"وجوه" عملاقة تكشف عما بداخلها، تراها معبرة من خلال ملامحها وألوانها عن الوجوه الأصلية التي هي صاحبتها في الأساس، فقد تخدعك تلك الوجوه أحياناً، لكنها بالفعل تخبرك عن حقيقتها في معرض "ناس" بتوقيع الفنان عبدالوهاب عبدالمحسن. 40 وجه يتنوع من شخصية إلى أخرى، تتناولها لوحات عبدالمحسن، التي تعتمد على اللون بشكل أساسي، فكما عودنا الفنان أنه يستلهم الطبيعة في أعماله برؤيته الخاصة، وبحنكة كبيرة في استخدام اللون الذي يكون بطعم خاص على مسطح لوحاته، التي تنحاز دوما للطبيعة المصرية، فمن ينسى أعمال تشققات الأرض التي أبدعها الفنان وأظهر خلالها الجمال الخفي وراء تلك التشققات وكأن تشقق الأرض في أوقات جفافها ميزة تزين هذه الأرض لعدة شهور توضح جمال الطبيعة. أيضاً لوحات "البحيرة" التي أبدعها الفنان سواء أبيض وأسود، أو تسلل لها اللون، أو كانت ملونة برؤيته وبصمته المعروفة، فقد عرفنا الفنان على "البحيرة" بشجيراتها وطحالبها ونباتاتها الخاصة وأسماكها وجميع كائناتها، وأظهر جمالياتها على أسطح اللوحات. فكما يقول الفنان: "منذ أكثر من ثلاثين عاماً وأنا انتظر أن ابدأ.. استدرجتني الأسطح والخطوط والألوان.. أغوتني الطبيعة معلمي الأول، لكنني في كل مرة كنت أؤجل البداية، ثم فاجأتني وأتت.. فرحت أنني استطعت أن أعيشها كما أحب واشتهي بحرية وشغف؛ السبب في ذلك- كما يبدو لي – هو ما حدث في السنوات الأخيرة حيث زالت الأقنعة، واقتربت المسافات بين الكائنات التي تحيا في مكان واحد وفي الزمن نفسه. لقد تداخلت الملامح والصفات بين البشر والحيوانات والآلات والحشرات والطير". وتابع عبدالمحسن: "التواريخ ليست مهمة، المهم أن تفعل، فترتيب زمن الفعل متروك للزمن وحده.. حياة الإنسان مراحل، لكن ليس مهما أن تكون هذه المراحل 1، 2، 3، المهم أن يعيش الإنسان كل المراحل، وبعد ذلك يرتبها الجميع حسبما يرون.. فرحت أنني استطعت، وفرحت أكثر لاكتشافي أنني قادر على تجاوز ما فاتني، حتى لو جاء بعد ميعاده. سألت نفسي من يرتب مراحل حياتنا، ولماذا لا نحيا متعة التقدم والرجوع، البناء والهدم، ألم نعرف أن الحياة تجربة خاصة لكل إنسان، ولا يستقيم تعميم تجربة على الكل، المهم أن تكون أنت في كل المراحل والتجارب". وصف الفنان عبدالوهاب عبدالمحسن صورته الشخصية في المعرض بأنه "رجل شايب رومانسي"، والتي استخدم فيها مجموعات لونية متنوعة، يكون اللون مسطح أحيانا، أو ممتزجا بألوان أخرى، وعلى الرغم من أنه لا يستخدم الألوان الواقعية للوجوه إلا أنك تراها جميعا واضحة، وقد تتعرف على أغلبها. وفي المعرض نجد "السلطان"، "الأسطورة"، "الدمية"، "الضحية"، "المتنكر"، "الأكتع"، "الشاعر"، "البقرة"، "الدحلاب"، "المسيح"، "شباب الميديا"، "النصاب"، "مولانا"، "القناع الطيب"، "ست الحسن"، "المذيعة"، "عاملات في شركات المحمول"، "العانس"، "سيدة وحيدة"، "أم قويق"، "سيدة أعمال"، "ناشطة حقوقية"، "ناس بلا ذاكرة"، ساحر الغيط"، "رجل طيب"، "المذيع"، "الملوك الثلاثة".. كل منهم يعبر عن شخصيات عايشها الفنان خلال مراحل حياته المختلفة، فاختار أن يكشف عنها من خلال الرمز. ففي أعمال "ناس بلا ذاكرة"، اختار عبدالمحسن أن يعبر عن هؤلاء برسم بورتريه لعدد من الأسماك، كل سمكة منهم لها ألوانها وأسلوب خاص في رسمها يعبر عن تنوع تلك الشخصية، ومن المعروف أن ذاكرة السمكة ضعيفة جدا ولذلك عبر الفنان عن "ناس بلا ذاكرة" من خلال السمكة. أيضا الملوك الثلاثة، عبر عنهم الفنان وكأنهم شياطين أو حيوانات بهيئة آدمية لهم قرون. و"الضحية" بورترية لرأس "بقرة" كناية عن ذبحها والتضحية بها. وترى العانس بائسة الوجه ونظرة عينيها تملأها الحزن. والسلطان توج بما يشبه التاج، وبالرغم من ذلك لم نستشعر السعادة في نظرات عينيه. أما "البقرة" فنزل الوجه ليحل محل الجسد يليه القدمين. و"النصاب" ذات اللحية الطويلة دلالة على ادعاءه التدين من أجل النصب. و"مولانا" يغلق عينيه حتى لا يرى الواقع من حوله. و"الناشطة الحقوقية" تنظر بجرأة شديدة معبرة عن قوة شخصيتها. و"الرجل الطيب" ينظر بسماحة وطيبة نفس. وجوه ووجوه بأحجام كبيرة أسماءها جميعا تعبر عن شخصياتها، أبدعها الفنان عبدالوهاب عبدالمحسن لتكون شاهد على تلك النفوس البشرية المختلفة والتي نراها في حياتنا اليومية باستمرار. يقول الفنان عنهم: "كل هؤلاء الناس أعرفهم، يعيشون معي، في السوق والشارع، في العمل والمواصلات، أتحاور معهم في صمت، كلهم يعيشون في ذاكرتي.. في مرسمي يومضون على سطح اللوحة، فقط أنفض الغلالة البيضاء عنهم لتظهر حقيقتهم، كما أراها، وكما أعرفهم.. هي ليست صورا شخصية، لكنها حالات تشبه أصحابها من الداخل، منحتها الطبيعة فراسة التلقي وفهم الدواخل، وعشت معهم وفي ملامحهم غواية اللعب بالخطوط والألوان، وكانت عمارتنا في هذا المعرض وجوه الناس".