* السادات وعدنا أننا سنغرق في السمن والعسل فأغرقنا في المجاري
* المفتي لم يكن موفقاً في زيارته للقدس
* عبدالناصر لم يكن ديكتاتوراً وانتصر للفقراء
* الفترة الانتقالية لم تغير شيئاً بمصر
حاورتها – سميرة سليمان
في بساطتها المعهودة أجابت الكاتبة والإعلامية فريدة الشوباشي عن أسئلتنا بصراحة، مؤكدة في حوارها مع "محيط" أنها ضد قانون العزل، وأن ما تشهده مصر الآن هو جراء الغوغائية التي تميز تيارات الإسلام السياسي، لكنها في خضم تلك الأحداث ترى أن القادم سيكون أفضل إذا وضع الرئيس الجديد نصب عينيه أهداف الثورة وعمل بجد على تحقيقها، ولأنها كانت مسيحية وأسلمت ترى أن مصر في السابق كانت أكثر تسامحاً ونبذاً للطائفية، محملة المخلوع مسئولية زرع نبتة الطائفية الفاسدة داخل مصر، واصفة عبدالناصر أنه أعدل من حكم الأمة بعد سيدنا عمر..وإلى نص الحوار.
محيط: ما رأيك بقانون العزل..وكيف تقيمين سباق الرئاسة بعد خروج الكبار؟
- أنا ضده، لأن من عوّل على إرادة الشعب في الانتخابات البرلمانية ووصفها بأنها نزيهة وأن الشعب قادر على اختيار الأصلح، لا يمكنه أن يفرض قانون العزل الآن خوفاً من وضعه في اختبار قد لا تكون نتيجته لصالحهم، وأتحدث عن تيارات الإسلام السياسي، الذين يريدون فرض وصاية على الشعب الذي استطاع بوعيه عزل الفلول دون وجود قانون لذلك أثناء الانتخابات البرلمانية.
أما عن خروج بعض المرشحين من سباق الرئاسة فأرى أن لا أحد فوق القانون مهما علا منصبه، لأن انتشار الفساد كان بسبب أن القانون لا ينفذ، فأتعجب لما يفعله أنصار الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، فليس المهم أن يكون مظهري مسلماً بل أن أتحلى بأخلاق الإسلام وسماحته، مفضلاً إعمال العقل الذي حفلت به آيات القرآن بعيداً عن الغوغائية التي يستخدمها الفصيل الديني.
فما يفعله أبو إسماعيل وأنصاره منحى لا يليق لأنهم لا يريدون الاعتراف بالقانون، رغم أن عمر سليمان الذي يصفه باقي المرشحين بأنه من أذناب النظام السابق احترم القانون الذي استبعده.
محيط: من يتمتع بالحظ الأوفر للفوز بالسباق برأيك؟
- حسب الاستطلاعات الأقرب للفوز عمرو موسى ود. عبدالمنعم أبو الفتوح، لكني أرغب في توحيد الصف الثوري على مرشح واحد، يمكنه تحقيق أهداف الثورة التي نحلم بها، وأن يضع في اعتباره أن لدينا 40% أمية، 60 % فقر، ويهتم بشعار الرئيس الراحل جمال عبدناصر "من لا يملك قوت يومه لا يملك حرية قراره"، وهو ما نراه بالفعل فاختياراتنا لا تنبع منا لأننا نستورد 85 % من غذائنا، وهذا ما فعله النظام السابق الذي يجب أن يحاكم على جرائم أكثر بشاعة مما يحاكم عليها الآن أبرزها تردي مصر في التعليم، والمستوى الصحي فلدينا أعلى نسبة سرطان، وأعلى نسبة إصابة بفيروس سي في العالم، وكذلك الفشل الكلوي، فضلاً عن ازدياد البطالة وإغلاق الآفاق أمام الشباب، ببيع المصانع لرموز نظام مبارك العصابي بأرخص الأثمان، بالإضافة إلى تراجع دور مصر إقليمياً وعربياً، فيحكي دكتور البرادعي كيف أن الدول العربية ودول العالم الثالث كانت تنتظر قرار مصر في أي قضية لتحذو حذوها، وهو ما نفتقده الآن.
محيط: كيف ترين الاضطرابات التي تشهدها مصر الآن؟ - المشهد الآن طبيعي، ولنتذكر قول نابليون "قل لي من يحكم مصر أقل لك من يحكم العالم"، فمصر هي أقدم دولة في التاريخ هضمت حضارات إنسانية كثيرة، وأخرجت نسيج خاص بها، وهو ما يجعلني أتفاءل بالقادم، كما أن الوحدة في ميدان التحرير لمدة 18 يوم دون مؤسسات تدل على عظمة ذلك الشعب، الذي لم يستجب لتليفزيون بلده الرسمي حين حرض المسلمين على الأقباط أثناء أحداث ماسبيرو.
ورغم أن الفترة الانتقالية لم نشهد بها تغييراً طوال 15 شهر، فلا شئ من شعارات الثورة ترجمت في الواقع، حتى على المستوى البسيط فمثلاً شوارع مصر تعاني من القمامة، فهل معقول أن تتعاقب ثلاث حكومات ومع ذلك لم يستطيعوا تنظيف الشوارع، ومع ذلك فالقادم لابد أن يكون أفضل، لأن وحدتنا ستتغلب على كل شئ، وسيكشف الشعب الأصابع القذرة التي تريد تفتيت مصر.
محيط: وصفتِ مصر في السابق بأنها أكثر تسامحاً ونبذاً للطائفية فماذا تغير الآن؟
- كنت مسيحية وأسلمت حتى أتزوج من الكاتب علي الشوباشي، حينها لم تعترض أسرتي من باب أننى مسيحية وهو مسلم، ولكن من باب الخوف من المعايرة فى المجتمع وبين أفراد الأسرة.
المجتمع أيضاً لم يكن متزمتاً ومتعصباً، ففي فصلى بالمدرسة كان هناك ثلاث بنات يحملن اسم "فريدة" ويفرق بينهن اللقب الذى يعبر عن الديانة، واحدة مسلمة وأنا مسيحية والثالثة يهودية، تعايش ثلاثة أديان في فصل واحد دون أن يسأل أحد الآخر عن اعتقاده أو دينه، لأنه ليس من سلطة إنسان أن يحاسبني على علاقتي بربي.
وفى اعتقادى أن الديانات الثلاث جاءت لتكمل بعضها البعض، لأن كل ديانة نزلت على البشرية لتسن شرائع الله بالتدريج وتقود الإنسان إلى علاقة خاصة مع الله، والطائفية في مصر انتشرت بسبب انسحاب الدولة من واجباتها، بدأ ذلك في عهد الرئيس السادات، ثم تأجج في عهد الرئيس المخلوع، الذي لم يهتم سوى بتأمين كرسي العرش لابنه، وبالتالي أصبح الناس في فقر مدقع، يدينون بالولاء لمن يوفر لهم قوت يومهم، ومن ثم ينفذون ما يريد، فقد نفذ السادات والمخلوع من بعده سياسة وزير خارجية أمريكا الصهيوني هنري كيسنجر ببراعة، حين قال أن أكبر ضمان لبقاء إسرائيل في المنطقة العربية هو تفتيت المنطقة إلى دويلات طائفية وعرقية، وهو مخطط بدأ منذ أيام السادات.
في حين أن عهد عبدالناصر شهد الحث على قيمة العمل وكان الناس منشغلون بالبناء فقط، فقد كنا نعمل تحت شعار "العمل حق وشرف وواجب".
محيط: لم يغير اعتقال عبدالناصر لزوجك في 1959 إيمانك بالفكر الناصري إلى الآن كيف ذلك؟
- أنا ناصرية حتى النخاع، فعبدالناصر امتلك مشروع نهضة مثل محمد علي، لذلك حورب من جميع القوى التي لا تريد لمصر أن تنهض، والدليل على ذلك أن بن جوريون أول رئيس للدولة الصهيونية العنصرية قال لا استطيع أن أتحمل على حدودي دولة تحقق 7% معدل تنمية في العام، فحينها لم يكن لدينا بطالة أو فقر، كما أن ناصر كفل الحياة الكريمة لكل مواطن، فانا ابنة أسرة متواضعة ومع ذلك تعلمت جيداً، وأتقنت الفرنسية وسافرت إلى الخارج وعملت في إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية، كل هذا بفضل ثورة يوليو التي علمتني جيداً وأعطتني الفرصة الحقيقية لأظهر ملكاتي دون الارتكان إلى واسطة.
وأرى اعتقال عبدالناصر لزوجي، أمر طبيعي لأنه كان عضواً في تنظيم سري بهدف قلب نظام الحكم بالقوة، وحين سألت زوجي إذا كنت مكان عبدالناصر كيف ستتعامل مع التنظيمات السرية فضحك وأجاب أنه سيفعل مثل ما فعله معنا، فأنا موضوعية لذلك لم يؤثر اعتقال عبدالناصر لزوجي على حبي له.
وأصبحت ناصرية يوم 9 يونيو حين سمعت إذاعتي صوت أمريكا وصوت إسرائيل، وهم يطالبون الشعب المصري بضرورة رحيل الديكتاتور عبدالناصر الذي تسبب في الهزيمة، أصبحت ناصرية لأني وجدت أن أمريكا وإسرائيل يملون رغباتهم علينا، وأدركت حينها أن الخطر كبير، وإذا تنحى عبدالناصر فسيكون هذا أكبر انتصار لتلك الدول، لذلك نادينا بعدم رحيله ورفضنا الهزيمة، وأشعر أنه في هذا اليوم تم اتخاذ قرار العبور، الذي بدأ بحرب الاستنزاف الذي وصفها أحد قادة المخابرات الإسرائيلية بأنها أشرس وأطول وأوجع حرب خاضتها إسرائيل مع العرب.
وأجيب على من يرددون أن عبدالناصر كان ديكتاتوراً، أن الديمقراطية عادة تقاس بالنتيجة، وبالنسبة لما حققه من إنجازات فهو أكبر ديمقراطي حكم الأمة بعد سيدنا عمر، لأنه انتصر للأغلبية الساحقة من الشعب المصري وهم الفقراء، ولا يمكننا محاسبته لأنه نكّل بأعوان الاستعمار وفلول الملك فاروق، وما يروى عن التعذيب في السجون بهذه الوحشية كذب، فزوجي حين رأى فيلم "الكرنك" استنكر ما يشاهده وأكد لي انه مكث في السجن سنوات لم ير ما يتضمنه الفيلم أبداً، لكن هذه الأفلام كانت من أجل تشويه المرحلة الناصرية في نظر الأجيال الجديدة، التي انتصرت له ورفعت صوره في ميدان التحرير، لأن عبدالناصر كان من المبشرين والمتفانين في إرساء مبدأ العدالة الاجتماعية.
محيط: تدفعين عادة ثمن تمسكك بالمبادئ واختياراتك كيف ذلك؟
- حياتي كلها لحظة اختيار، فمنذ صغري اخترت مساعدة أبي وأعطيت دروساً فرنسية لزميلاتي، ثم أحببت شخصاً على غير ديني ولم ارتض غيره زوجاً لي، وبالفعل فعلت ما أملته علي مشاعري وقناعاتي، وهكذا فعلت أثناء عملي في إذاعة "مونت كارلو" الفرنسية، حين طلبوا مني إجراء حوار مع السفاح الصهيوني شيمون بيريز الذي كان له دور كبير في قتل أسرانا، ومن غير المعقول أن أصافحه وأقابله وأعطي له الفرصة أن يكذب على المستمعين عن طريقي، لذلك رفضت إجراء الحوار، ودفعت ثمن اختياري بأن فقدت عملي، وحينها تذكرت قول السيد المسيح "ماذا يفيد الإنسان لو كسب العالم كله وأخيرا خسر نفسه"، ثم بفضل الله الذي يقف دائماً مع الحق جئت إلى مصر واسترددت مكانتي الإعلامية، والآن بصدد إصدار كتاب بعنوان "كاتم صوت" لأني حين فُصلت من الإذاعة الفرنسية شعرت أن إسرائيل تكتم صوتي، لذلك أروي في هذا الكتاب تجربتي وماذا حدث لي بعدها من نجاح.
محيط: بماذا شعرتِ حين زار المفتي القدس؟
- حزنت، ففضيلة المفتي لم يكن موفقاً برأيي في تلك الزيارة، التي قال أنها تحرج إسرائيل وهم تصريح أصابني بالضحك الذي يشبه البكاء، فإسرائيل هذا الكيان الغاصب الذي يقتل الأطفال بقنابل فسفورية لا شئ يحرجها، كيف تصلي في مسجد يحرم على أهله الصلاة فيه، وكيف نزور دولة لا تحترمنا وتهددنا كل يوم بضم أراض جديدة ويطرد أصحابها منها.
كذلك أرى أن ما فعله المفتي يشبه ما فعله السادات حين وقع اتفاقية السلام مع إسرائيل حينها أهدر انتصارنا، بفضل الحسابات السياسية والولاء السياسي الذي في رأيي لم يفد مصر، فبعد اتفاقية السلام سلخ السادات مصر عن محيطها العربي، ووعدنا بأن نغرق في السمن والعسل، لكننا غرقنا في المجاري.