ذكرنا في الجزء الأول من هذا المقال أنه لا يوجد ما يؤكد نشوب حرب بين أمريكا وإيران حالياً على الأقل، وشرعنا في ذكر الأسباب التي تحد من احتمال لجوء أي منهما للخيار العسكري لحل النزاع القائم بينهما. وفي هذا الجزء، نعرض لما تبقى من هذه الأسباب- من وجهة نظرنا بالطبع- وكذلك النتائج الكارثية التي يمكن أن تترتب عليها بالنسبة لكلا الطرفين، ولبلدان الخليج العربية وإسرائيل إذا ما اشتعلت.
بالنسبة لإيران: ليس من شك أن إيران ستُمنى بخسارة فادحة إذا ما قرر الغرب شن حرباً شاملة عليها، ليس بهدف تدمير منشآتها النووية فحسب وإنما لتدمير البنية التحتية للاقتصاد والجيش الإيراني سعياً لإسقاط النظام الإسلامي في طهران. ومن جانبها تدرك إيران هذه الحقيقة ما يحتم على قادتها التحسب لهذا الأمر، وإعداد الخطط التي تجعل الغرب يعيد حساباته أكثر من مرة قبل أن يقدم على شن هذه الحرب.
بالنسبة لأمريكا وحلفائها: ليس من الغرابة في شيء أن يتحسب الغرب للأضرار البليغة التي ستلحق بقواته البحرية التي تجوب مياه الخليج، وبقواعده البرية والجوية التي ترابط على أرض دوله العربية. فإيران أعلنت أكثر من مرة أن الوجود العسكري والاقتصادي الأمريكي في منطقة الخليج سيكون المستهدف الرئيس للصواريخ الإيرانية ولنيران أسلحتها البحرية والجوية والبرية. وهذا ما يثير سؤالاً كبيراً عما إذا كانت أمريكا وحليفاتها جادة في اللجوء لخيار الحرب، إذا ما استمر الإيرانيين قدما في تنفيذ برنامجهم النووي؟!!.
عواقب هذه الحرب على دول الخليج العربية: يقر المراقبون أن هذه الحرب ستلحق أضرارا لا يستهان بها في دول الخليج العربية التي توجد فيها قواعد أمريكية وأوروبية، وبخاصة إذا ما استُخدمت تلك القواعد في شن الحرب على إيران.
ولعل منابع النفط فيها ستكون الضحية الأولى، حيث يصبح تدميرها الهدف الرئيس من قصفها بالصواريخ. ومن ثم يتحقق لطهران إلحاق الضرر باقتصاد الدول الغربية، وكذلك تأليب الرأي العام في الدول النامية والفقيرة بخاصة ضد أمريكا ودول أوروبا، التي تبنت الحرب على إيران لمجرد اشتباهها بأن تخصيب اليورانيوم لدرجة 20%، يعني مضي إيران قدما نحو تصنيع سلاح نووي!!.
غير أن ضرب إيران لمنابع النفط في دول الخليج العربية، يعني إثارة المزيد من العداء بينه وبين هذه الدول، كما قد يثير الفتنة الطائفية بين الشيعة والسنة في هذه الدول بصفة خاصة. ولعل تصريح الإيرانيين الأخير الذي يحذرون فيه دول الخليج العربية من تعويض الدول المستهلكة للنفط الإيراني لخير دليل على تصاعد ذلك العداء، وبخاصة حين صرح أحد هؤلاء المسئولين بقوله : إما أن يمر النفط الإيراني والنفط العربي معا من مضيق هرمز ، وإما لا يمران.
تأثيرات هذه الحرب على إسرائيل: نعلم جميعاً أن حماية إسرائيل هي الأيقونة التي يتذرع بها الغرب دائما، في تبرير التصدي لأي جهد عربي أو إسلامي يرون فيه تهديداً لأمن إسرائيل ووجودها، أو حتى التعريض بها في المحافل الدولية والهيئة الأممية.
وهذه الأيقونة لا تقل أهمية عن حرص الغرب بعامة على ضمان تدفق النفط إليه بسهولة ويسر. بل يعتبرها الهدف التوأم لتحجيم دور إيران الأقليمي والحد من قدرتها على منع تدفق النفط للغرب من ناحية، والمشاركة في عمل اي شيء ينتهي بإسقاط النظام الإسلامي الحاكم في طهران من ناحية أخرى.
فأمريكا ومن ورائها دول أوربا، ترى في استمرار هذا النظام دعما للحضارة الإسلامية التي تعتبرها دول الغرب خطراً على مصالحها، بل وعلى استمرار مبادئ الحضارة الغربية وقيمها، (والغارقة في وحل المادية المفرطة)، والتي يبشر علماء الاجتماع والتاريخ الغربيين المعنيين بدراسة الحضارات الإنسانية، بحتمية الصدام بين الحضارتين الإسلامية والغربية، ويمنون النفس بحتمية انتصار حضارتهم على الحضارة الإسلامية!!. كما ترى هذه الدول أن تنامي قوة إيران يعني تنامي تهديد أمن إسرائيل ووجودها.
إسرائيل تعلم جيداً أن اشتعال هذه الحرب، يعني تعرضها للصواريخ الإيرانية بعيدة المدى التي لوح الإيرانيون بإطلاقها عليها إذا ما تعرضت بلادهم لعدوان غربي، كما يعني تعرضها المؤكد لصواريخ حزب الله الذي هدد أمينه العام، بأن القصف الصاروخي سوف يطال جميع مدن إسرائيل وبلداتها ومناطقها.
وتعلم إسرائيل أيضاً أن تهديدات حزب الله جادة بل وحتمية إذا ما تعرضت إيران للخطر، ذلك أن استمرار وجود هذا الحزب مرتبط باستمرار النظام الإسلامي في طهران. كما تعلم أن الحزب سيكون في موقف يحتم عليه الاشتراك في هذه الحرب بسبب الأحداث التي تجري في سوريا الآن، وبسبب القوى المعارضة داخل لبنان والتي لا تخفي عداءها له وتربصها به.
ولعل تصريحات وزير الدفاع في الكيان العبري إيهود باراك التي حذر فيها من أعمال عدائية قد تقوم بها إيران وحزب الله وحركة حماس، لخير دليل على تفهم واشنطن لتداعيات أي هجوم تشنه أمريكا وإسرائيل على إيران "في الوقت الحاضر على الأقل".
تأثيرات هذه الحرب على أوضاع قوات الناتو في أفغانستان: كلنا يذكر تصريحات بعض المسئولين الإيرانيين عن أن الغزو الأمريكي للعراق وأفغانستان، ما كان ليتم بنجاح دون مساعدة من إيران. وهذا يعني (ضمناً) أن إيران قادرة على تصعيب الظروف التي تحيط بوجود القوات الأمريكية وقوات الناتو في أفغانستان، ومنعها من إداء مهامها العسكرية ضد المقاومة الأفغانية على النحو الذي تخطط له.
وليس من شك أن أمريكا ودول حلف الناتو يدركون أبعاد هذه الحقيقة ويتحسبون لها جيداً إذا ما أقدموا على شن حرب على إيران، ذلك أنها تشكل عقبة لا يستهان بها، وتفرض عليهم إيجاد الحلول المناسبة لها قبل إقدامهم على أي عمل عدائي ضد النظام في طهران.
انعكاسات هكذا حرب على دول المقاومة في المنطقة: المعروف أن محور المقاومة الذي يضم كلا من إيران وسوريا وحزب الله وحركة حماس، يعمل على التصدي لطموحات أمريكا وإسرائيل في الهيمنة على المنطقة والاستيلاء على ثرواتها الطبيعية وبخاصة النفطية منها.
من هذا المنطلق يمكن القول بأن هذا المحور قد يُدفع (جبراً) للتحرك باتجاه الاشتراك في الحرب التي يحتمل أن يشنها الغرب على إيران، ولأسباب تتصل بالمخاطر التي باتت تهدد وجود هذه الأطراف كمحور، كان- حتى وقت قريب- معوقاً رئيساً لمشروعات أمريكا في المنطقة من ناحية، وتطبيق الأجندة الإسرائيلية الخاصة بحل القضية الفلسطينية من ناحية أخرى.
فإيران تواجه الآن حرباً اقتصادية واستخبارية شرسه، من شأن استمرارها أن تضيق الخناق على النظام وعلى الشعب الإيراني نتيجة تلك الحرب. وهذا أمر لا يستطيع النظام الحاكم في طهران تحمله، ما قد يدفع به لتجييش أطراف محور المقاومة للقيام بعمل عسكري، لا يقتصر على رد العدوان الغربي على إيران فقط وإنما يشعل المنطقة بأسرها انطلاقا من مقولة "هدم المعبد على من فيه"، وتصديقا لتصريحات بشار الأسد من أن المنطقة ستشهد زلزالاً مروعاً إذا ما تدخل الغرب عسكريا في الشأن السوري مستهدفاً إسقاط النظام.
والأمر بالنسبة للنظام في سوريا، أدعى لأن يقوم بعمل جماعي مع أطراف محور المقاومة الأخرى ضد إسرائيل، ما يخفف عنه عداء الشعب السوري الذي يطالب بإسقاطه. فمجرد توجه النظام لمحاربة العدو الإسرائيلي، قد يعني تعليق الشعب السوري الثائر مطالبته بإسقاط بشار (مؤقتاً على الأقل) وتخفيف حدة المطالبة بإسقاطه.
أما حزب الله فهو يعيش الآن بين نيران ثلاثة: أولها تربص العدو الإسرائيلي به بهدف استغلال أي نقطة ضعف تظهر في بنيانه لينقض عليه محاولا تدميره،،،
والثانية تربص القوى الداخلية المعارضة له والتي أثبتت في مواقف كثيرة أنها لا تتورع من التعاون مع العدو من أجل القضاء على قدرات الحزب القتالية،،،
والثالثة التخوف من انهيار النظام السوري وانتصار الثورة، وما ينجم عن ذلك من خسارة حزب الله لحليف قوي اعتاد أن يقدم للحزب العون اللوجستي، ويسهِّل له وصول العون المادي والسلاح القادم إليه من إيران.
ومهما يكن من أمرِ منطقية هذا التحليل حول احتمال وقوع حرب على إيران من عدمه، وانعكاسات هكذا حرب على المنطقة إذا ما وقعت .. يظل احتمال وقوع خطأ في تقدير اطراف هذا الصراع أمراً وارداً. وهذا يعني- إذا ما وقع هذا الخطأ- ظهور فوضى عارمة قد تغير كل المعادلات التي تحكم استمرار السلام الهش في المنطقة بين الكيان العبري والشعوب العربية من ناحية، كما قد يعرض البلدان العربية التي لم تصلها رياح التغيير المصاحبة للربيع العربي لخطر الانهيار من ناحية أخرى.
ويبدو أن الكيان العبري هو المرشح لارتكاب هذا الخطأ. فبالأمس القريب صرح وزير دفاع هذا الكيان بأن إيران وحزب الله وحركة حماس، يمثلون- في أية لحظة- الخطر الداهم على المنطقة وإسرائيل.
وهذا ما يوجب على الإسرائيليين اتخاذ كافة الإجراءات والخيارات التي تمكنها من مواجهة هذا الخطر (خطر إيران وحزب الله وحركة حماس) أولاً، كما يعنى استعدادها للمشاركة في شن حرب على إيران بهدف التخلص من حيازتها للتكنولوجيا النووية ثانيا، ثم مساعدة الغرب في إسقاط النظام الإسلامي الحاكم في طهران ثالثاً.
الواقع أن وجود إسرائيل في هذه المنطقة، هو الذي جاء بكل المشاكل التي تعاني منها شعوبها سياسيا واقتصاديا وحتى إنسانيا. والبحث في هذا الموضوع يحتاج من المفكرين والمؤرخين إلى جانب القادة والسياسيين في هذه الأمة، إلى جهود شاقة ومضنية حتى يقارعوا الإعلام الصهيوني الذي نجح في إقناع الشعوب الأوروبية- وحتى بعض قادة النظام الرسمي العربي والإسلامي- بأن قيام إسرائيل على أرض فلسطين التاريخية يعني أنه ليس اغتصاباً للأرض وإنما هو حق لشعب الله المختار!!، وذلك وفق دعاوى توراتية تقول بأن أرض فلسطين هي أرض الميعاد التي وعد بها الرب شعبه المختار ليقيم عليها وطنه القومي.
ولا نشك لحظة واحدة بأن هذا النجاح، لم يكن ليتحقق دون عون ودعم قوي من الغرب، الذي يرى في زرع الكيان العبري في المنطقة ودعمه بكل أسباب القوة التي تعينه على البقاء .. محافظةً على مصالحه فيها واستمرارا في هيمنته عليها.
وليس من شك أن تصعيد الغرب للأزمة مع إيران حول برنامجها النووي، يقع في هذا الأطار الذي يستهدف الحفاظ على وجود إسرائيل في المنطقة كعضو رئيس وفاعل فيها، وكذلك التصدي لأي قوة تحاول النيل من إسرائيل وبخاصة من جمهورية إيران الإسلامية، التي لم يتواني قادتها وبخاصة أحمدي نجاد عن الدعوة لإزالة إسرائيل من المنطقة وعودة اليهود لمواطنهم الأصلية التي جاءوا منها. كما يحتاج من العرب قوة العزيمة والإرادة وهذا ما يفتقده النظام الرسمي العربي في هذه المرحلة من تاريخ الأمة. ** اقرأ الجزء الاول