يسود شعور بالإحباط بين الأطلال المتصدعة في مدينة سرت الليبية التي تقع فى منتصف الساحل الليبي على طرف أراض صحراوية عميقة مقترنا اسمها منذ فترة طويلة باسم القذافي وعشيرته حيث اعتبرها الزعيم الراحل معمر القذافي "عاصمة أفريقيا" ، وبعد مرور أربعة أشهر على مقتل القذافي في مسقط رأسه ودخول معارضوه اليها مدعومين بطيران " الناتو " تحولت المدينة التي كانت قرية صغيرة للصيادين قبل أن يحولها الزعيم الراحل إلى مدينة نموذجية ، الي أطلال ودمار. ف " سرت " التي حظيت برعاية عشيرة القذافي تكافح الآن للتكيف مع الواقع في ليبيا الجديدة حيث يؤكد سكانها إنهم يشعرون بالتهميش من قبل حكام ليبيا ما بعد الحرب.
حيث يقول محمد سالم (52 عاما) فى تحقيق لوكالة (رويترز) وهو يسير حول منزله الذي تحول طابقه العلوي إلى أنقاض "نعيش في حالة مذرية.. المنازل التي نعيش فيها تعرضت لضرر بالغ نتيجة لقصف طيران حلف شمال الأطلسي ، و لم يأتي أحد من الحكومة لزيارتنا او للمساعدة في وضع حد لهذه معاناة" ، حيث تحول منزل سالم الذى كان يعمل موظفا في مكتب مراقبة الأسعار بالمدينة إلى أنقاض وبقايا أثاث محطم وأحذية متناثرة و بقايا لسقف كان مخدعا لأبنائه.
ويضيف صالح محمد من سكان سرت وهو يمر أمام فيلات مدمرة " الحكومة المؤقتة لم تقدم لنا أي مساعدة، وأشعر بأنني لست محل ترحيب في ليبيا وساظل متمسكا بحقي في أن أطلب من الحكومة أن تعيد بناء البيوت التى دمرها طيران الناتو"
وقد دفعت سرت وهي مدينة يقطنها نحو 150 ألف نسمة ثمنا باهظا وأصبح استخدام اسم المدينة على لسان الساسة محرمًا، بسبب تأثير لوبي مدينتي مصراتة والزنتان، فمأساة سرت صارت مثل المحرقة لا يجوز النقاش فيها.
فبعد أن سيطرت المعارضة على مساحات كبيرة من ليبيا لاذ العقيد الراحل / القذافي بين أبناء قبيلته وأنصاره المؤيدين في المدينة وقاتل منها معارضيه المدعومين بطيران الدول الغربية ، ويذكر أن تلك المدينة كان تجهز لأن تصبح مركزا دوليا من خلال مقر المؤتمرات الكبير الذي أقيم فيها.
ويؤكد السكان إن مناطق في البلدة تحولت إلى أنقاض في القتال أثناء حصار استمر ثمانية أسابيع على أيدي قوات للمعارضة تسعى للانتقام جاءت من مناطق أخرى مدعومة بقوات غربية.
وفى سياق متصل تبرز الخصومات القبلية والإقليمية العميقة لاسيما بين أبناء سرت واولئك الذين جاءوا من مصراتة أو بنغازي .
وجدير بالذكر أن عددا كبيرا من السكان الذين فروا من الحرب قد بداوا في العودة إلى منازلهم ولكن تلك المنازل قد لحقت بها أضرار كثيرة و أحترقت من الداخل بسبب قصف طائرات الناتو ، وخارجها وضعت رايات علم المجلس الانتقالي باللون الأحمر والأخضر والأسود - علم الملكية ما قبل ثورة الفاتح - الذي حل محل علم ليبيا بلونه الأخضر.
وعلى جانب آخر يصف رئيس المجلس المحلي في سرت والذى يقع مكتبه بداخل مبنى مشوه نتيجة للأعيرة النارية الوضع في المدينة بالكارثي مؤكدا أن الناس في سرت محبطون ويعانون من التهميش والشباب لديه شعور بالغربة ، مؤكدا إن المدينة لم تتلق ِإلى الآن أي مساعدة رسمية ولم تحصل سوى على مساعدات من منظمات الإغاثة مشيرا إلى أن وزيري الإسكان والداخلية في الحكومة المؤقتة زارا سرت لعقد اجتماعات ولكن السكان ينتظرون أفعالا على الأرض.
وينوه إلى أن هناك عدد من الناس وهم الفقراء ومتوسطي الحال لا يزالوا يؤمنون بنظام القذافي خاصة بعد تدهور الأوضاع الحياتيه وافتقادهم للأمن وإحساسهم بأنهم غير مرغوب فيهم .
وتقدر الأضرار التي لحقت بالمدينة بما بين سبعة آلاف وثمانية آلاف منزل ستحتاج إلى ترميم ، و كثير من العائلات أصبحت تعيش في غرفة واحدة ولا تملك مالا للانتقال إلى مكان آخر والبعض الآخر بلا مأوي.
ويتحدث بعض المسئولون عن سرت بنبرة تصالحيه ويتعهدون بأن تلقى معاملة منصفة لكن الكثيرين في المدينة يعتقدون أن مدينتهم تتعرض لتهميش بينما يتشكل النظام الليبي الجديد. وفي السياق ذاته،يؤكد المتابعون للوضع هناك من لجان الإغاثة إن "سرت كان بها 35 سيارة إسعاف نُهبت عند تحريرها فالمدينة التى يبلغ عدد سكانها أكثر من 150 ألف نسمة لا يوجد بها سوى سيارتي إسعاف ، لافتين إلى أن " هناك العشرات من الجرحى من متضرري الحرب، وعائلات كاملة تضررت نساء وأطفال وشيوخ وشباب، أُصيبوا بجروح وشظايا بأجسامهم بسبب القصف.
كما يشيرون إلى أن "المدارس بالمدينة كانت تسع للآلاف الطلبة وهي الآن مدمرة بالكامل, ومستشفى سرت يعاني ، وأن الأدوية التي يحضرها الصليب الأحمر لا تكفي ، والأهالي باتوا يسكنون العراء، ومنهم من يسكن (التريلات)، بالإضافة إلى عدم توفر المرتبات حتى يتمكنوا من إعالة أسرهم وحياتهم اليومية".
موضحين أن "مؤيدي نظام القذافي، أصبحوا يتذكرون حديثه لهم في خطاباته الداخلية التي كان يحثهم فيها بالحرب ، وأن معارضيه إذا دخلوا سينهبون البيوت ويسرقون الأرزاق ويهملونهم بعد ذلك"، مشيرًين إلى أن "هذا الكلام قد تحقق حرفيا في نظرهم ".