لعلها الكتب في مقدمة الرابحين من الاستعدادات المبكرة للاحتفال بمرور 270 عاما على ميلاد رجل جمع بين الحكم والفكر، وبين الفلسفة والسلطة، وهو الرئيس الأمريكي توماس جيفرسون الذي يوصف بأنه "أبو الفكر الليبرالي"، ويعد من أبرز الأمثلة التاريخية للعلاقة بين المثقف والسياسة وتناقضات الفيلسوف ومن بين هذه الكتب سلسلة من ثمانية مجلدات بقلم دوماس مالوني عن جيفرسون وعصره، تشهد رواجا كبيرا في المبيعات، وتوصف بأنها "رائعة من روائع السير الذاتية وفن الكتابة عن المشاهير والشخصيات التاريخية المثيرة للجدل حتى يومنا هذا".
وفي خضم هذه الحالة الاحتفالية التي انعكست على صفحات الصحافة أمسى فكر جيفرسون ومواقفه موضع جدل، فيما لم يكن هذا المفكر الكبير والذي تولى رئاسة الولاياتالمتحدة لفترتين، يخلو من تناقضات، مثل دفاعه عن الحرية مع امتلاكه في الواقع مئات من العبيد الأفارقة ورفضه تحريرهم من ربقة الرق.
كما عرف جيفرسون بكراهيته للهنود الحمر، وجهره برغبته في إبادتهم، رغم أنه مناضل كبير ضد الاحتلال البريطاني، وأحد أبرز رفاق جورج واشنطن في الكفاح من أجل الحرية، كما أنه كتب إعلان الاستقلال الأمريكي الذي ينص في فقرته الثانية على أن كل البشر خلقوا متساويين ومن حقهم الحياة في حرية والسعي للسعادة.
وجيفرسون هو من أدرج "حق الثورة" ضمن إعلان الاستقلال الأمريكي، والذي يؤكد أن من حق المواطن عندما تعتدي حكومته على حقوقه أن يلجأ للثورة لإسقاط هذه الحكومة.
ولعل ذلك التناقض في شخصية توماس بدا واضحا في الترتيبات للاحتفال في شهر إبريل المقبل بذكرى مولده، حيث اختار متحف سيموثيان في واشنطن، اسما دالا لمعرض في هذا السياق الاحتفالي، وهو: "تناقضات الحرية..العبيد في منزل توماس جيفرسون".
وقد تحول منزل جيفرسون الفخم في ريف فيرجينيا إلى متحف يروي قصة حياته الحافلة بالمتناقضات والإنجازات في مجال الفكر، بصورة تميزه عن أي رئيس آخر للولايات المتحدة، فيما تأثر بشدة بأفكار الفيلسوف جون لوك.
وفيما يتردد السؤال بقوة: "ماذا بقي من أفكار جيفرسون في أمريكا اليوم؟"، فإن جامعة فيرجينيا التي أسسها، ستكون منطلق الاحتفالات بذكرى مولده.
وعمل جيفرسون سفيرا للولايات المتحدة في باريس، كما شغل منصب وزير الخارجية في إدارة الرئيس جورج واشنطن، فيما صعد لمنصب نائب الرئيس جون آدامز، الذي تولى الرئاسة بعد رحيل واشنطن.
ولم يغفل الجدل الدائر في الصحافة الأمريكية والغربية حول الرجل الذي تمنى في آخر خطاب رئاسي له عام 1809 "أن تكون الولاياتالمتحدةالأمريكية إمبراطورية الحرية وحقوق الإنسان.
ومن الطريف والدال في الوقت نفسه، أن الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش، هو من قال :"إن العالم يردد حتى الآن أفكار توماس جيفرسون"، وإن كان هو نفسه لم يطبقها أبدا... أما المؤكد فهو أن الكتب استفادت كثيرا من الاستعدادات المكثفة للاحتفال بذكرى مرور 270 عاما على مولد رجل التناقضات الخطيرة.