أكد الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي الجمهورية، أن مواجهة الأيدلوجيات المنحرفة تحتاج إلى حرب فكرية يتعاون فيها علماء الدين مع وسائل الإعلام الدولية وكذلك الأوساط الأكاديمية في مجال النشر والبحث، من أجل تفنيد تلك الأيدلوجيات وفضح أفكارهم الخاطئة، عبر إتاحة المجال للعلماء المسلمين الوسطيين. وذكر بيان لدار الإفتاء، اليوم الخميس، أن نجم أوضح - في محاضرة ألقاها أمس في معهد الدراسات الاستراتيجية بمدينة نيويورك على هامش مشاركته في قمة الأممالمتحدة لمكافحة التطرّف تحت عنوان "مخاطر التطرف في الواقع المعاصر" - أن مصر خطت خطوات واسعة في محاصرة الفكر التكفيري، فكما ثارت على الفساد، وثارت أيضا على الإرهاب الذي يدمرها ويقضي على الاستقرار فيها. وأشار مستشار المفتي إلى أن الإرهاب أصبح ظاهرة عالمية ولا يوجد مجتمع أو دولة محصنة كلية من جرائمه، موضحًا أن مصر حذرت العالم من هذا الوباء مرارًا وتكرارًا ولم تجد دعوتها آنذاك آذانا صاغية. وقال نجم في محاضرته أن الإسلام نسق عالمي مفتوح لم يسع أبدا إلى إقامة الحواجز بين المسلمين وغيرهم، وإنما دعا المسلمين إلى ضرورة بناء الجسور مع الآخر بقلوب مفتوحة وبقصد توضيح الحقائق. وشدد أن الإرهاب يريد الخراب والشر والشعوب تريد التعمير والبناء، والإرهاب يريد الفناء والدمار، والشعوب تريد الحياة والأمل، الإرهاب يريد الفوضى وعدم الاستقرار، والشعوب تريد الأمن والأمان والخير، مؤكدًا أن وجود الإرهابيين والمتطرفين وما يرتكبونه من جرائم ضد الإنسانية يُعد حجر عثرة في طريق السلام والأمن الدوليين، وتشويهًا لصورة الإسلام، وقطعًا للعلاقات الدينية والثقافية المتبادلة بين الشعوب. وتابع مستشار مفتي الجمهورية: "أن دار الإفتاء المصرية تعتبر شريكًا فاعلاً في كل الأحداث العالمية ويتمثل دورها في نشر التوعية من خلال المحاضرات والإصدارات وإيفاد علمائها في بقاع الأرض لبيان صحيح الإسلام، وقد قادت خلال الفترة الماضية حملة عالمية لتغيير النظرة السلبية عن الإسلام والمسلمين ولتصحيح الصور النمطية عن الإسلام ونبي الرحمة". وأبدي استعداد دار الإفتاء للتعاون في توضيح صورة الإسلام وأن تكون الدار بيت خبرة لمراكز الأبحاث الأمريكية فيما يخص الفتوى وقضاياها. واستطرد: "أريد أن أكون واضحًا مرة أخرى، الإسلام يرفض تمامًا التطرف والإرهاب، ولكن إذا لم نفهم العوامل والدوافع التي تلقي بالشباب في طريق التطرف والإرهاب، ونحاول إيجاد الحلول الجذرية لعلاج هذه الظواهر فلن نستطيع أن نقضي على هذه الآفة الخطيرة التي تهدد العالم أجمع" منتقدا صمت المجتمع الدولي على الانتهاكات المتكررة بحق المسجد الأقصى مؤكدًا أن مثل هذه الجرائم تمثل وقودا للتطرف والمتطرفين. ولفت نجم إلى أن وسائل الإعلام الغربية نظرت إلى أعمال فئة قليلة لكنها عالية الصوت مثيرة للقلاقل في العالم الإسلامي، نظروا لهؤلاء واعتبروهم ممثلين لمعتقدات أغلبية المسلمين، زاعمين أن الإسلام دين أساسه العنف، وللأسف ساهمت هذه الوسائل الإعلامية في تأكيد هذا الرأي من خلال تناولها للإسلام. وطالب مستشار المفتي بعدم الانجراف في تبني المُسميّات التي تطلقها التنظيمات الإرهابية على أنفسها كمصطلح "الدولة الإسلامية" أو "الخلافة الإسلامية"، فهي من جانب تحاول أن تحصل على توصيف الدولة، رغم أنها ليست كذلك، كما أنها تحاول أن تلصق صفة الإسلامية إليها على غير الواقع؛ فلا هي دولة ولا هي تمت للإسلام بصلة. وأوضح نجم أن الجماعات الإرهابية تأتي بنصوص مبتورة من التراث وتخرجها من سياقاتها لتحقيق أهدافها الدنيئة مؤكدا أن دار الإفتاء المصرية تفضح هذه الانحرافات الفكرية وتفندها من خلال مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية الذي أنشأته الدار ليقوم بهذه المهمة. وقال : "الوجود المسلم في أمريكا وجود حيوي إيجابي لكافة الأطراف، لاسيما في هذه الأوقات، وينبغي تعظيم الاستفادة من العنصر المسلم الذي تربطه بالعالم الإسلامي روابط وثيقة مما يؤهله أن يقوم بدور السفير والممثل للحضارة الإسلامية في الولاياتالمتحدة في الميادين السياسية والاقتصادية والفكرية وغيرها إضافة إلى دوره في صناعة مستقبل مجتمعه الأوروبي". وطالب مستشار المفتي المجتمعات الغربية أن تدرك أن المسلمين لا يسعون إلى الانفصال عن مجتمعهم الغربي، بل غاية المسلم أن يندمج في مجتمعه مع الحفاظ على هويته وحقوقه كمواطن دون التعرض له بقول أو فعل مسيئ، وهو ما يستدعي ضرورة تفعيل القوانين التي تجرم نشر الكراهية والإساءة إلى الأديان. ودعا نجم المواطنين الأمريكيين إلى تكثيف الحوار بين الأديان والثقافات والنهوض بمبادئ السلام والحرية والمساواة والأخوة، من أجل مواجهة أولئك الذين يُريدون فرض الإرهاب والهمجية على العالم، مشددًا على أن الفهم الخاطئ للإسلام والأفكار المسبقة عن المسلمين تدفع بالبعض إلى ارتكاب أعمال معادية للإسلام وتزيد من العنصرية تجاه المسلمين. كما طالب بخطاب دعوى عصري واقعي ومقاصدي يكون قادرا على صياغة وتكوين فكر المسلم في الغرب بما يجعله قادرًا على أن يكون مواطنًا إيجابيًا يعتز بدينه ولغته وهويته، وينتمى لوطنه ويسهم في بناء حضارته في ضوء نصوص الشرع وأحكامه.