يرى أيمن الصياد رئيس تحرير مجلة "وجهات نظر" الفكرية، أن الثورة بلا تغيير جذري لا معنى لها، وأن هناك علامات استفهام كثيرة حول محاكمة الفاسدين في عصر مبارك. وفي حواره ل"محيط" يدعو الصياد لتفعيل محكمة الغدر واستمرار المليونيات، وهو يعتبر أن مظاهرات التأكيد على هوية مصر الإسلامية مفتعلة وتشوه الثورة باسم شرع الله .. إلى نص الحوار محيط : هل تعتبر أن حكومة عصام شرف ثورية ؟ - هي حكومة قادمة من رحم الثورة لأن ميدان التحرير قد اختارها، ولكنها كما قال هيكل "تظهر ولا تدير، بينما المجلس العسكري يدير ولا يظهر" ، فالمجلس يمتلك منفردا وفق الدستور السلطة التشريعية ( إصدار القوانين) وسلطة رئيس الجمهورية الشديدة الإتساع . ولو تحدثنا على سبيل المثال عن الوزراء والمحافظين، سنجد أن د. عصام شرف يملك فقط ترشيح أسماء للمجلس العسكري ولكنه لا يملك تعيينها أو إقالتها، وكانت له مطالب لم يستجب لها المجلس من قبل، وهو ما عرضه لإتهامات من الثوار الذين نسوا أنه بلا صلاحيات حقيقية . وأرى أن كل التغيير الذي لمحناه في أداء حكومة شرف بعد مليونيات 8 يوليو الماضي، من تشكيل وزاري وحركة محافظين مرتقبة وترتيبات لتفعيل قوانين الغدر، كل ذلك كان فقط لأن المجلس العسكري وافق على المطالب وليس لأن حكومة شرف أصبحت ثورية أو كما ردد البعض حصلت على ضوء أخضر للتغيير . محيط : وهل كان بإمكان الحكومة التعبير عن مطالب الشارع ؟ - ليس بالظبط . فنحن نعيش أزمة "تمثيل" أي اختيار الناس من يمثلهم، وكلما تقدم الحكومة على تعيين أي وزير أو محافظ، هناك من سيرفض بالطبع لأنه لا توجد معايير للإختيار. وقد حدثت خلافات حادة شاهدناها في مؤتمرات الحوار والوفاق الوطني ، وهي أزمات طبيعية لأننا نتحدث عن شعب كبير يقارب ال80 مليون و 240 ائتلافا تدعي أنها تتحدث باسم الثوار . وأظن أنه كان يسهل على الحكومة معرفة من يجب استبعاده وليس من يجب اختياره ، فمعظم الناس في ميدان الثورة يرفضون من شارك بالحكومة في النظام القديم أو أعضاء الحزب الوطني. ولكن يظل أنه باستثناء الإستفتاء الأخير الذي خرج بنتيجة "الإنتخابات أولا ثم صياغة الدستور" لا نستطيع أن نقول أن "الشعب يريد" ، وتبدو استطلاعات الرأي العام متناقضة للغاية، فنرى على قناة "الجزيرة" أن غالبية المصريين يريدون استمرار الإعتصامات ونجد نتائج عكسية بقنوات أخرى . لذلك فنحن بانتظار الإنتخابات، وفي هذه الحالة سنعلم ما يريده الشعب حقا ، شرط نزاهة الصندوق وشفافيته. سقوط النظام محيط : شككت من قبل في إسقاط ثورة مصر للنظام . لم ؟ - نعم فالثورة المصرية توقفت فقط عند الفعل الثوري، وأي ثورة في العالم تقاس بحجم التغيير، لدينا إيران مثلا كانت دولة غربية إمبريالية ميولها إسرائيلية، وبعد ثورة الخوميني تحولت تماما، لا أناقش للأصلح أم للأسوأ ، لكن التغيير الجذري يقول أنها كانت ثورة . وفي ثورة 1952 في مصر حينما فشلت وزارة "علي ماهر" في تطبيق قوانين الإصلاح الزراعي الذي يختصم من فدادين الإقطاعيين لصالح الشعب، تولى جمال عبدالناصر رئاسة حكومة ثورية أصدرت قوانين غيرت وجه مصر حينها . حاليا نحن لم نر في الحكومة الشباب الذين قاموا بالثورة حتى يوم 28 يناير، ووجودهم كان سيصنع تغييرا لا محالة . كيف نقول أننا أسقطنا النظام، ونستمع لأحد أعضاء المجلس العسكري يحذر من تقرير أمني صدر 2009 يخبر بجهة ما تعمل لقلب نظام الحكم؟ وكأن المسئول لم يشاهد الثورة المصرية تهتف بوضوح شديد "الشعب يريد إسقاط النظام" ! هذا ما يجعلني أقلق وأتساءل : هل سقط النظام حقا ؟ وما الذي تغير عن نظام مبارك ؟ محيط : ماذا تقصد بسؤالك الأخير ؟ - هناك شواهد تقول أن الأسماء تغيرت لكننا ندور في نفس النظام، فالمسئولون نحاسبهم على جرائم ليست جديدة ولم يتم اكتشافها بعد سقوط النظام، ولكنها معلومة للجميع وفقط كانت المستندات في الأدراج لا تجد من يحركها . فاليوم نرى يوسف والي وزير الزراعة الأسبق الذي كان مشمولا بالحصانة ، يحاكم في قضية المبيدات المسرطنة، وهي القضية التي أغلق بسببها حزب العمل وصحيفته لفضحهم جرائمها. لذا فالمسئول بريء في عهد مبارك ومجرم اليوم، والقانون ومن يطبقه واحد في الحالتين، كيف نثق بعد كل هذا في عدالة أو أمن في مصر ، وخاصة أن بعض المسئولين الكبار لازالوا في مناصبهم القديمة، كالنائب العام أو رئيس جهاز الكسب غير المشروع وجهاز المحاسبات ؟! ببساطة .. أخشى أن يأتي "والي يوسف" الذي ينشر فينا أغذيته المسرطنة ثم يخرج براءة لأنه يتمتع بحصانة الرئيس "مبارك حسني". وأدعو لتغيير حقيقي يطال ثقافتنا ، وحينها لن نجد مثلا في الصحافة خطوطا حمر لا يجوز الإقتراب منها ، ولن نرى مؤسسات متآكلة في الإعلام والأزهر والتعليم وغيرها . حين يحدث التغيير لن نرى جهاز الأمن الوطني ينشغل عن مهمته في الدفاع عن أمن الوطن ويكرس جهده لتأمين النظام وتعقب من يعتبرهم أعداءه ، وكأنها عملية تغيير بوصلة لا غير . وقد كان البوليس السياسي يطارد أعداء الملك، ثم بات يطارد الموالين له في العصر الناصري، وطارد الناصريين في عهد السادات، ونكل بكل من عارض نظام مبارك، ولو حكم الإخوان لترقب أعداءهم.. ببساطة لأننا نفهم النظام على أنه الدولة، والدولة على أنها الحاكم . مطالب مليونية محيط : هل ارتبطت فكرة "محكمة الغدر" بالثورات العالمية ؟ - نعم ، فهناك ما يسمى بفترة العدالة الإنتقالية التي ينتقل عبرها المجتمع لصورة جديدة عبر محاكمة من تسبب في فساد الماضي . وقد جرت مآس في التاريخ، فقد نصبت المقاصل للعائلات الحاكمة بالشوارع في الثورة الفرنسية . ورغم أن ثورة يوليو تتهم بالقسوة ولكننا سنجد أن محكمة الغدر فيها لم تخرج بقرار إعدام واحد ، ولهذا كنت من المؤيدين دائما لتفعيل قوانين الغدر التي هي موجودة أصلا بدستورنا منذ الستينات. محيط : ما رأيك برفض البعض للمليونيات بدوافع الإستقرار والإنتاج ؟ - المليونيات لا علاقة لها بالإنتاج ، وقد ظللنا 30 سنة لا ننتج أصلا . الفكرة فقط أن هناك فوضى مطالب، ولهذا فأنا لست مع أي مطالب ترفع أحيانا ولا تكون مدروسة وتفتقر لآلية تنفيذها، ولكني مع المطالب العاجلة والحقيقية، وأؤكد أننا بدون مليونية 8 يوليو لم نكن لنرى المحاكمات العلنية والتغيير الوزاري وغيرها من القرارات الهامة . الجمعة الإسلامية محيط : وماذا عن جمعة تأكيد "هوية مصر الإسلامية" التي حشدت الملايين؟ - مبدئيا أرفض المباديء فوق الدستورية ليس لأنها دعت لمدنية الدولة التي تصور البعض بلا أي منطق أنها تناقض الهوية الإسلامية لمصر، بل لأن الدستور سيستفتى عليه الشعب كاملا ولا حاجة لمباديء سابقة عليه. وأقول لمن تظاهر الجمعة الماضية أن الهوية لا تصنعها مظاهرة في خمس ساعات، بل تبنى عبر القرون . وأن القضية التي تثيرونها مفتعلة ، واحتشادكم يشبه من يتظاهر ليؤكد على أن الشمس تشرق من الشرق . مصر بلد إسلامي وشعبها أغلبيته مسلم حتى من قبل أن توجد المادة الثانية بالدستور، وأظن أنني كنت سأتهم المتظاهرين بالجنون لو نزلوا يوم 25 يناير يدعون لدولة إسلامية، ولكنهم كما رأينا طالبوا بإسقاط نظام مستبد. والدعوة للدولة المدنية يعني أننا لا نريدها عسكرية ولا دينية فقط، ولدينا نماذج لإستبداد دول دينية إسلامية في المنطقة. والغريب أنه حتى ممثلي الأقباط في الكنيسة أو الأحزاب ك"المصريين الأحرار" لا يعلنون أن ثمة مشكلة في أن تكون مصر إسلامية. ولذا أرى أن الأزمة مفتعلة، وعلاج ما جرى يكون بخروج جماعة "الإخوان" لتعلن بوضوح هل هي مع مدنية الدولة أم لا ، وهل سيكون السلفيين بقائمتها في الإنتخابات أم لا ؟ وليتذكر الإخوان معاناتهم مع بعض الجماعات السلفية الذين تصدوا لخروجهم بمظاهرات لنصرة غزة أو القدس ، والذين تصدوا لثورة المصريين أيضا بدعوى عدم الخروج على الحاكم . لقد استطاع أعداء الثورة أن يحولوا المشهد من مسيحيين يرددون دعاء الشيخ محمد جبريل في جمعة تنحي مبارك 11 فبراير، لجماعة من المسلمين لا تريد صلاة الفجر في الميدان خلف إمام لا يلتزم بالسنة كما يقولون!. وهناك من السلفيين من توسط لقبول أهالي شهداء الإسكندرية الفدية في أبنائهم من القتلة، وهم يعلمون أن القصاص إنفاذ لشرع الله، وهناك من أشعل فتنا كنا في غنى عنها كفتنة كامليا وغيرها .. لذا فهم للأسف يضعون الدين في غير موضعه ولا يعلمون أن كثير من الجرائم في التاريخ ارتكبت باسم شرع الله . محيط : وماذا عن ردود الأفعال العالمية ؟ - بدا الغرب مفتونا بما فعلناه في الثورة، ثم بدأ القلق يتسرب إليهم وخاصة مع الجمعة الماضية ، والتي سيستغلها أعداؤنا في الترويج إلى أن الثورة كانت تريد دولة دينية وترفض الآخر وترفع صور أسامة بن لادن ، والأعلام السوداء التي قال السلفيون أن الرسول رفعها في وقت الحرب !! وأعلام أخرى خضراء رأيناها ضمن الحشود المؤيدة لمبارك ثم رفعت مجددا في الميدان . ستعزز الجمعة الماضية من الإسلاموفوبيا ( الخوف من المسلمين) التي كان الغرب يتحرر منها مع اندلاع ربيع الثورات في العربية ، والتي أكدت للعالم أننا شعوب تحب الحرية والكرامة وتسعى لذلك بلا عنف .