العربية خلال السنتين الماضيتين، والتي استهدفت إجراء تغييرات جذرية في القيم والمبادئ ووسائل الضبط المجتمعي، باتجاه الأخذ بمبادئ الإسلام وقيمه والتحرر من النظم الاستبدادية والتبعية للغير .. أصبحت دافعاً للدول الغربية بعامة وأمريكا وإسرائيل بصفة خاصة، لتسرع في عمل كل شيء يمكن أن يعين في القضاء على أسباب هذه الثورات وإضعاف قوة تناميها، خشية أن تجتاح- في نظر الغرب- بلداناً أخرى في المنطقة تتركز فيها مصالحه.
10- الحرب الضروس التي تجري على الأرض السورية الآن، والتي تستهدف إسقاط "نظام الأسدين"، تعد- في نظر الغرب- عاملاً إيجابيا باتجاه إنجاح حرب يشنها الأمريكيون والإسرائيليون على إيران. ذلك أن ما يحدث في سوريا يساعد- في نظره- في تدمير التحالف الاستراتيجي القائم بين دمشقوطهران، كما يقلل من خطر حليفهما حزب الله على إسرائيل.
ثانيا- الأسباب التي قد تدفع بإيران لشن حرب استباقية على إسرائيل والوجود الأمريكي في المنطقة :
1- التهديدات التي تطلقها إسرائيل بصورة مستمرة حول عزمها على قصف المنشآت النووية الإيرانية، بدأت تقترب- في نظر طهران- كثيراً من درجة اليقين، ما قد يدفع إيران لشن حرب استباقية عليها وعلى الوجود الأمريكي في منطقة الخليج.
2- تصريحات الأمريكيين التي تقطع بأن قيام إيران بتصنيع سلاح نووي، تعتبره (أي تصنيع هذا السلاح) خطاً أحمر لن تسمح بتجاوزه، وتصريحاتهم بأن انتظار نتائج العقوبات التي فرضتها- هي والهيئة الأممية والدول الغربية على طهران- تعتبر العامل الحاسم في اتخاذ قرار بشن هذه الحرب من عدمه .. قد يكون سبباً في دفعها لشن حرب استباقية على أمريكا وإسرائيل.
فالإيرانيون يدركون أن فشل سياسة نجاد ونجاح العقوبات في تحقيق أهدافها، يعني نجاح الغرب في القضاء على سياسات حكام طهران دون الدخول في حرب توقع بالغرب كما بإيران خسائر فادحة.
3- تكثيف الأمريكيين لتواجدهم العسكري في مياه الخليج إلى درجة، بات يوصف معها بأنه تواجد هجومي ينتظر الأوامر ببدئ عمليات عسكرية ضد إيران .. يعد من الأسباب الرئيسة التي تشجع إيران على اتخاذ قرار بشن حرب استباقية.
فالمعروف أن هناك ثلاث حاملات للطائرات، وعدد كبير من المدمرات والسفن الحربية الحاملة لمختلف أنواع الصواريخ موجودة في مياه الخليج، فضلاً عن القواعد العسكرية البرية والجوية والبحرية المقامة على أرض بلدان الخليج العربية وموانئها.
4- من المؤكد أن نتائج العقوبات المفروضة على إيران والتي تتصاعد يوماً بعد يوم، بدأت نتائجها السلبية تظهر على الاقتصاد الإيراني، وبصورة تجعل من الصعب على النظام والشعب معاً تحملها لآماد طويلة.
وما دامت التهديدات الإسرائيلية والأمريكية تتصاعد بشكل جدِّي ومنهجي، باتجاه شن حرب على إيران وقصف منشآتها النووية، ما يعتبر سيفاً مسلطاً على رقاب حكام طهران .. فمن المؤكد أن هذا سيزيد من قناعتهم بضرورة شن حرب استباقية على إسرائيل والتواجد الأمريكي في المنطقة.
5- ليس من شك أن رئيس إيران أحمدي نجاد يعي جيدا مدى الخطورة التي تهدد نظامه، إذا ما نجحت العقوبات والحصار الاقتصادي والسياسي على إيران في إثارة الشعب الإيراني عليه وعلى نظامه. ويعلم أحمدي نجاد أن في إيران معارضة لا يستهان بها .. تعيش الآن في حالة "بيات آني" بانتظار الفرصة التي تسمح لها بالانقضاض على النظام والقضاء عليه، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، يدرك أحمدي نجاد أن فشل "النظام الأسدي" في قمع الثورة السورية، يعد خطراً كبيراً على السياسات التي خطط لها (نجاد) باتجاه مد النفوذ الإيراني ليصل إلى شواطئ البحر المتوسط في لبنان .. كما يعد فقداناً لورقة هامة كان يستخدمها ضد أمريكا وإسرائيل ومعارضيه من الأنظمة العربية في المنطقة.
لذا فمن غير المستبعد أن يتخذ من ذلك دافعا لشن حرب استباقية تعينه في الخروج من المأزق الذي تعيشه إيران الآن، بسبب التهديدات الأمريكية والإسرائيلية أولا، وتصاعد المعارضة في أوساط الشعب الإيراني لسياساته الإقليمية والدولية ثانيا، واحتمال سقوط النظام السوري ثالثا.
6- يدرك نجاد أن نجاح الغرب في فرض سياساته على إيران (سواء بإسقاطه أو إجباره على قبول التخلي عن برنامجه النووي، وعن سياساته الإقليمية والدولية) .. يعني نجاح إسرائيل وأمريكا في وقف الدعم المادي والعسكري الذي تقدمه إيران لحزب الله، ما سيحد من خطورته على إسرائيل، ويوقف تهديداته لأمنها ووجودها في المنطقة.
فالمعروف أن التصريحات التي درج على إطلاقها نجاد ورئيس حزب الله اللبناني حسن نصر الله، كانت تدعو صراحة لإزالة الكيان العبري من المنطقة، وإجبار سكانه اليهود على العودة لمواطنهم الأصلية التي قدموا منها.
7- ويدرك نجاد (أيضاً) أن نجاح الثورة السورية التي تؤيدها أمريكا والغرب بعامة في إسقاط "نظام الأسدين"، سيزيد من حصار حزب الله والحد من خطورته على الكيان العبري والمخططات الأمريكية في المنطقة في فرض الأجندة الصهيوأمريكية لحل القضية الفلسطينية، والتي تصب في صالح إسرائيل.
فإذا ما تحققت هذه التحسبات على أرض الواقع، فلا شك أن حزب الله وإيران سيفقدان التأييد الذي حظيا به من قطاعات واسعة من الشعوب العربية، نتيجة الهزيمة التي ألحقها حزب الله بالجيش الإسرائيلي في حرب تموز 2006 التي شنتها إسرائيل على لبنان.
8- بغض النظر عن التقويم الموضوعي للنظام الإيراني في عهد نجاد، فإن الهدف الرئيس الذي كانت حكومته تسعى لبلوغه (وهو تحويلها لقوة إقليمية قوية)، يصبح (في حال نجاح الغرب في الحرب المتوقعه التي قد يشنها على إيران) .. في (خبر كان)، الأمر الذي سيقلب الأوضاع في إيران والمنطقة رأساً على عقب، وهذا ما قد يدفع نجاد لشن حرب استباقية على إسرائيل والوجود الأمريكي في المنطقة.
9- ليس بعيداً عن الموضوعية القول، بأن نجاد قد يكون على ثقة من أن الشعب الإيراني الذي أثبت- على مر سنوات طويلة- تحملَّه للعقوبات، سوف يلتف حوله ويؤيده في المبادرة بشن حرب استباقية على اعدائه.
فهو يعلم والشعب الإيراني أن قيام الغرب بشن حرب على إيران، لن يقتصر على تدمير المنشآت النووية والدفاعات الجوية ومكامن الصواريخ البلاستية، وإنما سيشمل تدمير البنى التحتية الاقتصادية والعسكرية والسياسية بل والقيمية لإيران، ووأد طموحاتها في أن تصبح قوة إقليمية فاعلة.
10- وليس بعيداً عن هذا السياق، أن يقوم نجاد بالتنسيق مع النظام السوري الذي يمر بأزمة طاحنه يتمنى الخروج منها، ومع حزب الله الذي سيواجه مشاكل لا حصر لها في حال سقوط النظامين السوري والإيراني.
فليس من شك أن القيام بعمل عسكري حاسم ضد الوجود الأمريكي في المنطقة وضد إسرائيل، سيلقى ترحيباً وتأييداً من كل شعوب المنطقة، الأمر الذي قد يخفف من حدة المآزق (الحقيقية) التي تعيشها قيادات إيران وسوريا وحزب الله.
11- ليس من المستبعد أن تكون لدى نجاد وحكومته قناعة بأن أمريكا وإسرائيل قد اتخذتا قرار الحرب، وأن تنفيذهما لهذا القرار قد يكون مسألة حلول الوقت المناسب والظروف المواتية.
كما يدرك أن الرئيس الأمريكي أوباما- أياً كانت اتجاهاته نحو وجوب شن الحرب على إيران من عدمه- لن يقدم في هذه الفترة التي تسبق انتخابات الرئاسة بأسابيع قليلة على شن هذه حرب، أو السماح لإسرائيل بشنها منفردة ودون التنسيق مع أمريكا. لذا فإن هذا الوضع قد يشجع نجاد على المبادرة في شن حرب استباقية على إسرائيل والوجود العسكري الأمريكي في المنطقة.
والنتيجة ؟؟؟؟.
ما من شك أن لكل من الطرفين أسبابهما المقنعة في المبادرة بشن الحرب على الآخر. لكن الأهم أن الايرانيين الذين يتابعون هذه التطورات عن كثب، يتوقعون الأسوأ بما في ذلك الاستعداد للمواجهة التي قد تغيّر وجه المنطقة وربما العالم اذا ما وقعت هذه الحرب. كما من غير المستبعد ان يكونوا البادئين بشنها، اذا ما تأكدوا ان الطرف الآخر قد حزم أمره واتخذ قراره بشن الحرب على إيران، مثلما حذر اكثر من مسؤول ايراني في الأسابيع الأخيرة.
اقرا ايضا هل حان الوقت المناسب لمهاجمة الغرب لإيران ؟ ماذا تريد إيران منا .. وماذا نريد نحن منها ؟