صدر مؤخرا الطبعة الثانية لكتاب "شعرية الجسد.. دراسة نقدية في أعمال محمد عفيفي مطر الشعرية" للناقد والشاعر د. شوكت المصري عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، الذي يقع في 300 صفحة من القطع المتوسط. أهدى المصري كتابه إلى الشاعر الكبير عفيفي مطر، قدم للكتاب الدكتور محمد فكري الجزار وجاء في تقديمه أن "الناقد شوكت المصري استطاع عبر فصول دراسته الثلاثة أن يقدم قراءة نوعية ومختلفة لمنجز شعري يمثل علامة مضيئة في تاريخ الشعرية العربية عموما وفي خارطتها الحديثة خصوصا.
إن شعرية محمد عفيفي مطر شعرية مركبة متعددة الطبقات يأخذ منها كل ناقد على قدر ثقافته ووعية وذائقته، ثم تظل طاوية على قيم فائضة عن القراءة تتأبى على أن يحيط بها منهج أو تستوعبها قراءة بالغة ما بلغت من منهجية.
وليس ذلك لغموضها فكم من غموض انكشف بين يدي الناقد، ولا لتعقيدها، فكل تعقيد يقابله تبسيط لابد ينحل إليه. إنما هي كذلك لعاملين: أولهما تعدد مصادر ثقافة الشاعر وتنوعها. والآخر الطواعية الفائقة للغة بين يدى مقاصده منها.
كما يقول الكاتب في مقدمة كتابه: كانت هذه الدارسة معاناة ممتعة بكل ما تحمله الكلمات من معان، ست سنوات أمضيتها في ملكوت هذا الشاعر الكبير، وأربعون من السنوات هي الفارق العمري بين شاعر قدير وناقد شاب تدفعه حماقته إلى الاجتراء بتجريب أدواته النقدية البدائية ليعملها في نص شعري مكتنز بالثقافات والتجارب والمواقف والجماليات كنص الشاعر المصري الأكبر محمد عفيفي مطر.
كان عفيفي مطر ولا يزال وسيبقى أحد أبرز الشعراء المصريين في ديوان العرب المحدثين، بل ولا نكاد نبالغ إن ارتأينا فيه شاعرا له وجوده المتفرد وحضوره الدامغ في تاريخ الشعرية العربية أجمع. إنه عالم شعري خالص ونص من نسيج مغاير لكل من سبقوه وعاصروه ومن سيجيئون بعده.
لقد كنت وما زلت أرى في بعض التصورات الجمالية والفنية للجسد وعالمه قهرا متجددا للإنسان، فقد قمعت الحضارات المادية المعاصرة بني البشر.
بدءا بالثورة الصناعية التي استعبدت الأجساد، وليس انتهاءا بنموذج السوبر مان الأمريكي وعمليات التجميل والنمذجة والتسليع. ولم يكن هناك أفضل من نص عفيفي مطر الشعري ليضطلع بهذه الرؤية المكتملة للجسد الإنساني، فهو الشاعر الذي حمل على عاتق مشروعه الأدبي إنسانية بني البشر وتحررهم من نير كل شهوة وسطوة وقهر؛ ولهذا كانت الذات المطرية هي المجال التحليلي الأول الذي تناولته هذه الدراسة، متتبعة تحولات تلك الذات وتطورها تدريجيا بداية من تشكلها وإداركها، ومرورا بتكوين وعيها ورؤيتها، وانتهاء بمواقفها وصراعاتها وانتصارتها، ثم كان جسد الآخر مرئيا ورائيا هو المجال التحليلي الثاني، سواء كان حضور تلك الآخر شعبيا أو ثقافيا، خاصا أو عاما، محددا أو شموليا، وبين ذات الآخر كان العالم بمفرداته وموجوداته محيطا يجمع جميع الدوال داخل دائرته الدائرة.
أما المنهج التحليلي "السيموطيقا" – كما قال الكاتب في مقدمته – فلم يتعد حضوره بمقولاته وتأسيسه سوى إطار خارجي لما يمكن للعلامة/ الجسد من تحقيقه حضورا داخل المشروع الأدبي عموما، والشعري منه على وجه الخصوص، خصوصا في ظل غياب التأسيس العربي لمفهوم العلامة الشعرية، وإن كنا قد أفردنا للمنهج النقدي المستخدم فصلا تأسيسا أول، فما ذلك إلا ليقف القارئ على المنطلقات النقدية التي حدت هذه الدراسة إلى تبنيها والانطلاق منها.