يعود الفنان د. عبد الوهاب عبد المحسن إلى رومانسيته في معرضه الجديد الذي افتتح منذ بضعة أيام في فندق "كمبنسكي"، والذي حضره عددا كبيرا من الفنانين ضمنهم فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، والأستاذة نهده خوري مؤسسة جاليري "الزمالك" التي نظمت المعرض. تناول الفنان عبد الوهاب عبد المحسن "البحيرة" في هذا المعرض (فيديو)، والتي مازال يتناولها منذ عام 2000، مستخدما العديد من الوسائط التشكيلية كالتصوير، الجرافيك، فيديو آرت، أنستليشن، تجهيز في الفراغ وكمبيوتر جرافيك، إلا أنه قرر أن يعود في هذه التجربة للاستمتاع بالرسم واستخدام الصبغات والأقلام الرصاص، وإنتاج حوالي 25 لوحة صاغها بكل ما يحمله من رومانسية شديدة تجاه هذا المكان الذي يعشقه ويعيش بجواره في محافظة كفر الشيخ، تلك المدينة الجميلة التي أفرزت العديد من الفنانين البارزين في الساحة التشكيلية المصرية. "البحيرة" في هذا المعرض لم تكن تلك الطبيعة التي تعودنا أن نراها من قبل، لكنها بحيرة ممتزجة بمشاعر وخبرة فنان لمع في الساحة التشكيلية المصرية منذ بداية الثمانينيات، هي "بحيرة" عبد الوهاب عبد المحسن المنتزعة من مخزونه البصري لتلك المكان الجميل الذي ظل يمر بجواره طوال فترات حياته، واعتبره مثيرا فنيا لم ينقصه أي شيء كي يتناوله الفنان. نجد البحيرة في لوحات عبد المحسن نقية.. ثرية.. ممتلئة بالعناصر التي تغني اللوحة. كما أن استخدامه للون فريد للغاية؛ حيث تتمتع أعماله بمجموعة لونية تكشف مدى خبرته في تناول اللون؛ فهو لم يلون لوحته بطريقة تقليدية معتادة، بل ينتهج أساليب عديدة في تناول لوحاته، تجعل له بصمه خاصة يتميز بها عن باق فناني جيله. نظرته للطبيعة مختلفة للغاية، فهو يهتم بجزئية معينة يراها بطلة للوحته، ويظهر ما فيها من جمال، لم يكن بتصويرها كما هي، بل بصياغتها برؤيته الخاصة، التي تحولها إلى عملا تشكيليا رائعا، يحمل كل سماته وقيمه التشكيلية في تكوين تشكيلي محكم، يبرز مدى عمق تجربة الفنان وإحساسه بالطبيعة. أما استخدامه للقلم الرصاص فكان بمثابة سيمفونية تطلق لحنا يشعرك بتماس قلمه على سطح اللوحة، وكأنه يمسك بفرشاة خبطاتها منتظمة لها اتجاه واحد، تلك النغمات الرصاصية تبدو أحيانا كسطح مياه البحيرة، وأحيانا أخرى تظهر كومضات في أجزاء معينة من اللوحة وكأنها شفافية تعكس طبقات رقيقة أسفل سطح المياه، وغيرها تخلق توازن ما باللوحة، وأحيانا ما نجد تلك الخطوط بدت غليظة لتعبر عن الشجيرات والطحالب الرقيقة التي تملأ أجزاء متفرقة من مياه البحيرة. وتدخل الفرشاة في بعض المناطق من اللوحة لتؤكد على مساحة معينة من اللون تبرز وجود النباتات المائية التي تزين تلك البحيرة بألوانها وأشكالها الجميلة، والتي تحقق توازن اللوحة.
والفنان عبد الوهاب عبد المحسن اعتبر نفسه في هذا المعرض يهرب من صخب الواقع الذي يعيشه المواطن المصري منذ قيام ثورة 25 يناير، فهو يرى أن الطبيعة حقيقتها ثابتة لم تكذب أو تتحمل أي زيف، فكانت الحالة الأنسب كي يندمج فيها الفنان، وينتج تلك الأعمال البديعة التي أخرجت أجمل ما عندنا من أماكن طبيعية تستحق المشاهدة، والتناول، والمغازلة في بعض الأحيان كما فعل فناننا، الذي غازل البحيرة بأدواته وبرؤيته، التي كانت حقا جديرة بالتقدير والاحترام.