عيار 21 الآن فى المملكة العربية السعودية وأسعار الذهب اليوم الاثنين 21 أكتوبر 2024    لمحدودي الدخل.. موعد شراء كراسات شقق الإسكان 2024 وخطوات التقديم (رابط مباشر)    ملخص مباراة برشلونة ضد إشبيلية 5-1 في الدوري الإسباني    13 غارة إسرائيلية تستهدف فروع جمعية "القرض الحسن" التابعة لحزب الله ببيروت    تحذيرات من جيش الاحتلال باستهداف بعض المناطق بلبنان    عضو بمفاوضات الجات: مصر تسعى للاستفادة من إصلاحات منظمة التجارة العالمية والبريكس    فلسطين.. الاحتلال يداهم بلدة إذنا وجبل الرحمة بمدينة الخليل    برشلونة يكتسح إشبيلية بخماسية ويبتعد بصدارة الليجا    المتحدث الرسمى لنادى الزمالك: أمين عمر اختيار غير موفق بالنسبة لنا فى النهائى    صراع متجدد بين جوميز وكولر.. «معركة جديد علي حلبة أبوظبي»    حبس المتهمين بإلقاء جثة طفل رضيع بجوار مدرسة في حلوان    الطقس اليوم الإثنين.. الأرصاد تحذر من 3 ظواهر جوية تؤثر على القاهرة والإسكندرية    البحوث الفلكية: عام 2024 شهد 3 مرات ظهور للقمر العملاق.. وقمر أكتوبر الأكبر والألمع    ضغوط العمل تؤثر على صحتك.. توقعات برج الجدي اليوم 21 أكتوبر 2024    دراما المتحدة تحصد جوائز رمضان للإبداع.. مسلسل الحشاشين الحصان الرابح.. وجودر يحصد أكثر من جائزة.. ولحظة غضب أفضل مسلسل 15 حلقة.. والحضور يقفون دقيقة حدادا على روح المنتجين الأربعة    مستشار مركز الدراسات الاستراتيجية: مصر ستظل الداعم الأكبر للقضية الفلسطينية    تامر عبد الحميد: مباراة الأهلى وسيراميكا بطابع أوروبى وبيراميدز استسهل لقاء الزمالك    طبيب الزمالك يكشف موقف عمر جابر ودونجا من نهائي السوبر.. وموعد عودة الونش    رسميا بعد الانخفاض.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 21 أكتوبر 2024    مستعمرون يحرقون غرفة سكنية في مسافر يطا جنوب الخليل    ملخص مباراة روما ضد إنتر ميلان في الدوري الإيطالي.. فيديو    ضبط المتهم بقتل شخص فى عين شمس.. اعرف التفاصيل    النيابة تصرح بدفن جثة طفل سقط من الطابق الثالث بعقار في منشأة القناطر    إصابة 5 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكى بمحور الضبعة الصحراوى    التصريح بدفن جثة عاطل عثر عليه مشنوقًا داخل مسكنه بمدينة 6 أكتوبر    نجم الأهلي السابق: تغييرات كولر صنعت خلل كبير أمام سيراميكا.. وحكم الزمالك وبيراميدز «مهزوز»    مباراة الترسانة مع أسوان بدوري المحترفين.. الموعد والقنوات الناقلة    إنتر ميلان يهزم روما بهدف لاوتارو ويلاحق نابولي على صدارة الدوري الإيطالي    النيابة العامة تأمر بإخلاء سبيل مساعدة الفنانة هالة صدقي    الملك سلمان للإغاثة يختتم المشروع الطبي التطوعي لجراحة التجميل للمتضررين من الحروق بتركيا    نشرة منتصف الليل| حريق مطعم صبحي كابر.. وطقس الساعات المقبلة يشهد انخفاض الحرارة    وزير الزراعة: توجيهات مشددة بتسهيل إجراءات التصالح في مخالفات البناء    نائب محافظ قنا يشهد احتفالية مبادرة "شباب يُدير شباب" بمركز إبداع مصر الرقمية    قوى النواب تنتهي من مناقشة مواد الإصدار و"التعريفات" بمشروع قانون العمل    وفود السائحين تستقل القطارات من محطة صعيد مصر.. الانبهار سيد الموقف    حظك اليوم برج الدلو الاثنين 21 أكتوبر 2024.. استمتع بخدمة الآخرين    عمر خيرت يمتع جمهور مهرجان الموسيقى العربية فى حفل كامل العدد    حدث بالفن| حالة أحمد سعد الصحية ومطرب يزور الكينج وفنانة تكشف سبب إجراءها عملية جراحية    ترحيب برلماني بمنح حوافز غير مسبوقة للصناعات.. نواب: تستهدف تقليل الضغط على العملة الصعبة    استشاري الاستثمار: لا بديل لدينا سوى توطين الصناعة المصرية    جاهزون للدفاع عن البلد.. قائد الوحدات الخاصة البحرية يكشف عن أسبوع الجحيم|شاهد    بروفات لطيفة استعدادا لحفلها بمهرجان الموسيقى العربية    «شوفلك واحدة غيرها».. أمين الفتوى ينصح شابا يشكو من معاملة خطيبته لوالدته    أهم علامات قبول الطاعة .. الإفتاء توضح    هبة قطب تطالب بنشر الثقافة الجنسية من الحضانة لهذا السبب    مدير مستشفى عين شمس: القضاء على الملاريا في مصر إنجاز عظيم    رمضان عبد المعز: الإسلام دين رحمة وليس صدام وانغلاق    للوقاية من أمراض القلب وتصلب الشرايين.. 6 نصائح عليك اتباعها    مجلس جامعة الفيوم يوافق على 60 رسالة ماجستير ودكتوراه بالدراسات العليا    فريق القسطرة القلبية بمستشفى الزقازيق ينجح في إنقاذ حياة 3 مرضى بعد توقف عضلة القلب    أستاذ تفسير: الفقراء يمرون سريعا من الحساب قبل الأغنياء    تمارين صباحية لتعزيز النشاط والطاقة.. ابدأ يومك صح    تكاليف السولار تضيف 1.5 مليار جنيه لأعباء السكك الحديدية    جامعة الزقازيق تعقد ورشة عمل حول كيفية التقدم لبرنامج «رواد وعلماء مصر»    رد الجنسية المصرية ل24 شخصًا.. قرارات جديدة لوزارة الداخلية    ماذا يحدث فى الكنيسة القبطية؟    هل يجوز ذكر اسم الشخص في الدعاء أثناء الصلاة؟.. دار الإفتاء تجيب    5548 فرصة عمل في 11 محافظة برواتب مجزية - التخصصات وطريقة التقديم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خصائص المنهج الإسلامي من منظور بحثي
نشر في محيط يوم 12 - 01 - 2012


بقلم:علاء سعد حسن حميده باحث مصري مقيم بالسعودية

في زحمة الأحداث السياسية والثقافية والفكرية يتحتم على العقل مراجعة مكانة الثوابت والبدهيات حتى لا يصيبها في نفوسنا رذاذ من سيل السيولة الفكرية السائدة في المجتمع، والإسلام الذي نؤمن به وندعو العالمين إليه فضلا عن كونه عقيدة راسخة فهو منظومة القيم والقواعد الأخلاقية والسلوكية التي تنظم حياة الناس في مختلف شئون حياتهم، فالإسلام في مجمله ينتظم المجالات الأربع للحياة البشرية فينظم الاعتقاد الذي يضع التصور العام للكون وخالقه وغيبياته ومعطياته ومكان الإنسان ومكانته فيه، ونشأته ومآله وعاقبة الإحسان والإساءة، وينظم العبادات التي تؤكد على صلة العبد بخالقه وتحقق غاية الخلق كما عبر عنها تعالى في قوله {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ }الذاريات56، وتؤدي إلى صلاح النفس وتزكيتها وتحقيق التقوى التي هي هدف كل العبادات { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } البقرة183، ويؤكد على حسن الخلق الذي هو جوهر الدين، فصفة رسول هذا الدين{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }القلم4، ووظيفته ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)[1]، ويترجم الإسلام هذه الدوائر الثلاث عقيدة وعبادة وأخلاقا في منظومة الحياة وهي دائرة المعاملات ففي الأثر( الدين المعاملة)[2]، ومن أجل تنظيم المعاملات أو بمعنى آخر تنظيم كافة العلاقات والتفاعلات داخل المجتمع كانت الشريعة المحكمة الضابطة التي تحكم حياة الناس في السياسة والاقتصاد والاجتماع والأحوال الشخصية والتقاضي وكل ما يتعلق بمسيرة حياتهم من الميلاد إلى الممات.. هذه الدوائر الأربعة التي نظمها الإسلام إنما أحكم نظمها باعتبارها الكليات الثابتة التي تصلح شأن البشر وحياتهم في الدنيا والآخرة..

هذه المنظومة المحكمة من القواعد الكلية يتبعها منظومة إجرائية تسعى لتطبيق منظومة القيم والقواعد السلوكية في حياة البشر.. المنظومة الإجرائية بالتالي هي التي تعمل على تطبيق القواعد المحكمة على واقع حياة الناس وترتكز على التعليم والتربية والقدوة والتبشير والانتشار والتفسير ثم تحمي هذه القواعد الكلية بالعقوبات والزواجر، وهذه المنظومة الإجرائية تسمح بالاجتهاد والتنوع والاختلاف لأن الذين يقومون على تطبيق القواعد الكلية المحكمة المعروفة بثوابت الدين أو المحكم من الأحكام ليسوا سوى بشرا يجتهدون فيصيبون ويخطئون، وبالتالي فالمنظومة الإجرائية هي الجزء المتغير المرن القابل للاجتهاد البشري والتطور مراعاة لتغير الزمان والمكان والمصالح والثقافات والتنوع البشري العام.. وبين منظومة القيم المُحكَمة الحاكمة ( ثوابت الدين) ومنظومة الإجراءات الاجتهادية ( المتغيرات ) تتضح خصائص المنهج الإسلامي التي تتلخص أهمها في:

1 – الشمول، فالإسلام منهج حياة للفرد والمجتمع من النشأة إلى المآل فهو شامل للحياة من بدايتها لنهايتها( شمولية امتداد وعمر) وهو شامل لما يحدث فيها من علاقات وتفاعلات ( شمولية تنوع وتعدد وإحصاء وحكم وتشريع)، يقول تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الأنعام162، { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }النحل89، {وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ }الأنعام38، هذا الشمول الذي نعنيه هو تداخل الدوائر والمجالات الأربع ( العقيدة والعبادة والأخلاق والمعاملات وما يتبعها من قوانين وأحكام) تداخلا يقيم حياة متكاملة على منهج الإسلام، فالشمول ضد اختزال الدين في العقيدة والعبادة والأخلاق وصرفه عن المعاملات والأحكام والقوانين وتنظيم العلاقة بين الحاكم والمحكوم وطريقة الإدارة التي تعرف بالسياسة والحكم والتقنين والاقتصاد وغيرها.. والشمول يعني بوضوح واختصار أن الإسلام طريقة ومنهج حياة للفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وليس هذا بدعا من القول أو الفهم أو المنطق فلقد عبر عنه فرعون وملأه بقولهم {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى }طه63، ولولا فهم مشركي قريش لشمولية الإسلام ما حاربوا محمدا ولا رسالته، فقريش كانت تؤمن بالعلمانية التي تتيح حرية العقيدة والعبادة والأخلاق بشرط ألا تتدخل في المعاملات، فتركت الصابئين ومن هم على دين إبراهيم عليه السلام ومن آمن باليهودية والنصرانية دون حرب أو مواجهة رغم اختلافهم معهم في العقيدة والعبادة، كورقة بن نوفل وغيره، وقبلت من أبي بكر أن يتعبد الله داخل داره دون أن يجهر بصلاته في فناء داره حتى لا يفتن مجتمعهم عن دينه، بل وقبلوا محمدا صلى الله عليه وسلم بينهم قبل البعثة وهو لم يسجد لأصنامهم قط ولم يشاركهم باطلهم قط، ولم ينكروا عليه عقيدته ولا عبادته ولا خلقه، وعلى العكس اعترفوا له بحسن الخلق فلقبوه بالصادق وعرفوا له قدره ومروءته، فهؤلاء العلمانيون من مشركي قريش الذين آمنوا وأمّنوا حرية الاعتقاد والعبادة والأخلاق هم أنفسهم حاربوا الإسلام لتدخله في دائرة المعاملات والحكم والتشريع، وهذا ما يعبر عنه علماء الشرع بالتمييز بين عبودية الربوبية التي آمن بها مشركو قريش في أعماق أنفسهم، وعبودية الألوهية التي تعني حق التشريع الأعلى لله التي حاربها نفس هؤلاء المشركين {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ }العنكبوت61.

2 – موافقة الفطرة: ومنهج الإسلام يوافق الفطرة الإنسانية كون الخالق والمشرع واحد سبحانه الذي عبر عن ذلك بقوله عز في علاه {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14، وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }الروم30، هذا المنهج الذي يوافق فطرة الإنسان ويراعي غرائزه، ويستجيب لطموحاته وآماله ويخفف عنه القيود والأغلال والمعوقات التي تعوق طريق سعادته وغبطته ورضاه، لا يتصور معه أن يكون قيدا على حريته ولا سعادته ولا أشواقه ولا مصلحته، بل هو المنهج الذي يحفظ التوازن بين حقوق الفرد في الحياة الكريمة الآمنة وبين عدم الاعتداء على حقوق الآخرين في ضمان نفس الحياة المطمئنة لهم.

3 – الوسطية والاعتدال، يقول تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً }البقرة143، فوسطية الإسلام تحمي منهجه وأتباعه من التطرف والغلو في أي جانب من جوانب الحياة، إن منهج الإسلام هو منهج حياة والحياة تقوم على الاعتدال والتوسط فهو منهج متوسط بين الدنيا والآخرة بين الحقوق والواجبات بين روح الإنسان وبين جسده، وهكذا، {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا } القصص77، {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }الأعراف32، ولقد نهى الإسلام نهيا شديدا عن الغلو في الدين والأشخاص فقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيراً وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ }المائدة77، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم( إياكم والغلو في الدين إنما اهلك من قبلكم الغلو في الدين)[3]، حتى يعتبر منهج الإسلام المنهج الوحيد الذي ينهي أتباعه عن التعصب المقيت والغلو في الأشخاص أو المنهج..

4 – التدرج: ويعتمد المنهج الإسلامي على التدرج في الأحكام ومراعاة ظروف البيئة والمجتمع، وهذا التدرج هو تدرج في التشريع كما حدث في تحريم الخمر والميسر على مراحل متدرجة، كما راعى التدرج في التطبيق كذلك مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم ( لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية)[4]، فاحترام ظروف البيئة والمجتمع مقدر في المنهج التطبيقي الإسلامي.. كما أن التدرج الإسلامي يراعي الترتيب والتربية والتعليم وتقديم القدوة الصالحة، فلا يتم تطبيق الحدود ( قانون العقوبات )، قبل إصلاح الفرد والمجتمع في جوانبه الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والمعيشية، وفي التدرج الإسلامي في التشريع والتطبيق وتهيئة الفرد والمجتمع لتطبيق أحكام الإسلام بشمولها أكبر ضمان وطمأنة لكل متخوف من تطبيق المنهج الإسلامي.

5 – الحرص على المصلحة حتى استقر لدى الفقهاء قاعدة( حيث تكون المصلحة فثم شرع الله)، بل وفي أبواب الفقه باب المصالح المرسلة التي تختص بمصالح البلاد والعباد، ومنهج هذا شأنه لا يمكن أن يهدر مصالح الناس أو يصادر مقومات حياتهم، أو ما ينعش حياتهم المادية والاقتصادية ويحقق رفاهيتهم أو يضيق عليهم بغير وجه حق، غير أن المصالح الاقتصادية تلك تظل مرتبطة بالقيم العليا للإسلام بحيث لا تهدر القيمة الاقتصادية قيمة اجتماعية أكبر منها، فإذا كان الحفاظ على المورد الاقتصادي قيمة معتبرة، فإن الحفاظ على قيمة الإنسان الذي هو أساس النهضة والإنتاج قيمة أحق بالمراعاة والاعتبار..

6 – رفع الحرج والعنت والمشقة وتيسير حياة البشر، فما نزل منهج الإسلام ليضيق على الناس حياتهم، ولذا قال تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ }الحج78، { مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة6، وفي منهج التيسير يقول تعالى{وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى }الأعلى8، { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة185، وقال النبي آمرا أصحابه:( يسّروا ولا تُعسّروا، وبشّروا ولا تُنفّروا)[5]، وما خُيّر النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، فالتيسير والانسيابية وسهولة حياة الناس وحركتهم وانجاز مصالحهم من خصائص المنهج الإسلامي.

7 – السماح بحرية الفكر والاجتهاد في الجانب الإجرائي وبالتالي إتاحة الفرصة لكافة أنواع الإبداع الذي هو توق بشري وفطرة إنسانية.. فالاجتهاد البشري مقدر تماما في المنهج الإسلامي الذي أثاب المجتهد المخطئ أجرا، وضاعف أجر المجتهد المصيب، وظل الاجتهاد والقياس والإجماع من مصادر التشريع في الإسلام، وكل منها من وسائل الإبداع البشري ونتاج العقل والتفكير والتدبر والفهم، فلم يصادر العقل لحساب النص، بل على العكس طالبنا بإعمال العقل في فهم مقاصد النص، فهذا منهج حري به كما أكدت حقائق التاريخ تخريج العلماء والمفكرين في كل مناحي الحياة، وما استقر منهج الإسلام في حياة المسلمين فترة من الزمن حتى خرج منهم العلماء الذين أثروا حياة البشرية بعلومهم واكتشافاتهم وإبداعاتهم التي وضعت أساس الحضارة الإنسانية إلى تاريخنا المعاصر..

8 – احترام الحكمة والمشترك الإنساني، وهو ما يعرف بقبول الآخر، بل والقبول من الآخر، والمنهج الإسلامي حريص على هذا المشترك الإنساني فيقضي بأن الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أولى بها، ويأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بطلب العلم ولو في الصين- ولم يكن في الصين إسلام وقتئذ- والمسلمون لم يعيشوا في عزلة ثقافية أو اجتماعية أو سياسية على مر العصور، بل على العكس من ذلك كانت فترات ازدهار حضارتهم هي أشد فترات انفتاحهم على العالم شرقه وغربه أخذ من الآخر وترجم عنه، وأضاف لعلومهم وتُرجمت عنه ونُقلت لغيرهم فتأثروا بالحضارات السابقة وأثروا في الحضارات اللاحقة، ومفهوم رسالة الإسلام أنه رحمة للعالمين، وليس للمسلمين فقط {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }الأنبياء107.

الإسلام وفق هذه النظرة أكبر من أن يكون أيديولوجية أو مرجعية إنه طريقة ومنهج حياة وهذا ثابت من تعريف الدين والملة شرعا وفكرا، ومن أجل هذا نتنادى إلى أن يظل الدين منهجا للحياة فوق التنافس البرامجي للأحزاب السياسية والمدارس الفكرية التي تختلف وتتنافس وتتبارى في الجانب الإجرائي، الذي يقبل بطبيعته هذا التباين، وتتفق على الثوابت المحكمة الحاكمة.. هذه الفكرة لا يمكن تصورها بسهولة على أرض الواقع في ظل أحزاب وبرامج تعلن رفضها واختلافها مع منظومة القيم المُحكمة الحاكمة ذاتها، ولكن هذا ما يمكن تصوره في ضوء تنوع وتعدد الأحزاب والمدارس الفكرية الإسلامية التي اتفقت على الجانب المُحكم وتباينت وتعددت واختلفت في الجانب الإجرائي..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.