نظم بيت السناري الأثري بحي السيدة زينب بالقاهرة، أمس الأربعاء احتفالية خاصة بالثورة الجزائرية، تحت عنوان "خمسون عامًا علي الثورة الجزائرية"، وتستمر الاحتفالية حتى 4 سبتمبر المقبل. تضمنت الاحتفالية معرضًا لصور الثورة الجزائرية خلال مرحلة الاحتلال الفرنسي، وبعض صور الفدائيين الجزائريين، وأقام بيت السناري على هامش الاحتفالية معرض للفنان الجزائري عمر راسم؛ الفنان الذي قاوم الاحتلال الفرنسي للجزائر بالفن، وزار مصر أثناء ثورة 1919 وقام بإحياء الفن العربي الجزائري في لوحاته وأعماله الفني، واهتم بإحياء الخط العربي والثقافة العربية تأكيداً على هوية الجزائر الثقافية الإسلامية.
في كلمته التي جاءت تحت عنوان "الثورة الجزائرية في الذاكرة المصرية" أكد الشاعر والناقد الكبير شعبان يوسف أن القاهرة ساندت الجزائر في ثورتها بكل الوسائل، لافتاً إلى أن العلاقات بين البلدين اشتد عودها في منتصف الخمسينيات بعد قيام الكفاح المسلح في 1954، حيث بدأت الصحف والمجلات والإعلام المصري في دعم الثورة الجزائرية، واعتبرت الحكومة المصرية آنذاك القضية الجزائرية قضية تحرر وطني يجب مساندته.
وتابع قائلاً أنه عام 1956 تأسست جريدة "المساء" المصرية ورأس تحريرها خالد محيي الدين وحشد حينها اليسار بأكمله للكتابة بها، وأصبح من عام 1956 حتى عام 1964 لا تخلو جريدة مصرية من مانشيت يخص الجزائر، فقد كانت المتابعة لأخبار القضية الجزائرية يومية، وكانت المساء هي الجريدة الثانية بعد جريدة "الجمهورية" في تغطية أخبار الجزائر.
وقد قامت صحيفة "المساء" بنشر كتاب لمولود فرعون الكاتب الجزائري على حلقات، ولم يحظ كاتب مصري أو عربي بنشر كتابه مسلسلاً هكذا سوى فرعون، الأمر الذي يدل على اهتمام مصر بقضية التحرر الجزائري.
وفيما يتعلق بالإذاعة يقول يوسف تشكلت في إذاعة "صوت العرب" عام 1956 رابطة محبي الجزائر وعلى رأسها الإعلامي أحمد سعيد، وهي رابطة مهمة عملت بالاشتراك مع عدد من دور النشر والجرائد للحصول على المعلومات وإعادة إنتاجها في الصحف، كذلك كان هناك وفود مصرية دائمة تذهب إلى الجزائر من الكتاب والصحفيين، وعمل أيضاً البرنامج الثقافي على ترجمة أعمال الكتاب الجزائريين.
يواصل: تعامل المصريون كذلك مع رمز جزائري مهم هو جميلة بوحريد، عبر الفيلم السينمائي الذي أخرجه يوسف شاهين، وكتب له السيناريو الكاتب الكبير يوسف السباعي، ورغم ما وجه للفيلم من انتقادات فنية إلا أنه وصل للجمهور، كذلك كتب عبدالرحمن الشرقاوي مسرحية "مأساة جميلة"، وأكد يوسف أن الجزائر ضمت أكثر من جميلة ناضلن من أجل تحرر وطنهن.
وأكد الناقد الكبير أن ما كتب عن الجزائر في العالم كان يصل لمصر قبل الجزائر، من أجل ترجمته والتعريف به، وطالب يوسف بإعادة نشر هذه الكتب، ومنها ديوان أحمد عبدالمعطي حجازي، وكتابات يوسف إدريس، وصلاح جاهين وصلاح عبدالصبور، وغيرهم.
ولفت يوسف إلى أن الروابط القوية بين الجزائر ومصر، كانت تؤهلهما للوحدة، بدلاً من مصر وسوريا، فقد كانت الجزائر حينها هي الأقرب، خاصة أن العلاقات بين البلدين كانت ترتكز على الكفاح المشترك.
الأديب الجزائري الكبير واسيني الأعرج استعرض في كلمته حياة الأمير عبدالقادر الجزائري، الذي خاض معارك ضد الاحتلال الفرنسي للدفاع عن الوطن وبعدها نفي إلى دمشق وتوفي بها.
استعرض الأعرج تاريخ نضال الأمير ومقاومته للاحتلال الفرنسي عبر 17 عام، ورغم تأكيد الأديب الكبير على الجانب النضالي في شخصية الأمير إلا أنه يوضح أن هناك جوانب أخرى غير محتفى بها لديه، منها أنه كان محاوراً جيداً وذكر مثال للمحاورة بين الأمير عبدالقادر وقس الكنيسة الجزائرية التي ذهبت إليه امرأة واستعطفته أن يتحدث إلى الأمير عبدالقادر من اجل إطلاق سراح زوجها من السجن، فقد كان زوجها أسيراً لدى الأمير، وأرسل بالفعل القس رسالة إلى الأمير عبدالقادر يطلب منه فيها الإفراج عن هذا السجين زوج المرأة، فاستجاب الأمير لطلبه وأزاد عليه بأن أفرج عن باقي السجناء وكان عددهم 99، وكتب للقس قائلاً لماذا طلبت مني فقط الإفراج عن سجين واحد، أليس لباقي السجناء أمهات وزوجات يرغبن في خروج أزواجهن من السجن؟، من المفترض أنك رجل دين، رحمتك تشمل الجميع، وطلب منه أن يزور بنفسه السجن التركي القديم ويرى وضع السجناء الجزائريين هناك، واستجاب القس لطلبه وتعرف على حالة السجناء المزرية وطلب القس من الحاكم العسكري الفرنسي أن يكون في رحمة الأمير ويفرج عن السجناء، وبالفعل استجاب الحاكم العسكري.
واستعرض الأديب الكبير علاقة الأمير عبدالقادر بالصوفية، مؤكداً انه أوصى أن يدفن بجانب شيخه الأكبر كما كان يطلق عليه ويقصد "ابن عربي"، كما أنه كلف لجنة بجمع نسخ كتاب "الفتوحات المكية" لابن عربي من أجل إكمال النواقص في كل نسخة ونشر نسخة كاملة وهي المتداولة الآن. وأكد الأعرج أنه رغم احترامه لشخصية المناضل عمر المختار إلا أنه يبقى محدود من الناحية التاريخية في الزمان والمكان، على عكس الأمير عبدالقادر الذي استطاع المقاومة لمدة 17 عام متصلة، ليصبح شخصية أسطورية.
من جانبه أكد السفير الجزائريبالقاهرة أن هذه الاحتفالات تعكس عمق ومتانة العلاقات بين البلدين، كما أن هذه الاحتفالات تستعيد تاريخ مميز للجزائر وصفحة من أهم صفحاته التي ناضل فيها الجزائريون لاستعادة استقلالهم.