أدى تزايد تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية للمملكة التي تعاني من شح الموارد خاصة الطاقة والمياه وتتزامن حاليا مع موجة الطقس الحار وشهر رمضان المبارك وهو ما يلقي بأعباء إضافية لبلد يصنف بأنه رابع أفقر الدول مائيا على مستوى العالم ويعتمد على 97% من احتياجاته من الطاقة على الخارج. وتشير المعلومات إلى أن الأردن يستضيف حاليا ما يزيد على 150 ألف لاجئ سوري، لم يتجاوز المسجل منهم لدى المفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين بالمملكة سوى 35 ألفا ،إلا أن هناك تقديرات لجمعيات أردنية تقدم الإغاثة للاجئين السوريين، تشير إلى أن أعداد اللاجئين الإجمالية قد تجاوزت 250 ألف لاجئ موزعين على مواقع مختلفة في المملكة الأمر الذي يلقي أعباء كبيرة وضغطا على الأردن في ظل تقديرات بأن كلفة استضافته اللاجئين السوريين تبلغ 300 مليون دولار.
ويشكل ارتفاع عدد اللاجئين السوريين النازحين إلى الأردن بشكل يومي ضغطا متزايدا على البنية التحتية وموارد المياه في الأردن الذي تشكل الصحراء نحو 92 % من مساحته وسط تقديرات بأن كل لاجئ يحتاج إلى ما لا يقل عن 80 لترا من المياه يوميا مما يكلف المملكة ماليا ويشكل ضغطا متزايدا على مواردها المائية وبنيتها التحتية.
ووفقا لأرقام رسمية يعتمد الأردن الذي يبلغ عدد سكانه نحو 6.7 مليون نسمة على مياه الأمطار لتغطية احتياجات البلاد من المياه في حين يفوق العجز السنوي من المياه نحو 500 مليون متر مكعب وتبلغ حصة الفرد من المياه 150 مترا مكعبا سنويا وهي من أدنى المعدلات في العالم حيث تبلغ في الدول المتقدمة نحو ألف متر مكعب سنويا .
ويشكل اللاجئون السوريون ضغطا كبيرا على موارد المياه في الأردن خاصة في المناطق الشمالية المتاخمة للحدود مع سوريا في كل من الرمثا وإربد والمفرق والتي تعاني جميعها من شح كبير في المياه برزت على السطح مؤخرا مما دعا وزير المياه والري الأردني المهندس محمد النجار إلى القول" بأن هناك ارتباكا في خطط الطوارئ لمعالجة الاختناقات المائية التي تواجهها مختلف المحافظات الأردنية حاليا".
أوضاع صعبة ويطالب الأردن الذي يواجه أوضاعا اقتصادية صعبة للغاية خاصة في ظل تنامي حجم المديونية والعجز المالي في الموازنة العامة للمملكة، بمساعدات دولية عاجلة تمكنه من تقديم الخدمات اللازمة للاجئين السوريين على أراضيه خاصة مع تزايد موجات النزوح والتي تتجاوز حاليا ألف لاجئ يوميا مع تصاعد معدلات العنف وتطورات الأوضاع في سوريا .
وتشير تقديرات رسمية إلى أن العجز المالي للموازنة الأردنية قد يصل إلى مستويات غير مسبوقة ستتخطى حاجز 2 مليار دينار أو ما نسبته 9.3% من الناتج المحلي الإجمالي خلال العام الجاري بعد أن كان متوقعا لها حوالي مليار دينار أو ما نسبته 4.6 % من الناتج المحلي الإجمالي، وسيدفع العجز بصافي الدين العام إلى الارتفاع إلى حوالي 17.5 مليار دينار.
ويؤكد مسئولون أردنيون على ضرورة أن يساهم المجتمع الدولي في مساعدة الأردن لتمكينه من تقديم الخدمات اللازمة للاجئين السوريين على أراضيه نظرا لأن وجود هذا العدد الكبير على أراضيه يلقي بضغوط ضخمة على البنية التحتية للبلاد ويترتب عليه كلفة مالية باهظة لا يمكن الوفاء بها من دون مساعدات دولية.
وكان السفير الأمريكي في عمان ستيوارت جونز قد أشار أمس إلى أن حكومة بلاده ستقوم بتحويل 100 مليون دولار إلى الأردن لمواجهة القضايا المالية الصعبة التي تواجهه، معتبرا أن هذه المنحة مقدمة في وقت حرج وخلال ظروف استثنائية تسعى الحكومة الأردنية خلاله إلى معالجة الضغوط على الميزانية نتيجة لاستمرار آثار الأزمة المالية العالمية والانقطاع المتكرر للغاز المصري إلى جانب التكاليف الإضافية التي تتمثل في توفير الخدمات الاجتماعية والسلع الأساسية المدعومة إلى أولئك الذين فروا من أحداث العنف المروعة في سوريا.
مخيمات الطوارىء وقد دفعت الأعداد الكبيرة للاجئين السوريين في الأردن الحكومة إلى تجهيز أول مخيم رسمي سيتم افتتاحه خلال أيام في منطقة "الزعتري" الواقعة بالقرب من لواء البادية الشمالية في محافظة المفرق (75 كيلو مترا شمال شرق عمان ) على مساحة تتراوح ما بين 7-8 كيلو مترات مربعة وذلك بالتعاون مع المفوضية العليا للأمم المتحدة لشئون اللاجئين والهيئة الخيرية الهاشمية وذلك لتجهيز الدفعة الأولى من الخيم والتي ستكون جاهزة لاستقبال حوالي خمسة آلاف لاجئ سوري .
وكانت الحكومة الأردنية قد أعلنت رسميا في الثامن من الشهر الجاري الموافقة على إنشاء مخيمات لجوء رسمية وصفتها ب"الطوارئ"، نظرا لتزايد أعداد اللاجئين السوريين وذلك بخلاف العمل على تجهيز مخيم في منطقة "رباع السرحان" بمحافظة المفرق والذي أعلنت عنه مفوضية الأممالمتحدة لشئون اللاجئين في وقت سابق.
ولا تقتصر الأعباء الاقتصادية التي يتحملها الأردن على موجات النزوح الكبيرة للاجئين السوريين إلى أراضيه فقط بل تمتد أيضا إلى التبعات والأعباء السلبية الناجمة عن تأثر 70% من حركة التجارة الأردنية التي تجرى عبر الحدود السورية نتيجة للأوضاع المتفاقمة داخل سوريا والتي تتصاعد يوما بعد يوم إلى الأسوأ.
ويرى المراقبون أن إحدى الظواهر الأخرى المقلقة لتدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن تتمثل في انتشار للعمالة السورية في الأسواق التجارية وأعمال الخدمات والحرف وغير ذلك من صنوف العمل في المملكة، الأمر الذي سيتسبب في حالة من الارتباك لدى الجهات الرسمية وخاصة وزارة العمل الأردنية في كيفية التعامل مع هذه الظاهرة والتي تصاف إلى واقع مرير في سوق العمل الأردني نظرا لكون العمالة الوافدة التي تقدر بنحو نصف مليون عامل تناهز ضعفي عدد العاطلين عن العمل من الأردنيين بحسب التقديرات الرسمية.
ويحذر المراقبون من الاستمرار في استقبال تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن دون ضوابط أو تقييم ومراجعة وعدم معاملتهم كلاجئين متضررين من عدم الاستقرار السياسي كما هو الحال مع جميع اللاجئين في العالم .
مشيرين إلى أن نزوح عشرات الآلاف من السوريين إلى الأردن هربا من العنف في بلدهم يشكل عبئا جديدا على البنية التحتية والاقتصاد الوطني الأردني في ظل غياب المنظمات الدولية عن تقديم سبل الحياة البسيطة لهم.
وتؤكد الحكومة الأردنية أنها تتابع باهتمام تفاقم الأوضاع في سوريا والحالة الأمنية التي تمر بها خاصة خلال الشهر الأخير الذي ازداد فيه تدفق اللاجئين السوريين إلى الأردن وأنها تعمل على اتخاذ جميع الإجراءات التي تضمن استقبالهم وتوفير الخدمات لهم بالشكل الإنساني اللائق بالتعاون مع المفوضية السامية للاجئين والدول المانحة، مع الأخذ بعين الاعتبار أمن واستقرار الأردن وأي انتهاك للأمن يمكن أن يتم عبر الحدود بين البلدين.