كي نتخفف من وطأة الجدل السياسي المحتدم في مجتمعنا، والذي يشغل بالنا ليل نهار، وأصبح يحوط كل دقائق حياتنا هذه الأيام، دعونا نُرَوّح عن أنفسنا، ولو بضع دقائق، ننظر فيما يحدث في عالم الفنون البصرية من طرائف ولمحات قد تحمل معان فلسفية ساخرة عن حياة ونشاط البشر.
وتكشف لنا- رغم سذاجتها- عن حقيقة الهدف من وجود الإنسان ذاته، وبعد أن نفرغ من التأمل والتفكير، علينا أن نعود مجددا إلي أرض الواقع التي ضربها زلزال سياسي تحتم علينا مواجهته والتحسب لما تأتي به توابعه من مخاطر.
مارينا ابراموفتش التي نقصدها هنا – لمن لا يعرفها – هي فنانة عروض حية (برفورمانس) أمريكية من أصل صربي تبلغ من العمر 67 عاما، قدمت عروض البرفورمانس منذ عام 1970 وحتى الآن، ويصفها كتاب الفن ونقاده بأنها جدة فن هذا الفن، رغم أنها ليست أول من قدمه، وإنما يرجع ذلك بسبب كثرة عروضها وتنوعها، وأيضا لما تثيره تلك العروض من جدل شديد لغرابتها، ولجرأتها، وأحيانا لفجاجتها، علي أي الأحوال.
بعد أن قدمت الفنانة مارينا في متحف الفن الحديث بنيويورك العام الماضي (2010) عرضا إستيعاديا لأبرز أعمالها التي قدمتها علي مدار أربعة عقود، ونال استحسان الجمهور، وجدنا أن الوسط الفني في روسيا حتى يثبت عدم تخلفه عن ركب التطور الفكري والحضاري، يدعو الفنانة مارينا لعرض إستيعادي مماثل يقام حاليا بموسكو في قاعة ( مركز جراج موسكو للثقافة المعاصرة) في الفترة من 8اكتوبر 2011 وسيستمر حتى 4 ديسمبر 2011 .
ويضم العرض خمسون عملا من أعمالها يقوم بتقديمها عدد من شباب الفنانين نيابة عنها، بالنظر لتقدمها في السن. وتتنوع العروض ما بين تجهيزات ثابتة، وتجهيزات صوتية، وصور فوتوغرافية، وأفلام فيديو، وعروض برفورمانس فردية، وأخري جماعية، والجديد هذه المرة أنه عندما أقيمت حفل عشاء جالس كبيرGala Diner حضره مئات من المدعوين اقترحت الفنانة مارينا أن يكون طبق الحلو في نهاية العشاء عبارة عن حلوي من السكر المعقود الهش مصبوب في قالب علي شكل انفها الكبير الذي تتميز به، والذي قالت أنها لطالما استعرت وتضايقت منه في شبابها، ولكنها اليوم تقدمه للجمهور ليأكلوه، وقد صبت منه قوالب عديدة تباع وتوزع علي رواد العرض، وقد أعتبر هذا التصرف عملا فنيا من أعمال الفنانة أضيف إلي مجموعة الأعمال المعروضة بقاعة العرض.
عزيزي القارئ أرجو أن أكون بهذه الطرفة قد نجحت في إخراجك ولو لبضع دقائق، من مشاكل الأوضاع السياسية التي نغرق فيها، والآن وبعد أن ضحكنا، أو استهزأنا، أو استهجنا، أو استغربنا، أو استمتعنا، أو أسفنا، يمكننا أن نواصل مواجهة المشاكل التي تعصف بمستقبلنا السياسي، لنبني مصر حديثة علي أسس ديمقراطية سليمة يعيش فيها أولادنا وأحفادنا، ولعلهم عندئذ يأكلون أنف مارينا ابراموفيتش.