عقل : القصة القصيرة "ثقب أسود" يخدع المبدعين كرسي "الزعيم" يفسده .. ومطاريد الواحة أفضل من حاكمها! قصص فوده صرخة بوجه استبداد البشر وقطيع الإنترنت نزار قباني عن أدب الحرب العربي : لا يرقى لمستوى الدماء! طه حسين للمبدعين : دعونا نتحدث العربية أولا! "المثالية لا تسكن الأرض، وإقرارا لهذا صعد أوزوريس إلى السماء وترك الأرض لحورس المنتقم ، هل نترك الوطن للغريب المرتدي قناع المصلحين ؟ هل نسير ما يمليه علينا من روشتة للإصلاح واستقدام للخبراء؟ هل نلغي عقولنا ونصدق ما نسمع من حديث معسول في ظاهره فيما يكمن العذاب بباطنه ؟ دس السم بطيء المفعول المجلوب من الخارج لجميلة ، كما دس للوطن، فهل ننتظر سريانه في شريان الوطن، كما سرى في دم جميلة، أم نعتمد على سواعدنا ونعز أوطاننا بالاتحاد والعمل والاجتهاد " هكذا نقرأ على غلاف المجموعة القصصية الجديدة لعلي فوده "البلطجي والغريب وراسبوتين" والصادرة حديثا عن دار سنابل الكتاب للنشر في 95 صفحة من القطع الصغير. المجموعة شهدت مناقشة ساخنة مساء أمس بملتقى السرد العربي بالقاهرة، شارك بها د. حسام عقل الناقد الأكاديمي، أحمد الجلبي القاص المصري، الكاتب زكريا صبح والشاعر طلعت نصر الدين وعدد من المبدعين والنقاد . قصص المجموعة تحمل أسماء "الكتيبة" ، "الزعيم"،"يوم مقتل راسبوتين"، "البلطجي والكلب" ،"الغريب"و "عام 2225" تطرح جميعا فكرة الهوية الوطنية والاستبداد وتعاين مشكلات معاصرة تؤرق الإنسانية ومنها غياب التواصل البشري بعد طغيان عصر الشاشات السحرية والإنترنت . وبرغم احتفاء الحضور بموهبة الكاتب، لكنه لم يسلم من انتقادات حادة للأخطاء اللغوية المتكررة وغياب الفنية والعمق بكثير من قصص المجموعة، يضاف لذلك عدم انضباط اللغة بين الفصحى والعامية . وقد تساءل مدير اللقاء حسام عقل عن مغزى دمج عناوين القصص بعنوان واحد على الغلاف! تدوير الواقع في كلمته، دعا الكاتب أحمد الجلبي مؤلف المجموعة لخوض الكتابة الروائية، وقد لمس هذه المقدرة بالقصص وبنيتها التي تسمح بالتعمق والحوارات المشوقة، واعتبر أن قصة "الكتيبة" تعاين جدلية انتصار الأمم والأفراد، فيما تذهب قصة "راسبوتين" لعالم الفساد الكهنوتي بمعناه الشامل وليس المسيحي ، فهو يحاكم المتاجرين باسم الدين ، وقد أعدمت الثورة البلشفية الروسية هذا الكاهن الماجن وارتبط اسمه كرمز للفساد الديني. وأعجب الكاتب بقصة "البلطجي والكلب" لأن الكاتب حاكم المنظومة المسئولة عن مقتل هذا الحيوان ، منظومة أفرزت البلطجة والتسيب بالشارع المصري في إعادة لتدوير الواقع من خلال الأدب. وفي قصة "الزعيم" يؤكد فوده أن السلطة تجعل البطل المخلص ديكتاتورا فاسدا بمرور الوقت ، والتاريخ في كل الأحوال يكتبه المنتصرون! أما الشاعر طلعت نصر الدين فتحدث عن بعض الجماليات بالمجموعة، كخاتمة قصة "الكتيبة" والتي تعود لذكرى نكسة 67 وتنتهي بالمجند يخبر أم صديقه بأن جرحه غائر ويحتاج لوقت طويل، وهو يرمز للوطن.، كما تطرق الشاعر في قصة راسبوتين لاختيار الحكم الضافية من نصوص الإنجيل وحكم ابن طفيل وحي بن يقظان وغيرها من الحكم التي تجري على لسان الراهب الزنديق، والذي يعطي القاص صورة مغايرة لما عُرف عنه تاريخيا! وفي قصة "الغريب" نرى استهلالا جماليا مستوحى من الساموراي الياباني ، وهم مجندون يضحون بأنفسهم بسبيل العدل والحرية ، ونرى بالمجموعة نزوحا للواحة الصحراوية وأفكار مواجهة الخواجة المستعمر واللجوء للزاوية ، التي ترمز للعودة لله، وتحوي معان صوفية عميقة . الغازي الجديد وبدوره يرى الكاتب زكريا صبح أن قصة "الغريب" ترمز للوطن من خلال واحة بالصحراء، وبطلها الغريب الذي لا نعرف اسما له يجعل من القصة إنسانية لكل زمان ومكان ، وأشاد بالرمزية التي هي من أهم شروط القصة القصيرة . والغريب ان القاص جعل مطاريد الجبل مثقفين ومتدينين بالحكاية، وهم أكثر رحمة بأهلهم من المتسلط الذي يحكم البلدة . وأشاد "صبح" بقصة "2225" وهي امتداد لفكرة الغريب، ولكنها تذهب للمستقبل بعد سيادة عصر الإنترنت فالكل يلزم بيته لا يبارحه ويتحدث ويتسوق ويتعلم ويمارس عمله وترفيهه عبر أنابيب كبيرة مرتبطة بشبكات ضخمة عالمية للانترنت ، هذه الشبكات يحكمها أباطرة متحكمون بوسائل الإعلام هي الأخرى، وكأننا نخرج من القصة السابقة من الغزو البري لنفاجأ هنا بغزو غربي إلكتروني لعقول الشباب، وبعد حالة الترف التي ينعم بها الجميع يفيقون على تحول حياتهم لشبح مخيف بلا دفء أو تواصل إنساني حقيقي يشعرهم بالأمان والسعادة، ويحتدم الصراع بين ملايين البشر الذين يقررون التظاهر بالشوارع من ينتصر للفن؟ برغم اعتراف د. حسام عقل بموهبة الكاتب، لكنه عاب عليه غياب العناصر الفنية المؤسسة لفن القصة القصيرة كالرمزية والتكثيف والبلاغة والعمق أحيانا، وهو ما دفعه لاستدعاء ظاهرة استسهال المبدعين كتابة القصص عن الروايات. وقال عقل : شيوخ الرواية أنهوا حياتهم بالقصة القصيرة لعلمهم بكونها ذروة إبداعية لا يبلغها إلا من قد اكتملت أدواته عمقا وفنية، فنجد نجيب محفوظ شيخ الرواية العربية ينهي حياته بمجموعة قصصية تعاين أحلام فترة نقاهته. وتذكر "عقل" مقولة طه حسين في معرض تعليقه على قصص مقدمة إليه، فقال : المهم أن نتكلم العربية أولا! . وهذا يؤكد أن عتبة أي إبداع وأكسجين حياته هي اللغة العربية المنضبطة والبليغة . كما أبدى الناقد الأدبي دهشته من استدعاء الكاتب لقصص تاريخية بغير تعيين زاوية إدهاش جديدة، فقصة كراسبوتين كتبت بالتاريخ وتناولتها مسرحيات وأفلام عديدة، بينها مسرحية جسد بطولتها يوسف وهبي باقتدار وتعد من تراث التليفزيون النادر والذي لا نعرف عنه شيئا الآن . وعاب الناقد على القاص خشيته من عدم فهم القراء له وهو ما جعله يسقط كثيرا بفخ تكرار المعنى وشرحه، وهذا يوقعه بعتبة الوضوح الخانق كما يشير يحيى حقي، و يقضي بدوره على فنية القصص، على حين نجد أن تشيخوف رائد القصة العالمي كان يحذف مقدمات وخواتيم قصصه قبل الدفع بها للقراء حتى تخلو من الزوائد والحشو. وللأسف لا يضيف الكاتب أيضا للذاكرة الفنية التي قدمت نكسة 67 ، ونضطر كثيرا لتذكر مقولة نزار قباني عن الأدب الذي جسد حرب 48 بين العرب وإسرائيل بانه "لا يرقى لمستوى الدماء" ! يقول عقل : نتذكر ذلك ونحن نطالع ما قُدم من روايات وقصص وأفلام ومسرحيات عن نكسة يونيو ونصر أكتوبر، فلا نجد إلا أعمالا نادرة تعد على الأصابع تلج لعمق الصراع وتستشرف المستقبل من خلاله ك"تلك الأيام" لحنا مينا و"حكايات الغريب" للغيطاني، فيما الباقي لا يزيد عن تكرار سطحي للأحداث وقولبته في قصص حياتية لا ترقى للواقع! وأبدى الناقد إعجابه بتجهيل اسم الزعيم في القصة التي تحمل هذا الاسم، وفكرة مقابلة زعيمين سابق وحالي، ومحاولة الجديد توريط سابقه بتهم كثيرة ودفاع الأول عن نفسه، ونعود مع القصة لتذكر "خريف البطريرك" لماركيز تلك الرائعة المحفورة بذاكرة الأدب العالمي عن مستبد مترف يسرف على نفسه بالشهوات وينسى رعيته . من جهة أخرى أشار د. حسام لبلاغة النهاية المفتوحة بالقصة حين يمسك الزعيم الجديد بالمسدس بمواجهة رأس القديم، فيما يداه ترتعشان!، فتكون توقعات القراء صوب رأس منفجر أو مشهد سيتكرر مع الجديد فيما بعد وهكذا .. أما قصة 2225 فيرى الناقد أنها تحمل صرخة ضد تحول البشرية لقطعان الآلة كما بشر توماس فريدمان . .. ختاما نصح مدير اللقاء ومنسق ملتقى السرد العربي المبدعين الجدد بعدم استسهال كتابة القصة، فهي كما يشير أحد النقاد العالميين تشبه الثقب الأسود الذي يغري الكتّاب المبتدئين بولوجه، فإذا بهم يسقطون بهوة عميقة تحتاج حشد إمكانات هائلة للعبور منها بسلام ! يذكر أن ملتقى السرد العربي يحتفل هذا العام بعامه الرابع، وقد انطلق بالقاهرة يستهدف الارتقاء بالذائقة العربية، وصون تراثها الأدبي العريق، تفعيل دور النقد في بناء وعي المبدعين والقراء بالسرد العربي وفنونه وتراثه ودعم الأقلام الموهوبة من المحيط للخليج وتسليط الضوء على المنجز المعاصر بمختلف فنون السرد .