في كتابه (شعرية الجسد..دراسة نقدية في أعمال محمد عفيفي مطر الشعرية) والصادر مؤخراً عن الهيئة المصرية العامة للكتاب يقول شوكت نبيل المصري:تجربة شديدة الخصوصية ومغامرة كانت أشبه بالمستحيلة تلك التي بين يدي القارئ هنا..فقد كانت هذه الدراسة معاناة ممتعة بكل ما تحمله الكلمات من معان..ست سنوات قضيتها في ملكوت هذا الشاعر الكبير وأربعون من السنوات هي الفارق العمري بين شاعر كبير وناقد شاب تدفعه حماقته إلي الاجتراء بتجريب أدواته النقدية البدائية ليعْملها في نص شعري مكتنز بالثقافات والتجارب والمواقف والجماليات كنص الشاعر المصري الأكبر محمد عفيفي مطر. مقترح الجسد وعن مطر نفسه يقول المصري:كان عفيفي مطر ولا يزال وسيبقي أحد أبرز الشعراء المصريين في ديوان العرب المحدثين بل ولا نكاد نبالغ إن ارتأينا فيه شاعراً له وجوده المنفرد وحضوره الدامغ في تاريخ الشعرية العربية أجمع.ويستطرد المصري في دراسته النقدية هذه فيقول:إنه عالم شعري خالص ونص من نسيج مغاير لكل من سبقوه ومن عاصروه ومن سيجيئون من بعده. هذا وقد اختار المصري مقترح الجسد ليدخل إلي عوالم نص عفيفي مطر الشعري إذ إن الجسد هو صاحب الأبعاد الفلسفية والرؤي الفكرية بكل ما دار حوله من المقولات والتنظيرات في المدارس الفلسفية القديمة والحديثة وهو بؤرة التحليل والاشتغال لدارسي التحليل النفسي والاجتماعي والأنطولوجي والميثيولوجي وهو القاسم المشترك الأكبر في كل صراع ثقافي أو سياسي أو ديني.وعن نص عفيفي مطر يقول شوكت المصري:ولم يكن هناك أفضل من نص عفيفي مطر الشعري ليضطلع بهذه الرؤية المكتملة للجسد الإنساني فهو الشاعر الذي حمل علي عاتق مشروعه الأدبي إنسانية بني البشر وتحررهم من نير كل شهوة وسطوة وقهر..ولهذا كانت الذات المطرية هي المجال التحليلي الأول الذي تناولته هذه الدراسة..متتبعة تحولات تلك الذات وتطورها تدريجياً بداية من تشكلها وإدراكها ومروراً بتكوين وعيها ورؤيتها وانتهاءً بمواقفها وصراعاتها وانتصاراتها. بعد كوني وفي موضع آخر يقول المصري:وقد كان الجسد هذه النقطة التي أزعم مركزيتها الثقافية والشعرية والتي لا يحصرها شعر محمد عفيفي مطر بقدر ما يحملها رؤيته ولا تستوعب كل أنساق النص الدلالية بقدر ما تشكل دالاً مركزياً لإمكانات تأويل تلك الأنساق وطرائق قراءتها.ويضيف المصري قائلاً:وقد حاولنا رصد صيغة ذلك الحضور الدلالي للجسد داخل النص المطري عبر تفعيله نسقاً حاكماً علي كل المستويات الدلالية للنص الشعري.ويستطرد قائلاً:إن رؤية الجسد داخل النص الشعري لمطر لا تقتصر علي الانشغال بهموم الواقع المباشر بقدر ما تطرح بعداً كونياً لحركة وجود الإنسان داخل العالم.ويكمل المصري في هذا الاتجاه فيقول:إن الجسد الإنساني في كينونته الحقيقية ليس مجرد حامل لصيغة وجود الذات في العالم بل هو فاعلها الأصيل والجسد هو الذات في امتداداتها وتمركزها..هو قدرتها علي التخطي والاستيعاب وتوليد التفسيرات والاتجاهات: لقد وُلدتُ ميتاً ونفختْ في صورتي الفصول وغُسلت ملامحي بالجوع والحقول فجئتكم لكي أقول أو أموت لو ظللت صامتاً. وبعد قراءته لنصوص مطر يكتشف المصري رؤية النص المطري للشعر بوصفه موقفاً مفتوحاً علي إمكانية الصياغة..وللقصيدة باعتبارها تحققاً فعلياً لهذا الموقف وتتبدي تماماً غائية هذه الكتابة عندما يوظفها النص لتفرض تحقق الذات المستمر ما استمر العالم والوجود: هذا الحجر تتخرم الأمطار صفحته ويذروه الظلام يعلو..ويفتح في شقوق البرق صلصال الكلام ويعيد مجد الحلم للشعراء. هذا ويضيف المصري قائلاً:لقد فطن النص المطري تماماً إلي حتمية دخول الجسد في دائرة الصراع الوجودي من أجل إثبات ذاتيته وإن تعددت أشكال ذلك الدخول واختلفت طرائقه وتباينت: هذا أنا أبدأ رسم الطقوس دمي علي جبهتي عيناي رمح مغمس في الشموس وفي ضلوعي جعبة للسهام. وفي معرض هذا يقول المصري:لم يكتفِ النص المطري فقط بإحلال مفردات العالم محل الجسد ولكنه أصر علي إمكانية الذات في التوزع بكينونتها الرافضة علي مساحة الوجود لتنتفي أية إمكانية للسيطرة عليها: انظروا..في جسدي فرحة ينبوع مفاجئ انظروا..في جسدي تختبئ الأرض وتصحو كلما طوحني العالم في دائرة الموت الرشيق. تجربة ممتدة وفي فصل عنوانه دلالية الآخر..مقاربة نصية..يقول المصري:لقد كانت تجربة الذات المطرية الكاشفة عن الوجود تجربة ممتدة بطول نص عفيفي مطر الشعري وهي تجربة لم تكتفِ برصد مفردات الوجود الحسي للجسد في العالم ولكنها تجاوزته لتجعل من وجود الذات مركزاً لقراءة شعرية تستهدف اكتناه حقيقة الوجود الكلي داخل السياق الزمني للتجربة الإنسانية شعرياً.وبعد دراسة واعية ومتأنية ومتفحصة لمجموعة من نصوص عفيفي مطر تتناثر عبر صفحات هذا الكتاب الدراسة يختتم شوكت المصري قائلاً:لم يقف النص المطري عند حدود جعل الجسد مجموعة من المستويات الدلالية التي يحققها النص عبر استحضار الآخر ومفردات تجربته شعرياً وإنما جعل من الجسد فضاءً دلالياً تتبادل الأنوات المختلفة شغله في تنوع دلالي لحضور الجسد..لا يقصر النص تحقيقه علي «الذات المطرية» وإنما يطرحه لكل «أنا» تستطيع الاضطلاع بمهمة تحقيق الوجود وفرض تجربتها ونسقها الخاص: لا الأرض تبقي ذلولاً مهاداً ولا الشعر يبقي دماً ومياهاً تقاطع بل فضة ودم لست تدري بأيهما اكتمل الأفق وابتدأ الطيران بأيهما يبدأ القتل أو تبدأ الأسئلة هذا ولا يبقي إلا أن نحيي الناقد الشاب شوكت نبيل المصري علي جهده الثمين هذا والذي يفتح الطريق أمام العديد من الدراسات التي تجعل من أشعار محمد عفيفي مطر مادة لها..وهو بالفعل يستحق هذا لما له من مكانة شعرية خاصة ومتفردة.