أ.ش.أ: تأتي التطورات المتلاحقة للأزمة السياسية السورية، متزامنة مع انعقاد الدورة ال16 لقمة دول عدم الانحياز والتي تحتضنها طهران يومي 30 و31 من أغسطس الجاري، وتبحث القمة مختلف القضايا العالمية بمشاركة حوالي 35 رئيس دولة وحكومة ووفود من حوالي مائة دولة، وتأمل إيران الاستفادة من القمة لكسر العزلة الدولية التي يسعى الغرب إلى إحكامها عليها، ومحاولة إيجاد حل للأزمة السياسية السورية من خلال الاقتراح بتشكيل لجنة ثلاثية من حركة عدم الانحياز من أجل سوريا، تضم مصر وإيران وفنزويلا، وستضم أيضا العراق ولبنان المجاورتين لسوريا. مرسي.. والمبادرة المصرية كان الرئيس محمد مرسي قد تقدم بطرح مبادرة لحل الأزمة السورية وذلك خلال قمة مكة التي عُقدت مؤخراً بالرياض، وتقترح المبادرة المصرية تشكيل مجموعة اتصال رباعية حول الأزمة السورية تتكون من تركيا وإيران والمملكة العربية السعودية إلى جانب مصر لبحث سبل إيجاد حل شامل للوضع في سوريا بما يحقن الدماء ويضع حدا سريعا للعنف المتزايد في البلاد ويحفظ في ذات الوقت وحدة الأراضي السورية وسلامتها الإقليمية.
وقد حض الرئيس مرسي حلفاء الرئيس السوري بشار الأسد إلى المساعدة في إزاحته عن السلطة. قائلا أنه "آن الأوان لكي يقف هذا النزيف ولكي ينال الشعب السوري حقه كاملاً ولكي يذهب من المشهد هذا النظام الذي يقتل شعبه".
ويري المراقبون أن مرسي لم يصل إلى المطالبة برحيل الرئيس بشار الأسد إلا أنه قال: "لم يعد هناك مجال الآن إلا حصول الشعب السوري على حريته وأن يتولى أمر نفسه وأن يدير شأنه في شأنه"، ما فُسر بأنه دعوة لحلفاء الأسد بالمساعدة في الضغط عليه حتى يتنحى.
وقد استمرت الجهود الدبلوماسية المصرية في تفعيل مبادرتها لحل الأزمة السورية، فكانت للخارجية المصرية جولات ومباحثات دبلوماسية نشطة قام بها وزير الخارجية المصري محمد كامل عمرو، مع مسئولين سعوديين لتبادل الآراء حول سبل حل الأزمة السورية، و اتصالات هاتفية مع نظيريه التركي أحمد داوود أوجلو والإيراني على أكبر صالحي بشأن الأزمة السورية.
وتكللت جهود الدبلوماسية المصرية من أجل حل الأزمة السورية من خلال تأكيد الرئيس محمد مرسي في مباحثاته مع الرئيس الصيني على ضرورة وضع حل لتلك الأزمة بما يحقق الحرية للشعب السوري مع استبعاد التدخل العسكري لحل الأزمة.
وبالنظر إلى المبادرة المصرية، فإنها تقوم على تقوية الدور الإقليمي المصري والعربي لحل الأزمة، مع استبعاد التدخل العسكري الدولي وأن يقتصر الدور الدولي على إقناع بشار الأسد بضرورة التنحي عن السلطة وترك الشعب يختار طريقه.
كما أن مضمون المبادرة المصرية لا يسوي بين الضحية والجلاد، وإنما تؤكد المبادرة على أهمية الحل العربي للأزمة.
إيران.. والمبادرة التفاوضية وانتهزت إيران رئاستها لقمة عدم الانحياز وأعلنت طرحها مبادرة جديدة لحل الأزمة السورية، فقد كشف رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي، عن "مبادرة إيرانية" جديدة لحل الأزمة السورية، تتضمن الدعوة لتوفير أرضية لإجراء مفاوضات بين الحكومة السورية والمعارضة، وإيقاف إطلاق النار وتشكيل مجموعة اتصال من الدول التي اشتركت في المؤتمر التي استضافته إيران مؤخرا وشاركت فيه 30 دولة آسيوية وافريقية، حيث أعلن وزير الخارجية الإيراني علي اكبر صالحي، أن بلاده اقترحت على طرفي الصراع في سورية وقف النزاع بينهما لمدة ثلاثة أشهر.
ويبدو أن إيران تريد أن تؤكد للعالم أن حل الأزمة السورية بيدها هي لا بيد أي دولة أخرى، واتضح ذلك من خلال تأكيد رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني علاء الدين بروجردي أن "ما طرحه الرئيس مرسي هو اقتراح لاجتماع يضم دول إيران وتركيا والسعودية ومصر لمناقشة التطورات الراهنة في سورية، وأن هذا المقترح بحاجة للمفاوضات" مؤكدا أن "المبادرتين ليستا شيئا واحدا، وأن اقتراح مرسي مبدئي يدعو لاجتماع للدول الأربع، وعندها يمكن أن ندخل في مرحلة ثانية.
ويمكن القول أن إيران تريد التنسيق فقط مع الدول التي تؤيدها في طرحها ومنها العراق ولبنان.
وكشف المراقبون عن أن ثمة تنسيقا بين المسئولين العراقيين والإيرانيين، حيث تبادلوا بعض الأفكار لصياغة المبادرة الإيرانية، من بينها اقتراحات لا تشمل تنحي الرئيس بشار الأسد على الإطلاق، بل تشمل رزمة من الخطوات المهمة لتسوية النزاع، أبرزها: وقف إطلاق النار بين قوات النظام وقوات المعارضة، وسحب قوات الجيش النظامي من داخل المدن وتمركزها على أطرافها، ونشر قوات حفظ سلام أو قوات فصل بين الإطراف المتحاربة من قبل دول إسلامية وبدء حوار سياسي بين المعارضة المسلحة وغير المسلحة وبين النظام السوري، مع بقاء الأسد في منصبه، على أن يكون الحوار بإشراف دول إقليمية كبيرة بينها السعودية ومصر، ويمكن أن تتم الحوارات في دمشق أو القاهرة أو بغداد أو الرياض.
فضلاً عن تنفيذ بعض الإصلاحات السياسية الملحة المتعلقة بقانوني الاحزاب والانتخابات وحل مجلس الشعب السوري الحالي، وإيجاد تسوية مناسبة للمنشقين عن الجيش النظامي وحل الأجهزة الأمنية التي تعتقد المعارضة أنها لعبت دوراً في التعامل بوحشية مع المتظاهرين السلميين، وإحالة رموز الأجهزة الأمنية على التقاعد، سيما الذين لعبوا دوراً بارزاً في المواجهة خلال الأزمة، تمهيدا لإعادة تأسيس القوات المسلحة السورية من جديد بعيدا عن لعب اي دور في الحياة السياسية، والتوجه إلى تنظيم انتخابات رئاسية مبكرة لا تستثني الأسد من المشاركة فيها مع تحديد ولاية الرئيس بدورتين انتخابيتين.
ويتضح من قراءة وتحليل المبادرتين المصرية والإيرانية، أن ثمة تنافر وتعارض بينهما، خاصة أن إيران لا يروق لها حل الأزمة بعيدا عن رعايتها ومصالحها في المنطقة، حتى وإن تعارض ذلك مع المصلحة العليا لدول منطقة الشرق الأوسط.
عقبات المبادرة الإيرانية ولا شك أن المبادرة الإيرانية رغم قبول نظام الأسد لها، إلا أنها سوف تكون محدودة التأثير في وضع حل للأزمة السورية، وذلك بالنظر إلى العقبات التي تعترض تلك المبادرة الإيرانية وهي:
أولاً: أنه للمرة الأولى منذ اندلاع الثورة السورية، قبل 18 شهراً، برز خلاف في الرأي داخل القيادة الإيرانية، حيث يؤيد فريق يمثله "الحرس الثوري" المدعوم من المرشد الأعلى علي خامنئي وهو الخط الأقوى في النظام، المضي قدماً في سحق المعارضة السورية، ويعتقد أن المعارضين المسلحين بدءوا يتلقون ضربات قوية وأن ذخيرتهم بدأت تنفد، كما أن تردد الدول الغربية في اتخاذ أي خطوة عسكرية جادة ضد نظام الأسد طوال الأشهر الماضية، يعزز من قناعة انتصار الحل الأمني الدموي.
أما الفريق الثاني، فيمثله وزير الخارجية علي أكبر صالحي، ويتبنى وجهة نظر لتسوية الأزمة سياسياً، حيث يخشى أن يؤدي استمرار العنف في سورية إلى تدخل عسكري خارجي لن يكون نظام الأسد قادراً على مواجهته، كما أن إيران لن تتمكن من مجاراة التدخل الغربي عسكرياً، وقد تواجه ضربة عسكرية مع الضربة الموجهة للنظام السوري.
ويخشى الفريق الثاني، أن يؤدي استمرار الأزمة السورية إلى تحول جذري في موقف الدول الغربية لجهة مد المعارضة السورية بأسلحة متطورة لمواجهة تفوق قوات النظام بالطائرات والصواريخ، وهو أمر سيعجل بانهيار نظام الأسد.
ثانيا: أن الحكومة الإيرانية كانت قد عرضت في الآونة الأخيرة، استضافة حوار بين السلطات السورية والمعارضة، إلا أن أطياف من المعارضة رفضت دوراً إيرانيا في حل الأزمة، لأن طهران من أكثر الدول الداعمة للسلطة السورية، ماديا وسياسيا، كما أنها تدعو إلى حل الأزمة السورية عبر الحوار وإعطاء فرصة للحكومة السورية للقيام بالإصلاحات المطلوبة.
كانت الفترة السابقة قد شهدت مبادرات وخطط تقدمت بها دول عربية ومنظمات دولية لحل الأزمة المستمرة في سورية منذ 18 شهرا، منها مبادرتين للجامعة العربية، وخطة للمبعوث الأممي كوفي عنان، إلا أن تلك الخطط لم تجد طريقها للتنفيذ، وسط تبادل الاتهامات بين السلطات والمعارضة بعدم الالتزام بتطبيق تعهداتهم في بعض منها، ورفض الحكومة السورية مبادرة للجامعة العربية تقضي بتفويض الرئيس بشار الأسد صلاحياته لنائبه حيث اعتبرتها سورية مساسا بسيادتها.
ثالثا: أن المجتمع الدولي يشهد خلافات شديدة في كيفية التعامل مع الأزمة السورية، حيث تطالب دول عربية وغربية بالإضافة إلى "المجلس الوطني السوري" المعارض بتشديد العقوبات على سورية، فضلا عن أهمية اللجوء إلى مجلس الأمن الدولي للتصويت على مشروع قرار جديد تحت البند السابع ضد سورية يسمح باللجوء إلى "القوة العسكرية القسرية"، فيما تعارض كل من روسيا والصين صدور أي قرار في مجلس الأمن يقضي بالتدخل العسكري في سورية، معتبرين إلى أن ما يحدث في سورية شأن داخلي يجب حله عبر حوار وطني.
ويمكن القول أن المبادرة المصرية إذا ما تم البناء عليها وتفعيلها وضرورة تبنيها من جانب القوى الإقليمية العربية يمكن أن تمثل بداية النهاية للأزمة السورية، بالتزامن مع تأييد الصين وروسيا لذلك الحل من أجل وقف نزيف الدم للشعب السوري. مواد متعلقة: 1. مرسي يحظى بحفاوة من جانب القادة ورؤساء الوفود خلال مشاركته بقمة عدم الانحياز 2. "فاينانشيال تايمز": قمة عدم الانحياز تمنح إيران "منصة" للظهور كضحية العقوبات 3. حمزاوي:مرسي ظهر قوياً خلال قمة عدم الانحياز