رأى النحات الكبير د. عبد الهادي الوشاحي الذي فاز بجائزة الدولة التقديرية أن تكريم الفنان الحقيقي يكون في وصول أعماله للناس وتأثيرها عليهم، وليست بجائزة تقديرة، فهو لم يسعد بالجائزة لاعتقاده بأن دوره يأتي كأي إنسان في المجتمع يحاول التأثير في الآخر بعمله وطريقة تفكيره والتفاعل معه. وقال الوشاحي في تصريح خاص ل"محيط" أن جائزة الفنان التشكيلي كان يجب أن تكون كالنصب التذكاري، بأن تكون أعمال الفنان ميدانية؛ لأن هذا هو مكانها الطبيعي. وهذا بخلاف أغلب الأعمال النحتية الموجودة في مصر حاليا والتي اعتبرها أعمالا قميئة، وغير فنية، لها تأثير في إرتباك عقل الإنسان المصري.
والفن التشكيلي برأي الوشاحي يختلف عن سائر الفنون الأخرى والآداب من ناحية التلقي؛ حيث أن هناك قصدية من قبل المتلقي لتناول هذه الفنون والآداب؛ فعندما يذهب أشخاص لمشاهدة مسرح أو سينما يشترون تذاكر لدخولهم دور العرض، كما أن قراءة الكتب تستوجب شراءها، إذا هناك قصدية في هذا، لكن تلقي الفن التشكيلي غير قصدي، بمعنى أنه لو يوجد عمل ميداني سيتأمله المارة بجانبه دون أن يدروا فيصب في الوعي؛ حيث يحرضهم العمل على التأمل، وبالتالي على إعمال العقل، وهذ كله يحدث في اللاوعي، ولم يقصده الشخص، وسيكون تأثير العمل عليه بعد ذلك بطريقة غير مباشرة. والنحت بصفة خاصة كما قال الوشاحي مكانه الطبيعي في الهواء الطلق، أي في الفراغ العمراني وليست في متحف. ووصف المتاحف بأنها اصبحت كالمكتبات قاصرة على الباحثين. وارجع الوشاحي بعض أسباب قلق وتوتر الإنسان المصري في عدم وجود أعمال صرحية فنية حقيقية في الميادين، فالتماثيل الموجودة حاليا بتعبيره تسبب تلوث بصري وإزعاج.
وعملية التلقي بالنسبة للأعمال الفنية المتلقاة بطريق غير مباشر لا تعتمد فقط على مرورها على العين، بل ينزل تأثيرها على المراكز العصبية، وهذا لو كان شكل الذي رآه المتلقي جميل أم قبيح، فإنه يترجم إلى حالة من الرضا أو النفور تصاحبها قلق وتوتر.
وعن القلق الذي يشهده المبدعين حاليا بسبب صعود التيار الإسلامي للحكم قال الوشاحي: لم اتخوف من تولي الدكتور محمد مرسي حكم مصر، كما لم أخاف من تجار الدين لأنهم كذابين ومراوغين وينقدون العهود، لكنني أرفض أي تجارة بالدين، فكما جاء بالقرآن الكريم "من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، وهذا كله عمره قصير، ومن المعروف أن العصور الوسطى كانت مظلمة بسبب حكم الكنيسة. لكن المبدع والمفكر يرتجف فقط لحظة الإبداع عندما تقطع الصلة بينه وبين من حوله؛ حيث ينتج أعماله في اللاوعي.
وأكد الوشاحي ل"محيط" بأنه لو لم يمارس مهنة النحت سيدخل النار؛ لأن الإبداع نعمة ومنحة من الله للبشر، وأيضا تفوق إنساني يجب المحافظة عليه. كما أن العين يجب تدريبها على رؤية الأشياء الجميلة وهذا دور المبدع.
وأوضح د. الوشاحي أنه في الستينيات كان يقصد بكلمة "فنان" الفنان التشكيلي فقط، أما الممثل فكان يسمى بممثل، والموسيقار موسيقار، والمطرب مطرب. كما كان من المعروف عما يربي ذقنه بأنه فنان تشكيلي.
وبالعودة للجائزة رأى الوشاحي أنها بالطبع تأخرت الكثير؛ لأنه حصل على جائزة الدولة التشجيعية ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى في عام 1981، لكن الجائزة سوف تذيده إصرار، وبالطبع سيكون لها تأثير على تلامذته الصغار أو الكبار، فهي بمثابة مثل للاستمرارية. وعن عدم إقامته معرض منذ فترة طويلة قال الوشاحي بانه ليست معني بإقامة المعارض منذ كان طالبا، بل بممارسة النحت لا أكثر ولا أقل، وأن يكون هناك مصداقية بينه وبين إنتاجه الفني. فهو كما قال يعي بألا يكون مراهقا ليقيم معرض كل فترة، فالهدف هو إنتاج عمل فني قوي. واشار الوشاحي إلى انه يكتشف أعماله بعد عام أو أثنين أو ثلاثة من إنتاجها، كما أنه عندما يعرض تمثالا لا يعود إليه مرة أخرى لأنه إما يقتنى أو يتم وضعه في متحف. بالإضافة إلى أنه أول تمثال وضع له في متحف الفن الحديث كان وقتها طالبا في السنة الثانية بكلية الفنون الجميلة. يذكر أنه تم تكريم د. عبد الهادي الوشاحي منذ حوالي شهر في متحف الفن الحديث بالأوبرا.