يمر اليوم السبت عام على رحيل الرئيس المصري السابق حسني مبارك عن منصبه بفعل ثورة شعبية تاريخية أطاحت بنظامه في 18 يوم فقط في 11 فبراير 2011. وعلى الرغم من الحالة الأمنية والسياسية غير المستقرة بالشارع المصري منذ تنحي مبارك وحتى الآن، إلا أن أغلبية الشارع المصري ترى أنه "أمر طبيعي" تشهده أي ثورة من الثورات، والدليل على ذلك ما تبع الثورة الفرنسية من فوضى وانحلال، مؤكدين على أن سقوط مبارك وتحطيم نظامه كان أهم المكاسب، والتي هم على يقين من جني ثمارها خيرًا بعد انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
وراحت جماعة الإخوان المسلمين، المحظورة سابقًا، تحتل موضع الأغلبية، لتنقلب الآية التي ظلت 30 عاما تسود المشهد السياسي المصري ، بعد اعوام طويلة قام فيها نظام مبارك بالتضييق على التيار الديني، سواء الإخوان أو السلفيين بشكل عام. وانتشرت جملة من حملات التشكيك والتخوين بين التيارات وبعضها وبين المجلس العسكري والحكومات المتعاقبة خلال .
واليوم يحاكم مبارك، الذي تربع على عرش مصر لمدة 30 عامًا متتالية، بعدة تهم، أبرزها قتل المتظاهرين واستغلال منصبه كرئيس للجمهورية، إلا أنه يمكث سجينًا الآن بالمركز الطبي الدولي، تسدد الدولة تكاليف علاجه وسط ضغوط شعبية بعد أحداث بورسعيد بنقله لمستشفى سجن طرة.
واليوم يحيى النشطاء في مصر الذكرى الأولى للاطاحة بمبارك بدعوات للاضراب والعصيان المدني. ويهدف هذا الاجراء الى الضغط على المجلس الاعلى للقوات المسلحة كي يسلم السلطة للمدنيين.
رفض العصيان
إلا ان معظم مؤسسات الدولة قد رفضت هذه الدعوات ، حيث أعلنت كافة المطارات المصرية أنها لن تشارك في "العصيان المدني" الذي دعت إليه عدد من القوى والحركات الثورية السبت.
صرح بذلك الجمعة اللواء جاد الكريم نصر رئيس الشركة المصرية للمطارات، موضحاً أن كافة مطارات مصر تعمل بكفاءة عالية من منطلق الحس الوطني في ظل هذا الوقت العصيب الذي تمر به البلاد، والذي يحتاج إلى التكاتف وإعلاء المصلحة العامة. وأضاف "إن المطارات لن تنساق وراء هذه الدعوات، بل ستعمل جاهدة لإفساد أي مخطط للتخريب والعبث بالصالح العام ،وان الوقت الآن يحتاج إلى للارتقاء بمعدلات التنمية الاقتصادية ،خاصة في الوقت الذي نشهد فيه حالة ترد تام من الناحية الاقتصادية والتنموية".
وكشف عن الانتهاء من نظام التحفيز الخاص ببعض التسهيلات للشركات لنقل السياح والأجانب لمصر بعد حالة انخفاض الإشغالات والحركة التي شهدتها المطارات في الفترة الماضية ، منبها إلى أن التسهيلات المقدمة ليست لشركات الطيران الأجنبي فقط بل لكل الشركات التي لها نشاط داخل المطار سواء بصلة مباشرة أو غير مباشرة.
وضمن المشهد نفسه أكد خطباء وأئمة المساجد في خطبة الجمعة، رفضهم دعوات الإضراب والعصيان المدني، مشددين على رفض الشرع لتعطيل مصالح العباد والوطن، وعلى ضرورة الحذر من مخاطر الإضرار بالاقتصاد.
وفي هذا السياق جدد خطيب وإمام الجامع الأزهر الدكتور مختار المهدي ، رفض الأزهر الشديد لدعاوى العصيان المدني، لحرمة ذلك شرعاً ولإضراره الاقتصادية والاجتماعية على الوطن والمواطنين، حيث أن تعطيل مصالح الناس أمر يرفضه الشرع ويمنع إلحاق الأذى بالناس والمجتمع، مبيناً أن من يؤيد ذلك فهو يرتكب إثما.
وناشد إمام الجامع الأزهر، المصريين نبذ الخلافات والعمل لنهضة مجتمعهم، ورفعة شأن مصر التي هي سند لامتها الإسلامية والعربية. وشدد الدكتور عبد المعطى بيومي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر خلال خطبة الجمعة، على ضرورة توحد المصريين على كلمة سواء، ونبذ دعاوى الإضراب التي تضر بمصلحة الوطن والمواطنين.
وبدوره أعلن إمام مسجد النور، رفض دعاوى الإضراب التي تضر بمصالح المجتمع ، مبينا أن التظاهر لإظهار الحق ومواجهة الباطل مكفول بشرط عدم الإضرار بمصالح العباد والبلاد. وقد نظم العديد من المصلين بالجامع الأزهر ومسجد الحسين مسيرة سلمية عقب أداء صلاة الجمعة، منددين بدعاوى الإضراب والعصيان المدني، ومشددين على ضرورة العمل والإنتاج من أجل مصلحة البلاد.
وشهد ميدان التحرير يوم الجمعة ، حلقات نقاشية موسعة بين المشاركين في (جمعة الرحيل) حول جدوى الدعوة إلى العصيان المدني ما بين مؤيد ومعارض.
وحاول كل من الطرفين إقناع الآخر بوجهة نظره، حيث أكد المؤيدون أن العصيان هو الطريقة السلمية الوحيدة في الوقت الحالي لضمان انتقال إدارة البلاد بشكل فوري من المجلس العسكري إلى سلطة مدنية لاستكمال أهداف الثورة ، بينما أكد المعارضون أن الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد حالياً لا تسمح بالدخول في إضراب أو الدعوة إلى تنظيم عصيان مدني ، بل لابد أن يكون هناك بدلاً منها دعوة إلى زيادة العمل والإنتاج من أجل دفع عجلة التنمية في البلاد.
وأجمع المسئولون في القطاع الاقتصادي في معظم محافظات مصر المختلفة على رفض العصيان المدني واستمرار العمل في كافة وحداته. وفي هذا الإطار أكد طارق عامر رئيس اتحاد البنوك على استمرار جميع البنوك ووحدات الجهاز المصرفي في مزاولة عملها، اعتباراً من بعد غد الأحد دون توقف وعدم المشاركة في أي عصيان، وذلك من منطلق حرصها على الحفاظ على الأوضاع الاقتصادية وعدم الانسياق وراء الدعوات التي تهدد المسيرة الاقتصادية، خاصة في تلك الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد المصري وتحتاج إلى تضافر كافة الجهود للخروج منها.
كما تستمر البورصة في مزاولة نشاطها بداية الأسبوع المقبل اعتبارا من بعد غد الأحد دون توقف ووفقا لظروف العمل في الأيام العادية.
وفي قطاع الضرائب أكد احمد رفعت رئيس المصلحة رفض العاملين بشكل قاطع المشاركة في اى دعوة للعصيان أو توقف العمل في وحدات المصلحة على كافة أنحاء الجمهورية ، مشيراً إلى أن العاملين في المصلحة لديهم إصرار على مضاعفه الجهد من اجل إنجاح موسم الإقرارات وتحقيق الحصيلة المستهدفة التي قد تتعدى الأرقام التي تحققت العام الماضي لخدمة الاقتصاد الوطني.
في الوقت نفسه أعلن احمد الوكيل رئيس الاتحاد العام للغرف التجارية أن التجار على مستوى محافظات مصر رفضوا أيضا المشاركة في أي دعوة للإضراب أو العصيان، وذلك من منطلق حرصهم على المصلحة العامة التي يتم تغليبها في المقام الأول .
وفى القطاع الصناعي رفضت منظماته ممثلة في اتحاد الصناعات والغرف الصناعية أيضا جميع الدعوات التي تطالب بالعصيان المدني، حيث أشار جلال الزوربا رئيس الاتحاد إلى استمرار العمل في كافة وحدات الاتحاد ،وكذلك في الغرف الصناعية التي تعمل كمظلة للقطاع الصناعي الذي يعمل به 14 مليون عامل وتوفير كافة احتياجات الوطن والمواطنين. كما أصدر الاتحاد العام للتأمين بيانا أكد فيه رفض دعوة العصيان المدني وأكد استمرار وحداته في العمل دون توقف.
وأشار المسئولون في وزارة التموين إلى أن قطاع المخابز يعمل بكامل طاقته ولم يتأثر بدعوات الإضراب أو العصيان، وذلك من منطلق حرصهم على مصالح الشعب المصري، مؤكدين أن العمل في قطاعات الإنتاج المختلفة مستمر دون توقف.
بيان "العسكري"
وفي بيان اصدره الجمعة اتهم المجلس من سماهم "المتآمرين" بمحاولة هدم الدولة المصرية.
وحذر بيان المجلس من ان هؤلاء سيجلبون على مصر "الفوضى والخراب".
ووعد المجلس العسكري بتسليم السلطة بعد انتخابات الرئاسة في يونيو/حزيران الا ان جماعات المعارضة تطالب بتسليم فوري للسلطة.
جمعة "الرحيل"
وكانت مسيرات انطلقت في أنحاء متفرقة من محافظتي القاهرة والجيزة للمشاركة في "جمعة الرحيل" التي دعت إليها بعض الأحزاب والحركات والائتلافات الثورية.
وقد عارض البعض هذه المسيرات المتوجهة إلى وزارة الدفاع بالعباسية مقر المجلس العسكري الحاكم، للمطالبة باستكمال أهداف الثورة.
وطالب المتظاهرون بتحديد جدول زمني للانتخابات الرئاسية وتسريع نقل السلطة للمدنيين، فيما قامت القوات المسلحة بتشديد الإجراءات الأمنية بمحيط الوزارة بنشر عدد من المدرعات وإقامة حواجز من الأسلاك الشائكة وانتشار أمني مكثف.
وشهد ميدان التحرير توافد الآلاف، فيما انطلقت مسيرات من عدة مساجد بعد صلاة الجمعة من بينها مسجد رابعة العدوية بمدينة نصر، ومسجد الفتح برمسيس.
وقد قام نحو ثلاثة آلاف من مؤيدي المجلس الأعلى للقوات المسلحة الحاكم في مصر بتكوين درع بشري أمام القاعدة العسكرية في قصر "رأس التين" بمدينة الإسكندرية، وذلك بعد وصول نحو ألف متظاهر من المعارضين للمجلس العسكري للاحتجاج أمام القاعدة العسكرية.
وحدثت بعض المناوشات بالأيدي بين الجانبين إلا أن كثرة عدد مؤيدي المجلس العسكري أجبرت المعارضين على التفرق في أماكن مختلفة بالمنطقة التي تقع فيها القاعدة العسكرية.
وكانت قوى وتيارات وأحزاب سياسية قد دعت لخروج هذه التظاهرات، وتضم تلك القوى حركة 6 ابريل وتحالف القوى الثورية والاشتراكيون الثوريون واتحاد شباب الثورة وشباب حزب المصريين الاحرار والحزب الشيوعي وحزب التحالف الشعبي. إضراب الجامعات
وكان طلاب من ست وثلاثين جامعة مصرية عامة وخاصة قد أعلنوا مشاركتهم في الاضراب عن الدراسة يوم السبت من بينها جامعات القاهرة وعين شمس والاسكندرية والمنصورة والجامعة الامريكية والألمانية والفرنسية.
ويطالب المنظمون لهذا الإضراب العام بسحب الثقة من حكومة كمال الجنزوري وتشكيل حكومة إنقاذ ووفاق وطني تقوم بهيكلة وزارة الداخلية، و"تطهير" مبنى الإذاعة والتلفزيون المعروف باسم ماسبيرو، وإقالة النائب العام، واستقلال القضاء، واستعادة الأموال التي يقولون إنها سُرقت في عهد الرئيس السابق بالاضافة إلى وضع حد أقصى وأدنى للأجور وبشكل فوري. في الوقت نفسه، دعت أحزاب "الحرية والعدالة"، الذارع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، و"الوفد" و"النور" السلفي إلى رفض هذا الإضراب العام معتبرين أنه "يهدم البلاد ويضر الاقتصاد المصري".