عقد قسم الحضارات العربية والإسلامية بالجامعة الأمريكيةبالقاهرة مؤتمر التاريخ السنوي علي مدار ثلاثة أيام بمقر المجلس الأعلى للثقافة، في دار الأوبرا المصرية تحت عنوان "الاحتجاج والانتفاضات والثورات في تاريخ مصر والعالم العربي" حيث كانت ظلال ثورة 25 يناير والإسلاميين هي المسيطرة علي معظم أجواء الأبحاث التي ألقيت خلال المؤتمر ، وربما يعود هذا إلي الأحداث الجارية في البلاد هذه الأيام والصراع علي لجنة الدستور والبرلمان . وركز المؤتمر هذا العام على عدة موضوعات مثل الربيع العربي، والاحتجاج في التاريخ العربي، والاحتجاج والثورة، والاحتجاج في الثقافة الشعبية، وفن وثقافة الاحتجاج، والدين والاحتجاج والثورات من منظور مقارن. وتحدث في المؤتمر نخبة من الباحثين المتميزين من العديد من الجامعات والمؤسسات في مصر والأردن والولايات المتحدةالأمريكية وبريطانيا وفرنسا والبرازيل، مثل الدكتور سيد لعشماوي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة القاهرة و نهى خلف، باحث مشارك وأستاذ زائر بمركز بحوث الشرق الأوسط بجامعة كولومبيا و حمدي سليمان من جامعة المنوفية ، وهند عبد الرحمن من جامعة حلوان ، والباحثة شيماء فرغلي والباحثة زينب محمود البكري من جامعة القاهرة . أدهم الشرقاوي وخنوفة رموز شعبية مصرية وجاء اليوم الأول متضمنا بعض العناوين الرئيسية مثل "من تصادم الحضارات إلي تصدم الافكار" ، و"حركات المعارضة في عهد الظاهر بيبرس" ، و"قوانين الإصلاح الزراعي وثورة 1952". وكذلك ورقة الدكتور سيد عشماوي والتي تناولت العلاقة بين البلطجة والمجتمع بعنوان " عصب مسلحة : انفصال معاير الشرعية والمجتمع المحلي في مصر في القرن التاسع عشر " والتي تحدث فيها عن أوضاع البلطجية والخارجين عن القانون والأشقياء واللصوص وأولاد الليل ، في ظل تراجع سلطة الدولة وتعطيل التشريعات والقوانين وانتشار الفساد وما يسمي بالانفلات الأمني . حيث تحدث الورقة عن نماذج من هؤلاء في القرن التاسع عشر والعشرين والتي تلقي بظلالها علي أوضاعنا الحالية مثل قصة أدهم الشرقاوي والذي مات عن ثلاثة وعشرون عاما سنة (1998 1922) بعد ان دوخ الحكومة و كما يقول د عشماوي فإن الخطاب الحكومي عنه يصفة بالمجرم والشقي وطاغية أما الخيال الشعبي يعتبره لص شريف يسرق من الأغنياء ليعطي الفقراء ، لا يبالي بالحكومة ولا ببطشها ، ويهدد العمد والمشايخ ، وهذا الأمر يلقي رواجا عند عامة الناس من البسطاء والمعدمين والمهمشين الذين يجدون بغيتهم في مثل هذه القصص التي يتغنون بها في المأثورات الشعبية . أما قصة الزعيم القيادي (خنوفة) والتي ظهرت علي السطح بعد ثورة 25يناير في عزبة أبو قرن بالقرب من جامع عمرو بن العاص حيث تظاهر الأهالي وقطعوا الطريق واعتدوا علي قسم شرطة مصر القديمة والمنيل . وقاد خنوفة كما يقول الدكتور عشماوي في ورقته حالة من التمرد ، ورددت الروايات الرسمية الحكومية مقولة انه بلطجي وأثم ومنحرف ، أما الروايات الشعبية فتذكر انه كان يحمي الأهالي من البلطجية ولا يعتدي علي الفقراء او احد يقال عنه مظلوم وكان يتمتع بشجاعة نادرة الحدوث ، وبل كما أخبره الأهالي أنه كان ينصف المظلوم ويقف ضد المتكبرين والأقوياء أكلي قوت الغلابة والمستضعفين، وقد بكاه أهالي عزبة أبو قرد عندما عرفوا انه مات في السجن منتحرا كما تقول الروايات الرسمية أو كما يردد زملائه انه قتل من التعذيب في سجن الليمان . العسكر وقانون الإصلاح الزراعي وقدمت الباحثة هند عبد الرحمن ورقة بعنوان" ثورة 1952وقوانين الإصلاح الزراعي في المنيا " تناولت فيه مقاومة ملاك الأراضي الزراعية للمشروع عبد الناصر حيث قام أحد الملاك من المنيا وهو "عدلي لملوم" بمقاومة السلطات وأطلق أعيرة نارية علي مركز الشرطة وقتل عدد كبير من المواطنين الأبرياء وحكم عليه بالمؤبد حينها ، حيث كان لملوم يمتلك ما يقرب من 1800فدان ، حيث كان من المعلوم في الخمسينيات والستينيات قيام العسكر بعمليات تصفية الإقطاع والإقطاعيين من أسرة محمد علي . وذكرت الباحثة مفاجئة ان معظم الأراضي التي صادرتها الدولة في عصر عبد الناصر رجعت إلي أصحابها مرة أخري عام 1974، وأنتهي مشروع قانون الإصلاح الزراعي والادهي انها أكدت ان كثير من الضباط الأحرار كانو يتصرفون في أملاك الدولة المصادرة علي اعتبارها املاكهم الشخصية . وكانوا يعطونها لأقاربهم وذويهم بل وأيضا لبعض الأميرات من أسرة محمد علي لعلاقات وصدقات؟؟؟!! ، ولم تعطي للفلاحين وتوزع عليهم كما هو معلوم، إلا علي وجه الدقة حصص بسيطة للفلاحين والفقراء في ذلك الوقت . وفي اليوم الثاني قدمت الباحثة سماح السلاوي ورقة بعنوان " ثقافة الاحتجاج في العصر المملوكي من خلال الأدب الشعبي " ذكرت فيها أسباب الاحتجاج التي كانت تمر بها مصر في العصر المملوكي حيث أكدت انها كانت بسبب نقص الموارد الغذائية والسلع التموينية والتعذيب والإعتقال الذي كانت تمارسه الدولة بدون وجه حق ضد المواطنين الأبرياء . بجانب فساد الموظفين الإداريين وقدرتهم علي فرض الضرائب والمكوث علي المواطنين ، وتناولت السلااوي الألقب والنكات التي كان يطلقها العامة من الناس علي الحكام والأمراء والسلطين مثل لقب المجنون الذي كان يقال علي السلطان بلباي (المجنون) ولقب المستكفي بالله الذي أطلقوا عليه المستعطي ولقب الدم الأسود علي سيف الدين ملكتمر وغيرها من الالقاب الساخرة ، وأيضا الأشعار التي تناولها المصريون مثل يا مالك الملك يا من بالعباد ألطف دبر عبيدك وأصلح دولة الاشرف وتؤكد الباحثة في ورقتها أن الإنسان المصري أستطاع رغم ضغوط الحياة وأوضاعه المتردية ان يحتج ويثور بكل طاقته وكما أشارت الباحثة في ورقتها فقد ظهر ذلك بشكل جيد في الأدب والمأثورات الشعبية التي كانت نتاج آلام وأحلام وأماني العامة من الناس في كل أوقات حياتهم. المصري افندي الثائر الأعظم وتناولت الباحثة سحر حسن احمد "شخصية المصري أفندي كرمز للاحتجاج والثورة" علي صفحات مجلة روزليوسف في عام 1922حيث لعبت هذه الشخصية الكاريكاتورية دورا هائلا في السياسية المصرية علي مدي سنين ودخلت كما تري الباحثة الشابة في مواجهات ومع اركان النظام السياسي في ذلك الوقت مما أدي إلي صدامات مع الزعماء ورجال السياسية وانتهت في كثير من الأحيان في السجون والمعتقلات ، فكانت شخصية المصري افندي نوع من الاعتراض والثورة علي سياسيات الحكام وطريقتهم في إذلال البسطاء من الناس . النوازل والفتاوى وتعبيرات الثورات الاجتماعية وفي اليوم الثالث للمؤتمر قدمت الباحثة شيماء فرغلي ورقة بعنوان " كتب النوازل والفتاوى مصدراً من مصادر الاحتجاجات والثورات (الأندلس نموذجاً) حيث عقدت مقارنة بسيطة بين فتاوي بعض الشيوخ والعلماء التي كانت ترفض ثورة يناير 25 والتي كانت تصفها بأنها لا ترضي الله وخروجا علي الحاكم الصالح واعتبار الثورة فتنة وتخريب ما أنزال الله به من سلطان وفتاوي مماثلة في العصر الأندلسي .
حيث ظهرت مثل هذه الأمور في العصر الأندلسي من الشواهد المباشرة والغير مباشرة الخاصة بالثورات والاحتجاجات التي لا ينبغي علي المؤرخ ان ينصرف عنها في عملية الإستشهاد والتدوين . وأضافت في ورقتها الهامة أن كتب الفقه والنوازل والفتاوى تحرص في أحيانا كبيرة علي التدقيق بالسنوات التي شهدتها بعض الثورات حيث ان المؤرخ لن يعدم أن يجد الكثير من الوقائع والنوازل التي تصدر عنها فتاوي يمكن جمعها ليكشف من خلالها أبعادا سياسية واقتصادية . بل وتنبئ عن الجذور الاجتماعية وصفات النشأة والتكوين لبعض الخلفيات والعناصر الثورية للثوار والمحتجين ، وتظهر الباحثة ان كثير من الثوار في العصر الأندلسي كانوا يتخذون مفتين يفتون لهم في شئون أحوال الثورات والاحتجاجات فهي تعكس أرائهم الشرعية والفقهية حيث ان كثيرا من الثوار كان لا يلجئ إلأي المفتي الرسمي ليصدر له حكم شرعيا في نازلة ألمت به . وتناولت أيضا الباحثة الشابة زينب بكري موضوع " المهدي المنتظر في مصر في القرن التاسع عشر بين الرؤية الدينية وحركة التمرد والثورة " وانعكاس هذه الرؤية في افكار ورؤي التيارات الإسلامية وخاصة تصريحات د محمد سليم العوا ، حيث يعتقد كثير من الشخصيات المصرية المؤثرة في ظهور المهدي المنتظر كمخلص للبشرية من طغيان وجبروت بعض الحكام . حيث ظهرت قضية المهدي المنتظر في كثير من الثورات وفي فترات متعددة أثناء الحملة الفرنسية علي مصر 1799، وانتفاضات في عهد محمد علي ، وانتفاضة جاوا 1824، والثورة المهدية في السودان وتأثيراتها علي الواقع الاجتماعي والديني في المجتمع المصري . واختتم المؤتمر أعماله (فيديو) بكلمة الدكتورة نلي حنا التي شكرت الحضور وأكدت علي أن المجتمع المصري بكافة تياراته الاجتماعية والسياسية في حالة تماسك ، ودعت لتطوير المؤسسات الدينية المسيحية والإسلامية مؤكدة علي انها هي الدعامة لتماسك واستقرار المجتمع بعيدا عن نزعات التطرف التي تظهر وسرعان ما تخبو بين عشية وضحها ، ودعت القوي السياسية والاجتماعية لتلبية احتياجات الجماهير المعبرة حقيقة عن الثورات في مصر والعالم المحيط بنا .