بعث الدكتور محمد مرسى في مؤتمره الصحفي الأول كمرشح رئاسي عن جماعة الإخوان المسلمين وحزبها ( الحرية والعدالة) بعدة رسائل في اتجاهات متعددة. أجواء المؤتمر الذي عقد بالقاهرة في وقت سابق اليوم "السبت" سادتها لغة تصالحيه من جانب المرشح " الاحتياطي" لتهدئة مخاوف القوى السياسية الأخرى تجاه الأداء السياسي للجماعة والحزب غداة مليونية " تسليم السلطة".
ويعتقد مراقبون أن جماعة الإخوان المسلمين تعرضت لأزمة مصداقية كبيرة خلال الفترة الماضية ، بل أن البعض يشير إلى أن تلك الأزمة ربما تكون من أهم الأزمات التي مرت بها الجماعة منذ تأسيسها على يد حسن البنا في الإسماعيلية شمال شرق القاهرة عام 1928 ، وهي أي الجماعة تحاول تجنب التأثيرات التي يمكن أن تصيب تماسكها التنظيمي جراء تلك الأزمة.
وترى قيادات في مكتب الإرشاد وفى مجلس الشورى العام لجماعة الإخوان المسلمين أن إخفاق مرسى في الفوز بمنصب الرئيس سيعود بتبعات كبيرة على الجماعة ومدى مصداقيتها لدى الرأى العام فى الداخل والخارج، لذلك فان الجماعة تحشد كافة إمكانياتها لخوض معركة شرسة في انتخابات الرئاسة لتضمن فوز مرشحها.
ويبدو أن الجماعة دشنت حملة مرشحها الرسمي الدكتور محمد مرسى رئيس حزب الحرية والعدالة اعتبارا من اليوم حيث قام عقب المؤتمر مباشرة بالتوجه الى محافظة البحيرة مع المهندس خيرت الشاطر نائب المرشد العام للجماعة بزيارة مشتركة لمحافظة البحيرة ليعقد مؤتمرا انتخابيا كبيرا هناك.
كما أعلنت الجماعة في بيان رسمي أن مرسي سوف يحظى باستقبال وصفته بالأسطوري خلال زيارته المرتقبة بعد غد الأحد إلى محافظة الدقهلية حيث من المقرر أن تصطف الكوادر الاخوانية وعائلاتها في القرى الواقعة على طول الطريق المؤدية إلى مدينة المنصورة لاستقباله، بما ينبئ بتخطيط الجماعة لتقديم مرشحها بصورة إعلامية تستهدف مخاطبة عقول المواطنين المصريين العاديين بإظهار مدى قوتها وانتشارها في أقاليم مصر المختلفة.
المنتقدون للجماعة يشيرون بأصابع الاتهام إلى مواقفها خلال العام المنصرم من عمر الثورة وتحالفها مع المجلس العسكري ضد استمرار الزخم الثوري لتحقيق أهداف ثورة 25 يناير، وتعاونها الواضح في " تبريد الثورة" عبر الموافقة على قانون تجريم التظاهر والاعتصام وعدم الوقوف بالقوة الكافية ضد ممارسات النظام الأمني ضد الثوار فى ماسبيرو ومحمد محمود ( 1 و 2 ) ومجلس الوزراء وغيرها.
هذه الانتقادات والأسئلة وعلامات الاستفهام المتعددة حاول مرسى أن يجيب عليها في المؤتمر الصحفى الذى عقد بالقاهرة اليوم، من بينها علاقته بالجماعة والحزب حال فوزه، ورؤيته لعلاقات مصر الخارجية وبرنامج النهضة الذى طرحته الجماعة ومدى الاتفاق على مرشح واحد للتيار الاسلامى، وكل الإجابات صبت فى خانة إرسال رسائل تطمين لكل من يهمه الأمر فى مصر وخارجها.
وركز مرسى على أن جماعة الإخوان المسلمين لن تحكم مصر حال فوزه في انتخابات الرئاسة المقبلة وانه سيكون رئيسا مستقلا لكل المصريين يعمل طبقا للدستور المصري وليس طبقا للائحة الجماعة أو حزبها، وأنه في حال نجاحه سيستقيل مباشرة من رئاسة حزب الحرية والعدالة حتى يكون رئيسا للمصريين جميع يعمل من أجل أمن الوطن ومصلحة المواطن باستقلال تام .
وفي سياق الحديث عن العلاقات الدولية وموقفه من إسرائيل إذا فاز في الانتخابات المقبلة، قال مرسي إن مصر دولة كبيرة ومهمة ولها علاقات وتمثيل دبلوماسي والمؤسسة الديمقراطية تفرض على الرئيس أن يكون معبرا عن كل المصريين وان يحترم اتفاقيات الدولة المصرية مع بقية الدول"، مشددا على أن رئيس مصر المقبل لن يكون تابعا أو غير معبر عن إرادة المصريين الذين تمثل لهم القضية الفلسطينية قضية محورية، وقال:"نحن قادرون أن نحمي وطننا ونرفع الظلم عن انفسنا ونعلن اننا ضد الاستعمار ولن نتخلى عن القضية الفلسطينية"
وأوضح مرسي أن حزب الحرية والعدالة يسعى من خلال ترشيحه فى انتخابات الرئاسة إلى وجود منافسة مفتوحة مع بقية المرشحين، وقال:" نريد منافسة شريفة مع كل المرشحين الذين أؤكد على وطنيتهم، والحزب والجماعة لا يحجران على رأي أحد وسنحترم نتيجة الانتخابات ومن سيختاره الشعب المصري."
وأضاف إننا نعني ما نقول، وماضون حتى نهاية الشوط، ونقبل باختيار المصريين، ولذلك فان المنافسة الشريفة هي الضمان لاحترام الجميع عبر إعلان واضح وموقف واضح في كل الأمور وهو ما نقدمه وتقدمه مؤسسة الإخوان المسلمين "
وفي سياق الحديث عما إذا كان سيختار المهندس خيرت الشاطر نائبا له في الانتخابات المقبلة أكد مرسي أنه إذا ما اختاره الشعب المصري كرئيس للبلاد فإنه سينطلق من إدارته وحاجته مشيرا الى أنه أمر مؤجل لما بعد انتهاء الانتخابات ولن يحسم إلا حينها.
وبالنسبة للدستور، قال مرسي " هناك توافق في الدستور المصري الذي يتم مناقشته الآن على أن يكون النظام في المرحلة الانتقالية نظاما مختلطا شبه برلماني وسيكون هناك مهام للرئيس ومهام لرئيس الوزراء" .
وفي إجابته على سؤال عن موقف الحزب من حكومة الدكتور الجنزورى في ظل ترشحه، أكدمرسي ان الحزب طالب بإقالة حكومة الجنزوري لا طعنا في أشخاصها وإنما لضعفها على حد تعبيره مؤكدا أن الحزب يسعى إلى تشكيل حكومة ائتلافية تتمتع بالأغلبية، مشددا على أن الحديث عن الحكومة في هذه المرحلة يحتاج الى ما وصفه بدقة في العرض .
واعتبر مرسي أن ترشيح الحزب له وتبنيه مشروع النهضة فرصة لتقديم شعار "الإسلام هو الحل" بشكل عملي حيث يقدم برنامج النهضة علاجا للمشكلات في إطار المرجعية الإسلامية "كنا نقدم أنفسنا بشعار الإسلام هو الحل وكان الجميع يرونه شعارا عاما ونحن اليوم نجد فرصة في تقديمه بشكل عملي ".
وشدد مرسي على أن الشعب المصري بإقباله في الانتخابات المقبلة ووعيه سيكون الحصن أمام التخوفات من قيام اللجنة العليا للانتخابات بالتزوير مؤكدا أنها ليست محكمة وإنما هي جهة إدارية وان إعلان الجماعة والحزب عن تخوفهما من حدوث تزوير جاء بعد استبعاد اللجنة لمرشحهما السابق المهندس خيرت الشاطر رغم سلامة موقفه القانوني، مؤكدا أن تحذير الشعب المصري واجب علي الحزب ضمن منظومة العمل الديمقراطي الواسع .
وفي إجابته عن موقفه من المشير طنطاوي وهل سيتم اختياره ليكون وزيرا للدفاع في الحكومة القادمة قال مرسي "عندما يكلف رئيس الجمهورية المنتخب مواطن مصري بتشكيل الحكومة فمن ضمن آليات التشاور ان يكون هناك تنسيق وتعاون لاختيار الوزير المناسب في المكان المناسب والمجلس الأعلى للقوات المسلحة هو المعني بالتشاور في اختيار وزير الدفاع والتشاور وليس فرض الرأي".
وحول جهود توحيد الصوت الاسلامى فى انتخابات الرئاسة وما تردد عن زيارة قيادات الهيئة الشرعية للحقوق والاصلاح ( ذات التوجه السلفي) لمكتب الارشاد ومقابلة المرشد، نفى مرسي أن تكون الهيئة الشرعية قد زارت مكتب الارشاد لبحث دعم مرشح الإخوان كاشفا انه هو أي مرسى الذي زار الهيئة يوم أمس الجمعة لعرض برنامجه والإجابة على تساؤلاتهم وذلك ضمن سعي الهيئة الشرعية للالتقاء مع كل مرشحي الرئاسة ليعرضوا برامجهم عليهم.
وقال :" كنت معهم بالامس وهم لم يذهبوا لمكتب الارشاد لكن بعض رموز الدعوة السلفية قابلوا المرشد العام وهم لم يعلنوا موقفهم بشكل واضح حتى الآن".
وشدد مرسي أن الجماعة لم تتراجع عن وعودها وقال إن القرار الأول الخاص بدفع مرشحفي انتخابات الرئاسة جاء- حسب قوله- طبقا لما وصفه بمعطيات ومناخ وحالة كانت موجودة قبل سقوط الرئيس المخلوع وبعد مرور اكثر من عام وبعد تغير الظروف تمت دراسة الامر مرة أخرى.
وأعتبر مرسى ان القرار الجديد لا يعد تعديلا أو الغاء للقرار الأول، وانما القرار القديم كان قائما الى ان جاء القرار الجديد، مضيفا: "نحن لا نغير قرارنا عن هوى او رغبة في سلطة وانما من منطلق المصلحة الوطنية".
ورغم هذه الرسائل التي وجهها المرشح الرسمى لجماعة الإخوان المسلمين ورئيس حزب الحرية والعدالة الى العديد من اطراف العملية السياسية يبقى السؤال الأهم:" هل يمكن للرأى العام والقوى السياسية وبقية أطراف العملية السياسية فى مصر وخارجها ان تطمئن للوعود التى تقطعها الجماعة على نفسها مستقبلا بعد ان جربت التزامهم بوعودهم خلال الفترة الماضية؟.