في مقابلة حصرية مع وكالة "الأناضول"، تحدّث أحد كبار مؤسّسي الحزب الحاكم حاليا في تشاد، العقيد بشارة جاموس، والذي كان يعتبر من المقرّبين للرئيس إدريس ديبي إتنو، قبل أن ينضم، مؤخرا، إلى صفوف المعارضة، عن جملة العوامل الكامنة وراء قرار "الانشقاق" الذي أثار الكثير من الجدل في البلاد في أغسطس/ آب الماضي، طارحا قراءته للوضع السياسي والاجتماعي عموما في تشاد. بشارة جاموس، الملقّب في بلاده ب "حارس الشمال"، وأحد أبرز المقرّبين السابقين من الرئيس التشادي، أشار، في بداية حديثه، ردّا عن تساؤل حول أسباب حصوله على هذا اللقب، إلى أنّه قاد، بين عامي 2006 و2008، وحدات الجيش التشادية المكلّفة بالتصدّي لغارات المتمرّدين القادمين من الدول المجاورة مثل السودان وليبيا، ومن هناك، حصل على ذلك اللقب الذي لازال يرافقه حتى الآن رغم تغيّر موقعه السياسي. أما اليوم، وبعد أن ولّت تلك الأيام، وأعلن انضمامه إلى حزب "الاتحاد الوطني للتنمية والتجديد"، أبرز تشكيلات المعارضة بقيادة صالح كبزابو، والذي يعتبر من أشد المناهضين للرئيس ديبي، فقد تبدّلت إحداثيات الوضع بالنسبة لرجل كان رفيق سلاح للرئيس التشادي وإذا به ينقلب فجأة إلى أبرز معارضيه. قرار قال جاموس إنه "كان البديل الوحيد المتبقّي لديه لتغيير الأشياء". خطوة قال أيضا إنه كان عليه قطعها على ضوء جملة من الاستنتاجات التي توصّل إليها حين رأى أن ذاك الذي حارب إلى جانبه من أجل الإطاحة بنظام حسين حبري (الرئيس التشادي السابق/ 1982- 1990)، "لم يكن في مستوى التوقعات المأمولة ولا الوعود التي قطعت للشعب التشادي"، في إشارة إلى الرئيس إدريس ديبي، معتبرا أنّ الأخير، أصبح، وبعكس ما كان متوقّعا "سبب بؤس الشعب التشادي". "أنحدر من نفس البلدة التي جاء منها ديبي (باردوبا بمنطقة فادا شمال شرقي البلاد)"، يتابع جاموس، و"شاء القدر أن نقاتل معا في التمرّد للإطاحة بنظام حسين حبري في 1990"، مضيفا أنه كان من بين مؤسسي حزب "الجبهة الوطنية للإنقاذ" (الحاكم حاليا)، والذي كان من بين أهدافه المرسومة آنذاك، إطلاق نسائم الحرية والديمقراطية على البلاد، غير أن "الحرية المنشودة والانتظارات المرسومة لم تتحقّق حتى بعد انقضاء 20 عاما". بشارة جاموس قدر على صعيد آخر أنّ سوء إدارة الموارد العامة دفع نحو تفاقم نسب الفقر في جميع مناطق البلاد، من ذلك أن "استغلال الموارد النفطية، على سبيل المثال، لا يعود بالمنفعة إلاّ على أقلّية مقرّبة من السلطة، وهذا ما انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد عموما"، متّهما حاشية الرئيس التشادي و"اللوبي التابع له بنهب ثروات البلاد بشكل تعسّفي"، على حد تعبيره. ومضى قائلا أنّ "موارد البلاد نهبت من قبل المقرّبين من الرئيس ديبي، ومع ذلك، لا يحرّك الأخير ساكنا، وإنما يتغاضى عن الأمر، والشعب التشادي يتّهم الزخاوى (المجموعة العرقية التي ينتمي إليها الرئيس) بمسؤوليتهم عن نهب الثروات العامة"، لافتا إلى أن "الحزب الحاكم يزيد من انحرافه وتجاوزاته للديمقراطية مع مرور الوقت". الرفيق السابق للرئيس التشادي رأى أيضا إنّ "الرئيس "حاد عن الخط التوجيهي للحركة (الحزب)، خصوصا فيما يتعلّق بهاجس الديمقراطية". وبشأن أبرز مظاهر هذا "الحياد عن درب الديمقراطية"، قال جاموس إنّ "الرئيس لم يعد، في السنوات الأخيرة يستمع لأحد، كما لم يعد يعنيه مصير التشاديين، وكلّ ما يهمّه هو البقاء في الحكم، إلى درجة منحتنا انطباعا بأننا أخرجنا الشعب من بوتقة الدكتاتورية لندفنه سياسيا واقتصاديا.. لم يحدث أي تغيير، كما أن التعددية لم تجد لها مكانا في مشهد غارق في سوء نية بعض الأشخاص في الأغلبية الرئاسية". وفي معرض حديثه عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي الذي تشهده البلاد، أشار جاموس إلى أنّ "معظم التشاديين لا يحصلون على مياه الشرب، كما أنّ المدارس في المناطق النائية تفتقد بشكل شبه كامل إلى المدرّسين وإلى المرافق الصحية الضرورية، في وقت لا تمتلك فيه الحكومة مجرّد برنامج اجتماعي واحد لفائدة هؤلاء الفقراء، وهذا الوضع مستمر على هذه الشاكلة منذ أكثر من 10 سنوات". وحول قراره بالانضمام إلى حزب " الاتحاد الوطني للتنمية والتجديد"، أوضح جاموس أنّ البرنامج السياسي لهذا الحزب، والذي يقوم على أساس تعزيز وتطوير الجانب الاجتماعي والحياة في الأرياف عموما، هو ما يتناسب بشكل أفضل مع تطلّعاته وتوجّهاته، كما أنه يبدو الأكثر ملاءمة لواقع البلاد، مشيرا إلى أن هذا الحزب "هو الوحيد القادر على تحدّي مخطّطات ديبي الجهنمية في الانتخابات الرئاسية القادمة المقررة في 2016".