اعتبر الوسط الثقافي أن اختيار دكتور صابر عرب لتولي منصب وزير الثقافة في حكومة دكتور هشام قنديل هو طمأنة من قبل الحكومة للمثقفين، الذين توقعوا إسناد المنصب إلى وجه جديد يستطيع إحداث التغيير المطلوب في آليات وممارسات وزارة الثقافة. واعترضوا على قبول عرب للمنصب الذي استقال منه قبل أيام للحصول على جائزة الدولة وهو ما اعتبره البعض استقالة "تكتيكية" وها هو يعود للمنصب من جديد، معتبرينه اختياراً نمطياً يكرس لثقافة الإفلاس التي يعاني منها المجتمع المصري في اختيار مسئوليه. من جانبه، أكد الكاتب جمال مشعل أن الوزير الذي يستقيل من أجل نيل جائزة لا يستحق أن يكون وزيراً ثانية، متسائلاً على أي أساس تم الاختيار، خاصة أن في عهده دار الكتب لم تحرز تقدماً وقد كنا نتوقع وجهاً آخر، لافتاً إلى أن سياسة وزارة الثقافة التي نرفضها لن تتغير بوجوده الناقد الدكتور حسام عقل قال في تصريحات ل"محيط" أنه لاشك أن عرب يتمتع بقدر من الخبرات في ميدان العمل الثقافي اكتسبها من الفترة الطويلة التي قضاها في دار الكتب حيث بذل جهداً كبيراً في مجال الأرشفة والتوثيق ومحاولة ضخ الحيوية في هذا الكيان الثقافي الفريد، لكن يبقى القول أن القيادة الثقافية التي تنجح في دار الكتب لا يفترض لها النجاح في قيادة الوزارة أو التواؤم مع المرحلة الجديدة، أو التناغم مع معايير الأفق الثوري الجديد وطموحات التغيير الثقافي، ومن هنا كنت أفضل – يواصل عقل – أن يكون وزير الثقافة الجديد أقل من الناحية العمرية حيث يستطيع أن يضخ ماء الحيوية والشباب في مرافق الوزارة ومؤسساتها وأن يكون نسيج الاختيار مختلفاً عن النسيج المعتاد الذي تختار منه القيادات الثقافية في العادة.
وتابع منتقداً الاختيار قائلاً أنه جاء مكرساً للأداء النمطي ومحافظاً على توازنات الوزارة وبعيداً عن طموحات التطوير، ومن هنا فإن عرب في تقدير عقل يمثل عنصراً بيروقراطياً يحافظ على المرحلة الكلاسيكية دون أن يضيف إليها سواء على مستوى تغيير لائحة العمل وقوانينه في الوزارة، أو على مستوى الضخ بوجوه جديدة قادرة على التواؤم مع الأفق الثوري الجديد، لافتاً إلى ان المهندس محمد الصاوي برأيه كان الأقرب إلى الاتفاق مع هذا الفكر الثوري الجديد بحكم تجربته في ساقية الصاوي وعلاقاته المتشعبة مع رموز المشهد الثقافي.
يواصل: من الممكن أن يكون دكتور صابر عرب وزيراً في مرحلة انتقالية لكنه بعيد عن مستلزمات وضرورات وطموحات المراحل طويلة الأمد، مضيفاً أنه كان يوجد أكثر من وجه مقبول لتولي الوزارة لكن رئيس الوزراء خشي من بعض بيانات الائتلافات الثقافية التي تمثل عدداً محدوداً في المشهد الثقافي جاءت متوالية ضد بعض الأسماء التي رشحت لتولي العمل الثقافي وتعتبر وجوه ثورية، ومن ثم آثر رئيس الحكومة تجنب المشكلات والاحتفاظ لمشهد بأقل الخسائر، رغم أن الكثرة المطلقة من الجماعة الثقافية كانت تبحث عن ممارسة وآليات جديدة للخروج من توازنات المرحلة الكلاسيكية التي مثلت فساد المؤسسات.
وطالب عقل وزير الثقافة بإعادة هيكلة المجلس الأعلى للثقافة، عبر تغيير جذري وشامل في قوانين ولوائح الوزارة بكل مؤسساتها، وأن يبعد عن مركبات العقد الأيديولوجية التي تحكمه تجاه تيار بعينه، وهو التيار الإسلامي، يواصل عقل: فقد قرأت للوزير مقالاً منذ شهر في مجلة دبي الثقافية قال فيه أن لديه ثأر إيديولوجي من تيارات بعينها، وأكد عقل أن الإصرار على الثأر الأيديولوجي يفسد العمل الثقافي.
ويتوقع الناقد الكبير أن هناك مشكلات قادمة، بسبب ممارسة سياسات قديمة مثيرة للاحتقان من قبل الوزير مثل إقصاء وجوه شابة أو محسوبة على التيار الثوري، وكذلك تركيز العمل في القاهرة الأمر الذي يثير غضب مبدعي الأقاليم نظراً لتجاهل وزارة الثقافة لهم.
وتساءل الناقد هل يملك الوزير الآليات والفكر والرغبة في التطوير ما يستطيع به أن يغير، الأمر الذي يعني الدخول في مواجهة مع الحرس القديم الذي يعد هو نفسه جزء عضوي منه؟.
ويرى عقل أن صابر عرب خلال توليه وزارة الثقافة في حكومة الجنزوري كان بعيد عن التطوير الحقيقي وأداؤه نمطي يكرس للسياسة القديمة، الأمر الذي يعني أن تفقد مصر خلال هذه المرحلة الذراع الثقافية لها او قوتها الناعمة، فلازال المسئولون حريصون على اختيار المسئولين من نفس "القماشة القديمة"، وكأننا لم نتحرك خارج نسيج الاختيار.
اعتبر الشاعر والناقد شعبان يوسف أن وزير الثقافة صابر عرب وجهاً مقبولاً بالنسبة للمثقفين، نظراً لعدم زج اسمه بأية قضايا فساد، ورغم أن الفترة التي تولى فيها وزارة الثقافة في حكومة الجنزوري لم تشهد أداء فاعلاً في المشهد الثقافي، إلا أن يوسف يرى ان ذلك بسبب قصر الفترة وظروف البلد، ولقد تم اختياره ليحل أزمة؛ حيث إن الإخوان اختلفوا مع فاروق جويدة حين وضع شروطًا بعدم التدخل في عمله ومطالبته بمصادرة كتب معينة، ومن ثم جاء اختياره في محاولة لإرضاء الجماعة الثقافية، لأن الإخوان لا يريدون فرض وزيراً بالقوة، بل عبر السياسة والنعومة، فهم لا يرضون عن عرب لأنه لا يناسبهم فكيف يأتون بوزير كان في حكومة الجنزوري التي رفضها البرلمان واحتج عليها.
ويرى يوسف أن الاختيار لم يكن مفاجئاً لكنه كان غير متوقع، لأن الجميع توقع أن يكون الوزير وجهاً جديداً، كما أن الدهشة تملكت بعض أعضاء الجماعة الثقافية نظراً لقبول عرب الوزارة بعد استقالته منها لحصوله على جائزة الدولة ويطالبونه برد الجائزة، وهو أمر يرفضه الناقد والشاعر، معتبراً أن هذه أزمة وهمية، مؤكداً على خبرات عرب الذي اضطلع بمهام جسام أثناء تزليه رئاسة دار الكتب.
وطالب يوسف الوزير بالحفاظ على مكتسبات المثقفين وحرياتهم وعدم تدخل الرقابة متعددة الأشكال في المطبوعات، وأن يوسع من آفاق الحرية في وزارة الثقافة ويبدد الخوف لدى الشعب من صعود الإخوان واحتلالهم صدارة المشهد السياسي، كذلك عليه ترشيد الإنفاق في المؤتمرات والندوات ورد يد الفساد التي تعبث بوزارة الثقافة، وإعادة هيكلة الوزارة بكافة مؤسساتها.
يواصل: لن تكون وزارة هشام قنديل أوفر حظًا من وزارات أحمد شفيق وعصام شرف وكمال الجنزوري، معتبراً عرب وزيراً مؤقتاً في حكومة تمهد لوزارة أخرى يهيمن بها الإخوان على كل الوزارات على حد قوله، مؤكداً ان عرب وزيراً في حكومة كسيحة لن يستطع النهوض بالوزارة لأن الأزمات ستحاصر الحكومة بأكملها.
من جانبه اعترض الكاتب والصحفي محمود عبده على اختيار صابر عرب وزيراً للثقافة في الحكومة الجديدة قائلاً أن صابر عرب كان يشغل موقعا مهما وخطيرا وهو رئيس دار الوثائق القومية، وفي عهده شهدت الدار صورا من الفساد والإهمال غير مسبوقة، ما بين سرقة وثائق مصر وتهريبها وإتلافها وضياعها، وتعاون مع مؤسسة فورد الأمريكية التابعة للمخابرات الأمريكية وقامت بممارسة أنشطة تدريبية داخل الدار رغم خطورة ذلك على الأمن القومي المصري، كذلك في عهده تم تدشين مشروع ميكنة الوثائق وكان نموذجا للفساد وسوء الإدارة، وكان الرجل يتعامل مع كل الشكاوى بسلبية بل واضطهد أصحابها.
في عهده تم تشغيل مركز ترميم الوثائق لحساب جهات أجنبية بالدولار، وترك وثائق مصر ضحية للتحلل والتلف بسبب سوء حالة حفظها في الدار، فضلاً عن الملف الأسود في دار الوثائق فهو من رجال فاروق حسني ومن فلول النظام السابق.
ويروي الباحث تجربة شخصية جمعته بالوزير قائلاً: نشرت تحقيقا عن الفساد المتعلق بدار الوثائق عام 2009م وكان رده هو فصل بعض الباحثين الذين اشتبه في كونهم مصدرا لمعلوماتي المنشورة بدلاً من التحقيق في صور الفساد ومحاولة علاجه.
ومن جانبه قال مقرر لجنة الشعر ماجد يوسف الذي كان احد الموقعين على البيان المطالب بتولي دكتور أسامة أبو طالب حقيبة الوزارة أن الحكم على أداء الوزير هو استباق للأحداث، فلابد منحه الوقت الكافي والقدرة المادية والاستقرار للحكم على أدائه.
وطالب يوسف عرب بالإعلان بوضوح عن السياسات التي لابد سينتهجها لتسيير عمل الوزارة وتطويرها، حتى لا يصبح مجرد وزير تولى مقاليد الوزارة ورحل دون أن يضيف شيئاً.
وحول الاختيار قال يوسف: لم اتوقع ان يكون عرب بل توقعت ان يتولى الوزارة اسماً جديداً، متسائلاً كيف يمكن ان يتقلد الوزارة ثانية وقد استقال منها بشكل تكتيكي للحصول على جائزة الدولة، متسائلاً هل يستطيع عرب التوافق مع الحكومة الجديدة أم ان الاختيار جاء لتطمين الجماعة الثقافية، حتى تستتب الأمور لهذا التيار الجديد؟.
ودعا يوسف إلى التريث حتى نرى أداء الوزير، ورغم عدم توقعه بأن يحقق عرب الكثير إلا انه طالبه بأن يعمل على ان تصبح الثقافة ملك للجميع، وان يفعل بيوت الثقافة بالقرى ، والابتعاد عن الأنشطة الشكلية والاستعراضية التي لا تصل للأعماق المستهدفة، وان يعمل على تحويل تلك المؤسسات الثقافية من مجرد مبان عارية إلى ادوات فاعلة تفيد وتخدم الشعب.