"أنا وسام عمري 12 عاما في حلب المحاصرة المدمرة التي دمرها بشار وروسيا المجرمين، أحب حلب ولن أخرج منها أوقفوا قتلنا وفكوا الحصار عنا أكتب بيدي اليسرى لأن يدي اليمنى مصابة أحب الرسم لكن ليس عندي ألوان".. رسالة نشرها أحد أطفال حلب وتداولها نشطاء ضمن رسائل وصور وتدوينات للمحاصرين تنشر يوميا لطلب المساعدة بعد الخناق المفروض عليهم منذ أربعة أشهر ووابل الحرب التي يكثفها النظام منذ منتصف نوفمبر الماضي. سنوات من المعاناة يعيشها سكان حلب منذ اندلاع الثورة السورية، إلا أن الوضع بالمدينة يزداد سوءا مع مرور الأيام، الأمر هنا يخص الجانب الشرقي منها الخاضع تحت سيطرة المعارضة السورية، والذي تقاتل قوات الجيشين السوري والروسي لاستردادها لتخضع مع غربها لحكم نظام الأسد. وخلال الأيام القليلة الماضية أضحت أكبر المدن السورية هدفا استراتيجيا للنظام السوري ما جعلتهم بمعاونة القوات الروسية يكثفون من الغارات التي تسفر يوميا عن مقتل العشرات من أبناء المدينة ممن لم يجدوا مفرا من الحصار وأرغموا على البقاء أو ربما يكونوا قد اختاروه لمواجهة الموت داخلها بدلا من الوقوع هدفا أيضا للقذائف أثناء الفرار منها. "باب جهنم فتحه النظام" هكذا يصف أهالي حلب أو من تبقى منهم الوضع هناك، منذ أن اشتدت المعارك بها خلال الأسبوعين الماضيين، واستمرار سقوط المئات من القتلى والمصابين يوميا وسط القصف المدفعي بقذائف الهاون وراجمات الصواريخ والقنابل الارتجاجية والعنقودية التي تستخدمها الطائرات الروسية والجيش السوري، فضلا عن البراميل المتفجرة التي تتساقط بشكل دائم. من موت إلى موت وجدد النظام من استخدامه لغاز الكلور السام في قصف حلب، وفي بيان للمرصد السوري أعلن أن طيران النظام المروحي استهدف حيّي القاطرجي وضهرة عوّاد في حلب المحاصرة بخمسة أسطوانات متفجرة تحتوي غاز الكلور السام، ما تسبب بإصابة عدّة أشخاص بحالات اختناق وذلك في الثاني والعشرين من نوفمبر الماضي. وهي ليست المرة الأولى له خلال هذا الشهر فقد أعلن المرصد أنه استخدم غاز الكلور لثلاثة مرات في أقل من عشرة أيام في حلب فقبل هذا التاريخ بيومين ألقى الطيران المروحي برميلاً متفجراً يحتوي غاز الكلور، على حي الصاخور ما تسبب بوفاة عائلة مؤلفة من 6 أشخاص، ومرة أخرى سابقة لها في حيّي مساكن هنانو وأرض الحمرا دون ورود أنباء عن وقوع ضحايا. الموت برداً معاناة أخرى تواجه المواطنين من حلب وغيرها من المدن السورية، لكن غياب وسائل التدفئة مع دخول فصل الشتاء يضر بمن تبقى من المحاصرين، فقد نقل الإعلامي السوري الهادي العبد الله وفاة طفل يبلغ من العمر أربعة أشهر بسبب البرد، واصفا الوضع بأنه "العشرات من أهالي حلب ينزحون داخلياً ويتنقلون بين الأحياء المحاصرة هرباً من القصف المتواصل، يهربون من النار إلى الجحيم، من موت إلى موت". نزوح وقصف عشوائي وسط احتدام المعارك لم يجد الآلاف من أهالي الأحياء الشرقية في حلب بدا من الهرب خارج جحيم الحرب، لتستمر حركات النزوح خارجها إلى الأحياء الغربية التي تخضع لسيطرة النظام وتعيش أجواء أهدى من نظيرتها، إلا أن كثيرا منهم لا يدري إلى أين يتجه بالتحديد وآخرين يروحون ضحايا للقصف العشوائي. فقد أودت الغارات بحياة نحو مائة مواطنا سوريا أو يزيد قرروا الفرار من شرق حلب الأسبوع الماضي فقط، فقد قتلوا بقصف مدفعي للنظام السوري أثناء نزوحهم إلى مناطق أمنًا وابتعادهم عن المنطقة المحاصرة في الشرق، وتفيد صورا ومقاطع فيديو آثار تلك الغارات وما تسفر عنه من ضحايا إلا أن أحدا لم يحرك ساكنا ويوقف جحيم الحرب. وتقول الأممالمتحدة في تقديرها لأعداد النازحين من حلب بأنهم وصلوا إلى 30 ألف شخص فروا من الجزء الشرقي المحاصر من حلب خلال الأيام الماضية بسبب المعارك، وبهذا يبلغ عدد النازحين في المدينة داخليا 400 ألف شخص وهو يساوي عدد اللاجئين السوريين في كل أوروبا، بحسب ما ذكره مبعوث الأممالمتحدة الخاص، ستيفان دي ميستورا. وقالت الأممالمتحدة إن لديها أغذية مهيأة تكفي ل150 ألف شخص في الجزء الغربي من حلب، لكنها لا تستطيع الوصول إلى 200 ألف شخص لا يزالون باقين في الجزء المحاصر، موضحة أنه في الداخل نفد مخزون الأغذية، وتجرى العمليات الجراحية في الأدوار السفلى من المنازل بدون أي تخدير. وذكرت مفوضية الأممالمتحدة السامية لشؤون اللاجئين أن العديد من أولئك الذين فروا من المناطق الشرقية لجأوا الآن في مبان غير مكتملة أو مدمرة جزئيا، الظروف غير الصحية والاكتظاظ تشكل تحديات بالفعل في المدينة المزدحمة مع توفر القليل من المساحات المفتوحة"، موضحة أن منطقة جبرين وهي منطقة صناعية، استنفدت قدرة استيعابها بالكامل، مع انضمام اللاجئين الجدد وأغلبهم من النساء والأطفال إلى نحو 55 ألف شخص كانوا قد فروا بالفعل من القتال في الأشهر الأخيرة. جيش حلب وأعلنت فصائل المعارضة في مدينة حلب حل نفسها والاندماج في جسم عسكري واحد تحت مسمى "جيش حلب" حيث تم تعيين "أبو عبد الرحمن نور" قائداً عاماً للجيش، و"أبو بشير معارة" قائداً عسكرياً لتتحد جميع الفصائل في مواجهة قوات الأسد وروسيا، مع استمرار المعارك بين الجانبين وهو صراع من أجل البقاء. وأوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات النظام والمسلحين الموالين تواصل إمطار حلب بالقذائف والصواريخ والبراميل المتفجرة محدثة المزيد من الدمار، الذي قد لا يزال الكثير من ركامه يخفي جثثاً لم يعثر عليها، مع استمرار سقوط القذائف على أحياء حلب الغربية ومناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في المدينة. فيما فسر مصدر أمني سوري في تصريحات لجريدة روسية سبب اشتداد العمليات الحربية والقصف على حلب برغبة النظام السوري في استرداد المدينة بصورة كاملة من المعارضة قبل تنصيب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وقد نجحت القوات السورية والميليشات الداعمة لها من تحقيق تقدم ميداني والسيطرة على عدد من الأحياء في الجانب الشرقي والشمالي من حلب.