بقلم صلاح بديوي كتبت صحيفة الدستور الصادرة بتاريخ 13 نوفمبر مانشيتاً رئيساً تقول فيه بالنص ما يلي "معارك دامية تنذر بحرب أهلية في سبع محافظات و300 ألف قبطي يصلون من أجل مصر". وفي التفاصيل كتب محرر الخبر مجدي فكري يقول "حمامات الدم، التي انفجرت، في محافظات سوهاج، وقنا، والدقهلية، وكفر الشيخ، والإسكندرية، ودمياط، خلال الأيام الماضية، تنذر بشبح حرب أهلية دامية بين أبناء الوطن الواحد والدين الواحد". ثم قال المذكور بالنص في فقرة أخرى "وفي نفس التوقيت، أحداث العنف دعت الطوائف المسيحية في مصر أرثوذكسية، وكاثوليكية، وبروتستنتية إلى صلاة من أجل مصر وأبنائها مسلمين ومسيحيين". وصحيفة الدستور نعرف ظروف ملكية رجل الأعمال المسيحي رضا إدوارد لها، حيث انفرد بتملكها في صفقة شهدت لغطا كثيرا، عندما تم إبرامها، وتردد بقوة أن نجل الرئيس المتنحي المحبوس حاليا جمال مبارك كان يقف خلف تلك الصفقة، حيث تم شراء الصحيفة لصالح المذكور من أجل كسر شوكة الكاتب الصحفي المعروف إبراهيم عيسي رئيس تحريرها، لوضع نهاية لهجومه المتواصل ضد التوريث. ولذلك، تعتبر جريدة الدستور في مقدمة الصحف، التي تعبر عن إعلام الفلول، وهو الإعلام الطاغي والسائد بمصر الآن، وتلك الوسائل الإعلامية الخاصة، لم يجرؤ أحد أن يقترب منها، على الرغم من مناشدات الثوار المتواصلة لمن يديرون الأمور بوطننا، أن يتخلصوا من هذا الإعلام، ويطهروه، بل أتذكر أن ثلاثة من أهم أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة ذهبوا فور تنحي الرئيس حسني مبارك إلى أبرز قنوات الفلول"دريم" ليمثلوا في رحاب السيدة مني الشاذلي ،أبرز مذيعات أو مقدمي برامج "التوك شو" في قناة دريم! وعودة لمانشيت الدستور نقول، هو مانشيت تحريضي يثير الفتنة، ويظهر الغالبية المفترية بأنها تتقاتل، وتصفي بعضها، وهو انتقام رباني لضحايا ماسبيرو، بأن يجعل الرب نذر حرب أهلية بين الأغلبية التي يجمعها دين واحد، بينما أقلية المصريين -المعتدي عليها المسالمة- تصلي وتدعو الله للأغلبية ولمصر!! وفي تقديري أن هذا المانشيت طائفي بامتياز، ويثير الحقد والضغائن والفتنة، وليست تلك الصحافة هي المطلوبة في مصر بعد الثورة، فثمة فارق بين صحف تحافظ على أمن مصر القومي، وصحف تعمل ليل نهار على هدمه. وهذا، يقودنا للتطرق للدور الذي تلعبه وسائل الإعلام الخاصة مطبوعة ومسموعة ومرئية بمصر، ولماذا صوت الليبراليين والعلمانيين هو الأعلى ؟... وللإجابة نقول، إنه عندما اعتلى جورج بوش الحكم، كانت لديه أجندة شرق أوسط كبير، يتصوره ديمقراطيا، يمكن مؤيدي التسوية والتطبيع مع إسرائيل، من حكام البلدان العربية من التواصل. وفي ذات السياق مارست واشنطن ضغوطها، على الأنظمة الديكتاتورية العسكرية في المنطقة، وكان في مقدمتها النظام المصري، لكي يسمح لفضائيات خاصة، وصحف مستقلة، ومنظمات مجتمع مصري بالظهور. بيد أن نظام مبارك كانت له وجهة نظر خاصة ألا وهي حرمان التيار الإسلامي والقومي تماما من أية منابر إعلامية يملكها، وضرب الأحزاب الإسلامية والقومية، ومن هنا رأينا كيف قام نظام مبارك بإغلاق صحف وتجميد أحزاب وحجب الشرعية عن أحزاب تحت التأسيس، ومنع أية شخصيات إسلامية أو قومية أن تصدر أية وسائل إعلامية، ومنع الإسلاميين والقوميين بمصر من الاستحواذ على أية منظمات حقوقية. وفي المقابل احتضن حكم مبارك شخصيات، تعمل بمجالات المال والأعمال، وساسة تربطهم علاقات وثيقة بجهاز أمن الدولة، أو شخصيات تحت السيطرة مقيدة بملفات مخالفات مالية وإدارية، إلى جانب وجود علاقات وامتدادات لهم بدوائر أمريكية وإسرائيلية. تم الاعتراف بأحزاب ليبرالية لتلك الشخصيات، وتم منحهم رخص فضائيات، وتراخيص صحف، وجمعيات حقوقية، واستحلت واشنطن هذا الأمر، لأنه يخلصها من الإسلاميين والقوميين، الذين تعتبرهم أعداء لها ولتل أبيب من جهة، ومن جهة أخرى يمكن رجالا تعرفهم الدوائر الأمريكية من الهيمنة على مجريات الأمور الإعلامية والسياسية بمصر. ومن هنا يتوجب أن يكون معلوما للجميع أنه خلال عصر مبارك، وخصوصا العقد الأخير منه، والذي شهد ظهور الإعلام المرئي والمقروء الخاص، لم يجرؤ رجل أعمال يملك أية وسيلة إعلامية أن يختار رئيسا لتحريرها بعيدا عن سيطرة امن الدولة، التي لها وحدها حق الموافقة على ترشيحه. بل كان هناك رجال أعمال، يأخذونها من قصيرها، ويبادرون بالاتصال بجهاز أمن الدولة ليرشح لهم رئيساً للتحرير، بل وامتد الأمر إلى مقدمي برامج "التوك شو" والعاملين بتلك الوسائل الإسلامية، حتى بات الإعلاميون الشرفاء في حصار لم تشهده مصر في تاريخها الحديث. ظل هذا الوضع قائما، حتى اندلاع ثورة 25 يناير المباركة، والذي حدث بعدها أن الإعلام الخاص والعام المملوك للدولة بات كُتَّابه يدا واحدة ضد التيار الإسلامي بجميع أطيافه، لوجود فصائل من التيار القومي تعادي واشنطن وتل أبيب. ولأن التيار الإسلامي يملك كوادر وتنظيما جيدا جدا بالشارع المصري، حيث انطلقت تلك الوسائل الإعلامية، التي نعرف جميعا مصادر تمويلها، انطلقت لتكيل للتيار الإسلامي اتهامات تهدم تعاطف الناس بمصر مع هذا التيار! كما تخلق هذا الوسائل حالة من الاستقطاب الديني الغير مسبوق في وطننا، خصوصا وأن التيار الإسلامي مجرد تماما من كافة الأدوات الإعلامية، إلا من عدة صحف أو أكثر ظهرت مؤخرا وفضائية أو أكثر، مقابل عشرات الصحف والفضائيات للعلمانيين. مع العلم أن تجربتنا علمتنا، أن المصداقية ليست بنوع الوسيلة أو كثرة الوسائل، بل بمصداقيتها ومصداقية من يقومون عليها، فالوسيلة الإعلامية القوية سواء كانت صحيفة أو فضائية بإمكانها أن تكتسح مئات الوسائل فاقدة المصداقية وتتفوق عليها. وعلى الرغم من ذلك، نحن في مصر بعد الثورة في حاجة ماسة لإعلام يعبر عن الثورة، لكنَّ ما نراه من إعلام، هو إعلام "غسيل الفلول" وحتى القنوات الجديدة، التي ظهرت بعد تفجر ثورتنا المباركة غالبيتها قنوات "غسيل فلول". فأنا أعرف أن رجل أعمال، أسمع باسمه لأول مرة، ظهر فجأة على الساحة الإعلامية بمصر، واشترى أكثر من قناة مؤثرة وأنفق على ذلك أموالا ضخمة. وليشتري صمت غالبية الكتاب الذين جعلهم مقدمي برامج ومذيعين في قنواته!! ويتبقي ان اشير إلى انني كتبت ذلك ليعي ابناء وطننا وبناته مع من يتعاملون اعلامياً وكيف تسيير الأمور، وانه مثلما توجد فلول للحزب الوطني سياسية توجد ايضاً فلول اعلامية للنظام البائد.