خرج الزعيم أحمد عرابي عام 1881م من رحم الجيش المصري ملبياً مطالب الجماهير المصرية بإسقاط الوزارة المستبدة ، ورفع كفاءة الجنود المصريين ، وإقامة حياة برلمانية سليمة. ربما لا يتكرر التاريخ، ولكننا إمام حالة الرائد أحمد شومان، الذي يراه الكثيرون رمزًا من رموز ثورة يناير، بعدما علا صوته بكلمة حق، تردد صداها في ميدان التحرير الذي أصبح هو الآخر رمزًا لحرية هذا الوطن، الذي ذاق مرارة الاستبداد لأكثر من ثلاثة عقود.
هو الرائد أحمد شومان الذي انضم إلى جموع المتظاهرين في العاشر من فبراير الماضي، مطالبا الرئيس السابق حسني مبارك بالرحيل استجابة لمطالب ثورة الشعب، التي أبهرت العالم أجمع.
راهن الرجل بحياته ومستقبله على نجاح هذه الثورة التي رأى فيها "الحلم والأمل" لكل مصري.
وبعد حوالي 9 أشهر، انضم مجددًا إلى الثوّار في الميدان،(الثورة الثانية) والتي راح ضحيتها أكثر من 48شهيد وأكثر من ألفين مصاب.
ظهور شومان أثار حوله الكثير من علامات الاستفهام، لماذا عاد إلى الميدان بعد قرار القوات المسلحة بالعفو عنه مخاطرًا بمستقبله من جديد، حتى أنه يقف الآن أمام المحكمة العسكرية منتظرًا تحديد مصيره، ومصير أسرة كاملة تتشبث بأمل الإفراج عنه.
التقى "محيط" والد الرائد شومان الحاج علي شومان، وكان معه هذا الحوار:
هل تؤيد انضمام ابنك رغم كونه عسكريًا إلى المتظاهرين؟
ابني أولاً وأخيرًا مصري حر، لا يقلّ ثورية ولا شجاعة عن أي واحد في التحرير، لكن مشكلته أنه ضابط في الجيش، وهذا هو مربط الفرس.
وده كان بيخلق جواه صراع بين اللي شايف إنه لازم يعمله كأي مصري، وبين واجبه المهني.
وفي النهاية كانت الكلمة الأعلى صوتًا بداخله هو لاحساسية لعملة فالوطن أهم، فخرج مثل كل واحد مصري بيحب البلد دي بجد. ثم جاء العفو عنه من المشير، بعد انضمامه في أول مرة في فبراير الماضي.
ما سبب عودته ثانيةً إلى الميدان؟
- كان سبب نزوله في أول مرة هو نفس سبب نزوله في المرة الثانية، لأن أحمد صاحب مبدأ ثابت، ومش متلّون زي ناس كتير، في ثورة يناير مات كتير من ولادنا في ثورتهم ضد الفساد.
وفي نوفمبر المرة الثانية مات ولاد تانيين من خيرة شباب مصر، وما حدث يستفز الحجر ويخليه ينطق، فما بالك بواحد بيعشق تراب البلد دي ذي ابني أحمد.
فما كان منه إلي أن اندفع للميدان مرة أخري، بدون ما يفكر لا في نفسه ولا في ولاده الصغار، ولا في أسرته، حسه الثوري وحبه لمصر كان أقوى من كل هذه الأشياء.
البعض يهاجمه بأنه ما دام يريد إبداء وجهة نظره والعمل في السياسة لماذا لم يُقدّم استقالته؟
ابني أكتر واحد في الدنيا بيحب شغله، والعمل في السياسة عمره ما كان هدفه، ده واحد كل اللي بيحركه وطنيته وحبه لمصر وغيرته على إنها تبقى الأفضل.
لأن هذه البلد تملك من المقوّمات، زي ما كان بيقولي، إنها تبقى أحسن بلد في الدنيا، والسياسة دي دايما لعبة مصالح هو مالوش في اللعبة دي خالص.
بعد ثورة يناير على طول كان عنده طموحات كبيرة في التغيير اللي هيعدل حال البلد، كانت طموحاته على نفس مستوى الحدث، مستوى الثورة الجليلة اللي أبهرت الدنيا كلها.
وبعد كده وبمرور الشهور أصابه الإحباط مثل ملايين المصريين، نعم فيه تغيير ولكن بطيء ومكنش على مستوى طموحاته ولا طموحات الناس البسطاء كما يسمع هو كل يوم من الناس البسطاء .
هو قدم استقالته التي كانت مسببّة، بسبب واحد إنه عاوز يتكلم، ومش عاوز يخالف قواعد العسكرية تاني، لكن الاستقالة تم رفضها .
ما هو موقفك منه بعد تقديم الاستقالة ؟
وبصراحة أنا عارضته ولُمته بشده على مجرد التفكير في الاستقالة، لأني عارف هو قد إيه بيحب شغله، وكمان لأني أب خايف عليه وعلى مستقبله، وهو كمان عنده أسرة كبيرة وولاده صغيرين محتاجين يحسوا بالاستقرار والأمان .
شرح لي أنه سمع وشاف عن ال 40 واحد اللي ماتوا تاني في أحداث شارع محمد محمود، والآلاف اللي اتصابوا، مداش نفسه فرصه يفكر، ووصل تاني للميدان ولم يكن لي أي رد فعل بعد ذلك .
اتهمه البعض بأنه انشق عن الجيش وأحدث فتنة بداخله.. ما رأيك ؟
أحمد شومان ينشق عن الجيش.. مين صاحب عقل يصدّق الكلام الفارغ ده..!!
ده بيحب شغله لدرجة العشق، وكلمة ظابط عنده مش مجرد عنوان مهنة لأ.. دي عنوان للشجاعة والرجولة والفروسية والتضحية.. هي دي المبادئ اللي ربيته عليها، واللي رسختها دراسته في الكلية الحربية.
ثم مين اللي بيتهمه؟! أنا مش عارف مين اللي وراء حملة التشكيك في وطنية ابني؟! ومصلحته ايه في اتهام رجل ضحى بنفسه وبمستقبله ومستقبل ولاده علشان نِفسه البلد دي تقوم، وتبقى أحسن بلاد الأرض.
اللي بيقولوا عاوز يعمل انشقاق في الجيش يسمع تاني الكلام اللي قاله، وعلى فكرة بعد أحداث 19 و20 نوفمبر اللي فات، كانت شعبية الجيش عند الناس البسيطة في أسوأ مستوياتها، ومسمعناش هتافات "الجيش والشعب ايد واحدة" إلا بعد نزول أحمد التحرير من تاني.. يبقى ازاي عاوز يعمل فتنة وانشقاق زي ما بيرموه بالباطل..حسبي الله ونعم الوكيل.
الرائد احمد شومان خالف التقاليد العسكرية .... ما هو ردك علي من يقول ذلك ؟
كلنا نحترم قواعد المؤسسة العسكرية المصرية العريقة، لكن مصر الآن بتعيش في مرحلة الثورة، اللي لسه مستمرة لأنها ماحققتش كل أهدافها .
وهذا الكلام باعتراف المجلس العسكري نفسه وباعتراف الدنيا كلها، لابد أن يتعامل المجلس العسكري مع أحمد الضابط الذي تفاعل مع أهداف الثورة وأن يكون الموضوع روح القانون وليس القانون.
وأقولها للجميع وبصوت عالي -كمصري قبل ما أكون أب - من أهم أسباب نجاح الثورة يناير هو نزول أحمد إلي الميدان.
والمجلس والمشير قدر ذلك وعفا عنه ؟
نعم ...المجلس عفا عنه أول مرة إيمانا منه بالأهداف النبيلة للثورة، فما سرعدم العفو عنه هذه المرة، هل إيمان المجلس بأهداف الثورة اتغير..؟؟! عن نفسي لا أظن ذلك.
وعلى فكرة أي حد تعامل مع أحمد عن قرب، أو حتى لو ماشفوش وفهم الكلام اللي قاله كويس، هيتأكد أنه إنسان بسيط جدًا، وتلقائي، ووطنيته هي اللي بتحركه، زي كل وطني ما بيتصرف بكل تلقائية وبدون حسابات ولا خوف من اللي ممكن يحصله.
يعني الناس اللي نزلت التحرير، وكان فيه احتمال بنسبة 90% إنها تموت برصاصة، أو تصاب بعاهة..مش ده تصرف بدون أي حسابات لأنهم لو حسبوها مكنوش نزلوا ولا كان فيه ثورة من الأساس..موقف ابني أحمد من هذا المنطلق نفسه .
ما هي دوافع الرائد أحمد في المشاركة في الثورة الأولي والثانية ؟
الدافع الوحيد هو وطنيته وغيرته على مصلحة البلد، بلدنا جميعا مصر .
ما هي التهم الموجهة لابنك من المحكمة العسكرية؟
غيابه عن الوحدة من يوم 22 نوفمبر وحتى 26 منه.. مع انه كان في أجازة في الفترة دي.
ارتداؤه للزى العسكري وانضمامه للمتظاهرين .
ادلاؤه بآراء سياسية وظهوره على الفضائيات.
مع العلم إن ابني كان يقول رأيه الشخصي كأي مواطن مصري وليس كفرد من القوات المسلحة، ثم كتير من مطالبه دي اتحققت دلوقتي ومنها المجلس الاستشاري.
هل تم القبض عليه أم قام بتسليم نفسه إلى وحدته ؟
بمجرد أن تم استدعاؤه من الشغل قام بتسليم نفسه لوحدته فورا.(نص رسالة شومان قبل تسليم نفسه )
ولماذا قام بتسليم نفسه بعد انضمامه للمتظاهرين ؟
لأنه شاف من وجهة نظره أنه اتكلم وقال اللي عاوزه في الميدان، ودوره خلص لحد كده، حتي جاء الاستدعاء، والبعض قال له لا تذهب ؟ ! قال أنا مش مجرم علشان أهرب. وعلى فكرة أحمد معندوش تضاد بين واجبه الوطني اللي بيحركه وإيمانه الثوري، وواجبه المهني، فوجد أنه لو تم استدعاء من وحدته يبقى لازم يروح، الجانبين غير متعارضين عنده ،فالبعض لا يفهم هذا الأمر حتي الآن.
ما هو الموقف القانوني له الآن ؟ والله محدش عارف.. قبل كل شيء هو مصيره في إيد ربنا.. كان المفروض النطق في الحكم في قضيته يوم الأحد 11 ديسمبر، لكن تم تأجيله ل21 ديسمبر.
ما هي طلباتكم ؟
المشير أب أولا وأخيراً، وأحمد من أبنائه وتلاميذه, أثق في سماحة المشير طنطاوي وإيمانه بالثورة المصرية العظيمة، وأتمني أن يصدر عفو عن أحمد ويأتي لأولاده وزوجته.
هل الضابط أحمد يتعرض لسوء معاملة في محبسه ؟ لا لا ، هذا غير صحيح أحمد يعامل بالأخلاق العسكرية، وخلي بالك من عندهم أحمد هم أساتذته، زملاءه، تلاميذه، وهؤلاء هم أبناء مصر، لا صحة لهذه الإشاعات علي الإطلاق.